صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

لماذا يبقى الجنوب متخلّفا

 

اعتماداً على معايشتي الطويلة في المناطق الشعبية, ولكوني أتحدّر من جذور جنوبية تتحكّم فيها القيم العشائرية أكثر من أي منظومة أخرى, وجدت نسبة الأميّة المخيفة بين صفوف النساء.

 

وباعتباري أتحدّر من عشيرة كبيرة ومعروفة (البودراج), لاحظت وجود النساء الأميّات بنسبة كبيرة جداً, والسبب هو الخوف على البنت من ظواهر الانحراف التي تكثر في مجتمعنا.

 

لا أتكلم عن جيل أمهاتنا, وإنما عن الفئات العمرية الصغيرة, إذ أن نسبة كبيرة من هذه الفئة محرومة من الدراسات الأوليّة فضلاً عن الثانوية, هذا إن لم يكنَّ أميّات بالمرّة.

 

لا أعتقد أن للقيم الدينية دخلا في هذه الظاهرة, إذ يمكن إجراء مقارنة بين المحافظات الدينية (كربلاء والنجف), لنكتشف حجم الفارق الهائل بين هذه المحافظات الدينية, ومحافظات الجنوب التي يتنامى فيها الحس العشائريَ يوماً بعد يوم. ولا بأس أن نجري مقارنة ثانية عن نسب النجاح التي تحققها المحافظات الدينية, لنعرف مدى الاهتمام الذي تبديه هذه المحافظات لتعليم كلا الجنسين.

 

تنتشر هذه العبارة (المرأة مكانها البيت) في أوساطنا الجنوبية, لتتحوّل إلى مقولة ثابتة لا يمكن التشكيك بها, وعلى هذا المنوال يتخذ الشباب الجدد من هذه العبارة شعاراً ذهبياً لحياتهم الزوجية.

 

يخشى بعض الشباب من التمايز المحتمل من قبل زوجاتهم، وما يسبّبنه من إحراج يكسف مزاجهم لتباين الفارق التعليمي, لذا يحرص هؤلاء على تجهيل زوجاتهم ليبقى (سي السيد) محافظاً على مكانته الرجولية؟!.

 

سلطة القبيلة سلطة مرعبة, ومن يقلل من شأنها فهو واهم, وعلى أقل تقدير فهو يعيش في غير كوكب, وما لم تتخذ الدولة موقفاً حازماً من هذه الظاهرة, سيظهر لنا جيل (بل أجيال) تتخذ من التخلّف عنواناً لقيمها البطولية!, إذ يكفي أن تكون المرأة خادمة لزوجها فهذه غاية المنى.

 

ولو كنت مشرّعاً في الدولة لسارعت بإصدار قانون يجرّم كل من يحرم ابنته من إكمال الدراسة, ويتحكّم بمصيرها, ويمعن بتجهيلها. إن شمولية الدولة في هذا السياق بالتحديد نافعة ومهمة وضرورية, للتقليل من سطوة العشيرة وتلاعبها بمصائر أبنائها وتجهيلهم على حساب قيم جاهلة وبالية.

 

نحن وسط كارثة اجتماعية مروّعة, لكن من يهتم ومن يشعر بهذه المعاناة المرعبة؟, وإن كان هناك من يهتم من يسمع صوته إذا تعلّق الأمر بالعشيرة, أليس مصيره يتعلّق بعبارة مخطوطة على جدار بيته (مطلوب عشائرياً)؟!.

 

أقرأ أيضا