التصريحات التي أدلى بها نجل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسرور بارزاني عبر مؤتمر صحفي عقده يوم الجمعة الماضي، في العاصمة واشنطن، أظهرت لنا حجم الإحباط والانتكاسة الكبرى التي تعيشها العائلة الحاكمة في إقليم كردستان، التي لم تستوعب حالة الصدمة التي تلقتها من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والدول العظمى، الرافضة جميعها بشكل قاطع موضوعة الاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 من أيلول المقبل.
حاول الابن الأكبر للبارزاني الطامع بزعامة (دولة كوردستان الكبرى)، كسب تعاطف المجتمع الدولي لصالح مشروع الاستقلال عبر الحديث عن مظلومية الأنفال وغيرها من الجرائم التي اقترفت بحق العراقيين شمال البلاد في ثمانينيات القرن الماضي. حيث وجه الزعيم الكردي الشاب في تصريحه هذه المرة التهمة لأغلبية العراقيين بمساعدة صدام حسين في ارتكاب هذه الإبادات!. معتقداً إن الافتراء سيكون بمثابة مظلة لتعاون العالم مع مشروع الاستفتاء.
أريد أن اسأل السيد بارزاني أو المؤمنين بخطابه هذا، هل الحرب الأهلية في منتصف تسعينيات القرن الماضي بين الكرد التي راح ضحيتها الكثير من أبناء جلدته، كان سببها المجتمع العراقي الجنوبي والغربي؟ وهل أن أبناء العراق من العرب هم من تعاونوا مع النظام البعثي لملاحقة قيادات المعارضة الكردية في السليمانية، وهل كانت حكومة بغداد مسؤولة عن الانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات في الإقليم أو في المناطق الواقعة تحت سيطرته؟ لقد باتت عملية خلط الأوراق والاتهامات المفبركة التي يطلقها البارازانيون وأعضاء الحزب الحاكم في الإقليم بين فترة وأخرى، غير مجدية؛ لأن كل القضايا المخبية في كردستان طفحت إلى السطح بعد أحداث صيف ٢٠١٤، وأصبحت واضحة للعيان داخلياً وخارجياً.
محاولات دعائية فاشلة يروج لها قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني في المحافل المحلية والدولية، تأتي في وقت تعرضت فيه هذه القيادات إلى خيبة أمل أخرى بسبب تراجع السعودية والإمارات عن دعم المشروع قبل حوالي شهر تقريباً، بعد إعادة علاقتهما العربية الأخوية بشكل مباشر مع بغداد دون الاعتماد على أربيل، والتي تعززت بالزيارات رفيعة المستوى المتبادلة بين الجانبين والتي أثمرت عن فتح المنافذ الحدودية مع السعودية مؤخراً. وبعد انقلاب الهرم الخليجي على البارزاني حاول الأخير لأكثر من مرة طلب لقاء مع المسؤولين الإيرانيين في طهران لبحث طبيعة الاستفتاء، إلا أن إيران رفضت جميع طلباته وقررت الحديث في هذا الشأن مع حلفائها التقليديين ونعني الاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني، ووجهت لهجة شديدة تضمنت تهديدات بقطع الروافد النهرية وغلق المنافذ الحدودية مع السليمانية حال تفاعلها وقبولها باستفتاء بارزاني.
كل هذا لم يشكل شيئاً من ثقل المصيبة التي عاشها الأب البارزاني في زيارته الأخيرة إلى بروكسل، حينما رفض كبار أعضاء برلمان الاتحاد الأوروبي مقابلته والحديث بأي موضوع لسوء تعامله مع المعارضة الكردية (حركة التغيير) والأقليات، ورفضه تفعيل عمل السلطة التشريعية. وبحسب مقربين فان هذه الزيارة سببت مشادة كلامية بين بارزاني وخاله رئيس لجنة الاستفتاء هوشيار زيباري ومحافظ كركوك نجم الدين كريم؛ لتواضع الزيارة وقلة الاحترام التي لقيها من قبل الأوروبيين.
لذا فان ما يقوم بِه الابن البارزاني في واشنطن، هو طلب النجدة من إدارة الرئيس الأميركي ترامب، التي ترفض مقابلته ومقابلة والده منذ تسلمها مقاليد السلطة، لإنقاذهم من حالة الغرق وخسارتهم لجميع الحلفاء وعلى رأسهم أنقرة.
ومن ذلك فلا خيار بقي لهم غير القبول بالأمر الواقع والعيش تحت خيمة العراق الاتحاد الفيدرالي الذي يضمن للشعب الكردي حقوقه السياسية والاقتصادية والثقافية كافة.