صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مثنى وثلاث ورباع

 

هناك مثل عراقي قديم يقول “الواحد من يصير بأظافره طحين أول شيء يسويه يتزوج زوجة ثانية”. وحكمة المثل تكمن في أن الغنى يدفع الإنسان للتطلع لما هو أبعد من واقع الحال فأول فعل يقوم به هو البحث عن زوجة ثانية وربما ثالثة ورابعة ليثبت فحولته ويرضي غروره، فمقياس الفحولة عند الشرقي هي تعدد الزوجات دون التفكير بما سيؤول له الحال بعد ذلك.

 

الرجال عندنا في العراق صنوف، صنف ليس له مورد يعتاش منه وليس له قوة يستند عليها، وهذا مسكين يكد ليل نهار ليسد رمق من هم في رقبته من عيال، هذا الصنف من الرجال لا يجد حتى وقتا كافيا في مواصلة حياته الطبيعية مع زوجته بسبب الجهد العضلي الذي يبذله في عمله إن كان لديه عمل والإجهاد النفسي الذي يعانيه إن لم يكن لديه عمل.

 

وصنف مفعم بالحيوية والنشاط والطموح نحو مستقبل زاهر، متعلم ويحمل شهادة جامعية أولية أو عليا لكنه لا يملك وظيفة أو يعاني من البطالة المقنعة، وهذا لا يأتي الزواج على باله ولا يفكر بموضوع الفحولة لأنه يعلم بأن الفحولة لن تكتمل مع زوجة لا يمكنه أن يوفر لها أبسط الاحتياجات الشخصية أو المنزلية كالمأكل والملبس.

 

وهناك صنف آخر ظهر حديثا وهو صنف الأغنياء الجدد أو ما يمكن تسميتهم “الميكافليون الجدد” الذين افرزتهم المرحلة الجديدة والذين يرفعون شعار الغاية تبرر الواسطة وهم يزدادون عددا كلما ضعفت الدولة وازداد مستوى الفساد فيها وهؤلاء لا يقفون عند الزوجة الرابعة بل يتعدون ذلك إلى ما ملكت أيمانهم.

 

وبمقابل تلك الصنوف من الرجال هناك عدد يتضاعف ممن فاتهن قطار الزواج أو المطلقات والأرامل اللائي يرغبن في خوض تجربة جديدة نحو حياة أفضل وتعويض ما فاتهن وهذا حق مشروع خصوصا وأن معظمهن مازلن في عمر الشباب.

 

لكن الصنف الأغرب بين هولاء هو من يفكر بحلول عقيمة لا تحل المشكلة بل تزيدها تعقيدا وكما يقال “جاء ليكحلها فعماها”، وصاحبة مشروع قانون “مثنى وثلاث ورباع” هي واحدة ممن ينتمين لهذا الصنف الجديد، لا أعلم كيف فكرت بهذه الفكرة ولماذا؟ فهل أن الحل يكمن في تعدد الزوجات؟ أم في إرغام الزوجة الأولى على قبول زواج بعلها من ثانية؟ وهل هناك ما تبقى من أموال لبلد يعاني من العجز المالي لسنوات قادمة كي تمنح من يثني أو يثلث أو يربع راتبا شهريا؟ وهل فكرت فيما سيحدث للمجتمع بعد تعدد الزوجات؟ مجتمع انهارت معظم منظومته القيمية والأخلاقية بسبب الحروب والصراعات، فهل الزواج بهذه الطريقة سيحل مشاكله ويعيد بناء ما تهدم من قيمه؟

 

كان الأجدر بكِ يا سيدتي أن تقفي على أسباب تفاقم مشاكل العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج والطلاق الذي حطم الأرقام القياسية والترمل الذي يزداد يوما بعد يوم وجيش الأيتام المتنامي لا العمل على زيادة مشاكل المجتمع وتنمية أفاته، ومتى ما نجحتِ في تقديم مشروع وطني يحل مشاكل الإنسان العراقي اليائس فأنك سوف تقضين على كل الآفات التي نخرت مجتمعنا لا آفة العنوسة فحسب، وهنا سوف لن تضطري لطرح مشروع “مثنى وثلاث ورباع”، لأن العدل سيعم بين أفراد المجتمع وسيجد كل رجل فتاة أحلامه وستجد كل فتاة فارس أحلامها وسيعدل الرجل مع الواحدة وستفوزين بمقعد جديد في مجلس النواب القادم دون الحاجة لتأليف قصة فلم هندي جديد لعرضه مع قرب موعد الانتخابات.

 

أقرأ أيضا