لم ينشغل الرأي العام الرسمي والشعبي بمحافظة مثلما انشغل بمحافظة كركوك، حيث حاولت بعض الأحزاب الكردية تدليس بعض الحقائق لأغراض سياسية، فادعت أن المحافظة كردية، وهذا أمر غير حقيقي والدليل على ذلك مناطقها وقراها وأقضيتها ومحلاتها التي تسمت بأسماء غير كردية منذ القدم ما يدل على خطأ مدعى تلك الأحزاب، فهي إما أسماء تركمانية أو عربية.
ومن تلك المحلات على سبيل المثال: بگلر وصاريكهية والقورية، وآلتون كوبري وتازة خرماتو وطوز خرماتو وقرة تبه وقرة عنجير وقزلرباط وينگجة وآمرلي وبسطام لي وغيرها. والنهر الذي يجري في وسط كركوك شتاءً فقط اسمه آق صو أي الماء الأبيض بالتركية، فضلا عن بعض الأسماء العربية مثل القلعة و تسعين والحويجة ودبس. ولا يوجد في كل كركوك وما حولها موقع باسم كردي، مما يؤكد أن وجودهم في هذه المناطق طارئ وليس أصيلاً.
ونحن نعرف أن اسم كل مدينة يكون بلغة سكانها وهو دليل على أصالتهم فيها، حتى أربيل وحلبچة وكوي سنجق وتلعفر ليست كردية، فأربيل اسم عراقي بابلي أو آشوري معناه الآلهة الأربعة، وأصله: أربا إيل، إذ كان فيها أربعة أصنام يعدونها آلهة، وإيل باللغة البابلية والسومرية والعبرية تعني الإله.
وإن قيل لنا بأن أسماء عدد من المدن العربية هي غير عربية، فان الجواب هو نعم حقاً، لأنها جاءت بلغات السكان الأصليين لهذه المناطق من البابليين والسومريين والآشوريين والكلدانيين والفينيقيين والفراعنة والبربر، وحين اعتنق هؤلاء الإسلام وجعلوا لغته العربية لغتهم أبقوا أسماء المدن ولم يغيروها لأنها بلغاتهم الأصلية.
ولولا أن كركوك مدينة اقتصادية تضم أكبر حقل نفطي في العراق لما اتجهت إليها أنظار الأحزاب الكردية، مع السعي الحثيث لتهجير بعض الأكراد إليها من مناطق مختلفة. ولعقود قليلة مضت كان التركمان في أربيل أكثر من الأكراد فيها، وهذا ما يعرفه أهل أربيل أنفسهم. كما ان كل العراقيين يعرفون أن كركوك مدينة تركمانية، لأنه حينما يذكر اسمها يقولون: التركمان.
في منتصف الخمسينيات كان وزير الداخلية في العهد الملكي سعيد قزاز وهو كردي، حيث سهّل هذا الوزير إسكان أعداد كبيرة في منطقة واسعة بالشمال الشرقي من محافظة كركوك، وقد سميت هذه المدينة بعد ثورة تموز بـ”الجمهورية”.
وبعد سقوط النظام البعثي السابق، عمدت تلك الأحزاب إلى تطبيق خطة “جو بايدن”، فعينت محافظا كردياً، وسار على نهج من سبقه بالمضّي في تكريد كركوك مخترعا أسلوباً جديداً لتحقيق هذا الهدف، وهو نقل النساء الحوامل المشرفات على الولادة إلى كركوك ليكون مسقط رؤوس أبنائهن في كركوك، فكان من نتائج هذا المسعى أن غدت كركوك أكثر من اية محافظة أخرى في كثرة الولادات فيها، حيث صورت هذه الأحزاب الكردية الأمر بانه سبب مقنع وحجة قوية لجعل كركوك مدينة كردية.
الغريب أن الأحزاب الكردية نفسها أنكرت ما قام به البعثيون من نقل العرب من الجنوب وإسكانهم في كركوك لتغيير هويتها، فما الفرق بين الأسلوبين؟
والأكثر غرابة ما قام به بعض عناصر البيشمركة مستفيدين من احتلال داعش للموصل، حيث احتلوا في اليوم التالي كركوك، وقد كان التناغم واضحا بين داعش والبيشمرگة في الاحتلال، بدليل أن عناصر البيشمرگة جهزوا قبل احتلال كركوك “الدشاديش”، إذ كان يحيط مجموعة منهم بكل جندي ويسلمونه “الدشداشة” مجهزة سابقا لهذا الغرض ويجردونه من سلاحه، ومن المعروف أن الدشاديش لا يمكن تجهيزها لالاف الجنود بين يوم وليلة.
وما يدل على أن النية كانت مبيتة، هو إعلان مسعود بارزاني بانتهاء العمل بالمادة “140” لأنه تم تنفيذها من جانب واحد رغم أن اسمها “المناطق المتنازع عليها” التي لا تحل بين الطرفين المتنازعين إلا بالتفاوض، ما يعني أن العراق اذا ماتعرض إلى كارثة أخرى، فان رقعة سيطرة البيشمرگة ستتسع بضم مدن أخرى لكردستان.