مواقف إنسانية وأخلاقية وفكرية وسياسية، يصعب إجمالها في مقال عن الإمام علي عليه السلام، وكيف لا وكل جملة من كلامه تحتاج كتب لتفسيرها، ولكني سأتناول قضية بأدوات بسيطة ومعانٍ كبيرة، تعني الطبقة السياسين والميسورين في المجتمع، وكل من يأتيه طالب حاجة وهو قادر على فعلها.
اخترع الإمام علي عليه السلام، طريقة لقضاء حوائج الناس، بالكتابة على التراب، ومن ثم يأتي لقضائها، بغض النظر عن من يكون كاتبها.
إختار الأمام علي ع الكتابة على التراب دون غيره كالحجر والشجر والورق المتيسر، ولم يطلب التقديم بصورة رسمية لقائد الدولة، عن طريق القنوات الحكومية والوسائط المتاحة، وأختار التراب ليطلع عليه بنفسه ولم يوكل أحد ينوبه، وتعهد بقضاء الحاجة بالخفاء دون إعلام أحد، وأبعد من ذلك هو يتجول في أواخر الليل حيث تسكن الأصوات، ويبقى أنين الثكالى والجائعين وعوائل الشهداء، فيأتي سراً لقضاء حاجتهم ووضعها عند باب المنزل، ثم يطرق الباب ويذهب، دون ان تعلم العائلة من جاء بالطلبات.
اختار التراب لسببين اولهما؛ أن ما يكتب يمكن محوه بسرعة دون ترك أثر، ولكي يعلمها السائل والمسؤول فقط، والثاني لا يريد مقابلة السائل، عله يخجل من تقديم طلبه او تُحطُّ من كرامته، ولا يجعل من نفسه بصورة المتفضل، ويُشعِر السائل بالحرج، وأعتبرها طريقة يقول عنها، أن لا أرى في نفسي عزة المسؤول، وعند الآخر ذلة السائل.
إن الأمثلة والدروس التي تركها الإمام علي ع لا تتوقف عند زمان ومكان، وطلب من أتباعه الإقتداء بمنهجه، عندما عزل والي البصرة، بمجرد قبوله لوليمة دسمة، وقال له بمعنى: لو لم تك بهذا الموقع من المسؤولية، لا تدعا الى مثل هكذا ولائم من التبذير والبذخ، وشراء ذمة المسؤول وحياديته وعدالته، والأمثلة كثيرة على عدالة حكم الإمام علي، ولا يختلف عليها، إلاّ من شذ وكفر بالرسالة المحمدية.
أشياء كثيرة أمام المسؤول لا تحتاج للكتابة وهي واضحة للقاصي والداني، وملايين العراقيين يتوزعون بسكن عشوائي، ويكتبون على تراب وطنهم أنهم بحاجة لسكن، وشعور بالإنتماء والخدمة.
انتشار السكن العشوائي، مثال للحاجة لأبسط مقومات العيش، وهناك من إستغل الحاجة وخالف القانون، وأتيح للعصابات المتاجرة بالأراضي، في حين أن أرض العراق قاحلة في بلاد النهرين، وإذا أراد مواطن الحصول على قطعة أرض، يقع بشروط تعجيزية ولا يجد نتيجة، ورغم أن كل المسؤولين يدعون الإنتساب الى منهج علي أمير المؤمنين، الذي كان يلبي الحاجة بمجرد الكتابة على التراب، فكيف والأدهى في العراق أن المسؤول يخالف حاجة الناس عنوة، ويعتبر كل شيء حق له وحرام على غيره من المواطنين، فأين أنت يا علي لنكتب لك على التراب، أين أنت يا سيد العدالة والإنسانية والسياسة، وقد كتب شباب العراق حاجتهم لوطن أمن مستقر موحد بدمائهم، أين أنت من الأرامل والثكالى والأيتام، أين أنت لكي تعزل لنا على من خالف منهجك، وإنشغل بالولائم.