عشية إعلان القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء حيدر العبادي ساعة الصفر للبدء بمعركة تحرير قضاء تلعفر (غربي نينوى). فان فرقة العباس القتالية التابعة للعتبة العباسية ستكون في طليعة القوات العسكرية المحررة بحسب مصادر عسكرية خاصة، كما انها ستكون الفصيل الوحيد بين فصائل الحشد الشعبي التي تشترك ميدانيا الى جانب القوات العسكرية النظامية في هذه المعركة.
ورغم اعلان هيئة الحشد الشعبي الجمعة على لسان المتحدث الرسمي باسمها النائب أحمد الأسدي عن مشاركتها في المعركة، الا أن المعلومات الواردة تشير الى ان مشاركة فصائلها العسكرية ستقتصر على الإسناد، وليس خوض معارك حقيقية، من قبيل رفع العبوات الناسفة، وتطهير المباني والطرق او إسعاف الجرحى.
يطرح هذا الأمر سؤالا في غاية الأهمية، وهو ما سر ثقة العبادي بهذه الفرقة العسكرية؟ وما هو سبب تكليفها لتحرير هذا القضاء الحساس؟
وللإجابة على هذا السؤال المهم لابد من ذكر بعض النقاط التي يراها مقربون من الفرقة مصدرا لقوتها ونفوذها:
أولاً: إن فرقة العباس القتالية المرتبطة بالمرجعية العليا في النجف الاشرف، لا تمتلك طموحاً سياسياً او انتخابياً من وراء انخراطها في تحرير أية مدينة من قبضة داعش، بقدر اهتمامها بإعادة الاستقرار اليها وارجاع النازحين لها.
ثانيا: ان الفرقة ليس من متبنياتها المشاركة في القتال خارج الحدود، ولم تفكر بالزحف الى الحدود السورية، كما فعلت بعض فصائل الحشد الشعبي، حيث توجهت بعد معركة سنجار الى منفذ التنف الحدودي مع سوريا، وهو موقف يتطابق مع رؤية العبادي.
ثالثا: ان الفرقة تحظى بدعم كبير من قبل رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، فقد أعلنت مرارا وتكرارا قولا وفعلا التزامها بأوامره في القتال تطوعا للدفاع عن سيادة العراق وشعبه.
رابعاً: ان جزءا من تشكيلات فرقة العباس تحولت الى وزارة الدفاع العراقية، وهي تحت تصرف وإمرة الوزير مباشرة، وبالتالي فان مشاركتها بمثل هذه المعركة لا يحرج الحكومة أمام المجتمع الدولي الذي يتعرض دائما الى المساءلة بسبب مشاركة قوات الحشد في المعارك.
خامساً: إن الأمر لا يخلو تماماً من التزام العبادي بتوجيهات المرجعية التي تريد المحافظة على علاقات العراق مع المحيط الاقليمي، وعدم السماح لأي طرف داخلي بزج القوات الأمنية في محاور وصراعات إقليمية ودولية.
سادسا: القبول الذي حظيت به الفرقة من جميع الأطراف والمكونات الاثنية والطائفية بعد تجربة ثلاث سنوات من القتال في المناطق والقصبات مختلفة المكونات، دون اثارة اية حساسية دينية او مذهبية، لا سيما وأن قائدها ميثم الزيدي أعلن في لقاء متلفز عن وضع خطوط حمراء لفرقته وهي عدم الاجتماع او الاتصال باي جنرال أو مسؤول عسكري غير عراقي سواء كان امريكيا ام روسيا أم ايرانيا، الأمر الذي زاد من احترام المكونات لها، وخفف من حساسية بعض الأحزاب والدول الاقليمية المتخوفة من ارتباط بعض الفصائل العسكرية بايران، فضلا عن إظهارها حرصا على أرواح المدنيين.
وهنا نذكّر باعتراض الجانب التركي على تحرير تلعفر، الذي حذر مرارا بغداد بضرب اي قوة للحشد تتجه الى القضاء الذي يقطنه غالبية تركمانية، خوفا من أجندة تتعارض ومصالح انقرة، وما توصل العبادي الى اشراك فرقة العباس الا نتيجة لمفاوضات سرية قام بها الجانبان العراقي والتركي الذي لم ير تواجد هذه الفرقة أمرا محرما.
ولم تأت هذه القناعة التركية اعتباطا بل من خلال حليفها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، واطراف سياسية تركمانية أخرى، فهؤلاء مع منح الفرقة دورا أكبر في المناطق الشمالية بحسب التجربة المشتركة معها، وهذا ليس مجرد تحليلات، وأنما هو موثق بتصريحات لزعيم الجبهة التركمانية أرشد الصالحي الذي طالب بضرورة تولي الفرقة مهمة استعادة تلعفر ودعم بقائها في (تازة والبشير)، لحين استتباب الاستقرار بهما بشكل كامل.
وهي خطوة تشبه الى حد كبير الاتفاق العراقي التركي من أجل حصر نشاط حزب العمال الكردستاني على الاراضي العراقية، بتكليف قوة مشتركة من الجيش والبيشمركة لإدارة سنجار شمال غرب نينوى.
خوض الفرقة لمعركة تلعفر ليست الاولى التي تنفرد فيها الفرقة بين فصائل الحشد الشعبي بالاشتراك في عملية التحرير، بل كان لها قبل حوالي عامين دور في تحرير قصبة البشيرـ البلدة التي تقع ضمن الحدود الادارية لمحافظة كركوك، ونجحت في إعادتها بأقل الخسائر بين صفوف المدنيين، رغم أن التنظيم كان يقاتلها بكتيبة الانغماسيين واستخدم مواد سامة (غاز الخردل)، وراح ضحيتها العشرات من مقاتليها أمام دعم جوي محلي ضَعِيف ومساندة لا بأس فيه من قوات البيشمركة والحشد التركماني.
وقبل توجه مقاتليها الى تلعفر، أكد المتولي الشرعي للعتبة العباسية (الراعي الرسمي للفرقة) السيد أحمد الصافي ممثل المرجعية الدينية في النجف، أن (إنقاذ بريئ أفضل من قتل إرهابي)، واضاف ان (المقاتل الشجاع هو الذي لا يحمل البريء جريرة الظالم، فلابد من الاهتمام الكبير في الحفاظ على هذه الأرواح المستضعفة الذي استطاع العدو بطريقة أو أخرى أن يمنعها من الخروج حتى يستغلها كدروع بشرية، لذا ستكون هناك وظيفة أخرى للمقاتلين غير وظيفة القتال التي ستكلل بالنصر أن شاء الله، ألا وهي وظيفة المحافظة على الأرواح البريئة).
في الختام، أصبح من الواضح أن فرقة العباس سوف لن تكتفي بالمشاركة بتحرير تلعفر، بل في استعادة قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك، وتلبية دعوة بعض الاطراف الممثلة عن المدينة، وتعزيز تواجدها بشكل أكبر في مناطق شمال محافظة صلاح الدين، كما أكد بذلك قائدها الشاب (ميثم الزيدي) الذي تميز بجرأة في تصريحاته ومواقفه التي تختلف في بعض الأحيان عن منهجية هيئة الحشد الشعبي.