صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مجتمع القبيلة

 

 

العراق ليس مجتمعاً متديناً، بقدر ماهو مجتمع يخضع للأعراف العشائرية، ذلك إن فضّ النزاعات، يبقى محصوراُ – إجمالاً – بسلطة القبيلة. ويندر أن تتدخل الحكومة في النزاعات العشائرية العويصة، بل تتحاشى أغلب النزاعات، وكلما كانت معركة العشيرة طاحنة، غضّت الحكومة طرفها وأوكَلَت الأمر للقبيلة بشكل وبآخر.

 

والمتهم وفق البنود العشائرية لايمكن للسلطة ان تحميه، فيبقى في دائرة المجهول إلى أن ينزل عليه القصاص العشائري، وترتفع حدة الثأر فيما لو كانت قضايا تخص الشرف، فهذه المعضلة تعجز عنها السلطة عجزاً مطبقاً، والقانون الجنائي لا يثلج صدور العشيرة إلا إذا قامت هي بالاقتصاص من الجاني بنفسها.

 

ومحافظات العراق على عمومها قبلية، ومهما دخلت عليها الأفكار التحديثية ستبقى روحها قبلية بامتياز بعيداً عن كل أشكال الحداثة.الأعم الأغلب من عشائرنا لا تتمتع بالسلوك الديني المعروف، وأولوياتها تنطلق من النسب العشائري قبل كل شيء.

 

ومن هنا نرى العراقيين بمختلف انتمائاتهم الجغرافية يعتزون بألقابهم العشائرية، والفلاح والبروفيسور العراقي يتماثلان من حيث الاعتزاز بالنسب. دائماً ما تجد القبيلة أفقاً تتحرك فيه من خلال المجاملات التي تبديها الحكومات لهم، ذلك إن قانون العشيرة يبقى نافذ المفعول حتى لو أعلنت القبيلة ولائها المطلق للسلطة، فسواء كانت السلطة ديمقراطية أم دكتاتورية، فطقوس الولاء لا تختلف !.

 

سيقى العراق قبلياً بامتياز مالم تسارع الحكومة بانتشال الأجيال الجديدة على قيم المدنية والتحضر، كي يفرز لنا في المستقبل القادم مجتمعاً مدنياً، لا أن يكون مجتمع ألقاب عشائرية.

 

ومساوئ السلوك العشائري لا تُعد ولا تحصى، فما نراه من تفشي ظاهرة المحسوبيات، والعلاقات العائلية في كل مفاصل المؤسسات الحكومية، يعطينا مؤشراً واضحاً عن خطورة هذا السلوك المركوز في ذهنية العراقي.

 

فلا قيمة للكفاءات مقابل أبن العم وأبن الخال وابن الأخت، ولاقيمة للقانون امام سطوة العشيرة المهيبة. وبعد محنة العشيرة ينضاف داء عضال تعززه القبلية، ألا وهو الطائفية، وانقسام الأسلام الاول في ندوة السقيفة يعكس بعداً قبلياً خطيراً ( منّا أمير ومنكم أمير ) قبل ان يكون بعداً دينياً.

 

مخرجات الفعل السياسي والديني بعمومها قبلية عندنا، قبل ان تكون شيئاً آخر، ومن يشاهد معارك البرلمانيين فيما بينهم سيفهم هذا الكلام بشكل واضح.

 

إن بعض العشائر المتباينة مذهبيا، والمتصلة نسبياً، تجنح إلى السلام فيما بينها. لذا سيكون النص الديني ذو خطورة مضاعفة فيما لو تموضع في مجتمع القبيلة. ولاسبيل سوى بذل الجهد المضاعف، والأخذ بنظر الاعتبار خطورة المجتمع القبلي ورفضه كل أشكال المؤسسات القانونية إذا ما تعارضت مع قيمه المقدسة، فالقيمة الوحيدة التي يمكنها أن تجمع هذا الشتات هي الديمقراطية، وماعداها سيبقى مجتمع القبيلة هو الهوية العراقية الأبرز مهما ارتدينا الملابس الغربية.

 

أقرأ أيضا