تنص المادة (102) من الدستور على ما يلي:تُعد المفوضية العليا لحقوق الانسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النـزاهة،هيئاتٌ مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم اعمالها بقانون. وقد شرع مجلس النواب بدورتيه السابقتين القوانين الخاصة بكل الهيئات المشار اليها في المادة أعلاه، لكنه خالف في كل تلك القوانين شرط إستقلالية كل تلك الهيئات، وأصبحت -خلافا للدستور- تخضع للمحاصصة السياسية للأحزاب شأنها شأن الوزارات والمؤسسات التي لا ينص الدستور بحكم طبيعتها السياسية على إستقلالها. وأصبحت مخالفة الدستور من طبيعة العمل السياسي في العراق في ظل سيادة مفهوم”التحاصص” بديلا عن مفهوم “بناء الدولة” الذي يتطلب إنشاء مؤسسات مستقلة تدعم المسار الديمقراطي على وفق آليات تبعد السلطة عن إحتكار الدولة لصالحها ما يسفر في نهاية المطاف عن إنتاج دكتاتورية جديدة، مغلفة بغلاف ديمقراطي حسن المنظر وغير قابل للطعن الذي فات زمنه حين إرتضى العراقيون تشريع أول قانون يخالف الدستور ولاحقا عند تشكيل الهيئات المشار اليها أعلاه إستنادا لقوانين مخالفة للدستورالذي إشترط إستقلالها.
فيما يتعلق بمفوضية الإنتخابات فقد شرع مجلس النواب قانونها المرقم (11) لسنة 2007 الذي نص البند (ثانيا) من المادة الثالثة منه على أن ” يتألف مجلس المفوضين من تسعة أعضاء اثنان منهم على الأقل من القانونيين يختارهم مجلس النواب بالاغلبية بعد ترشيحهم من (لجنة من مجلس النواب) على ان يكونوا من ذوي الاختصاص والخبرة والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية مع مراعاة تمثيل النساء” وهنا تكمن مخالفة القانون لشرط إستقلالية المفوضية فإختيار أعضاء المجلس من قبل مجلس النواب سيخضع العملية – وهو ما حصل عند تشكيل المجلسين السابقين- إلى نظام “المحاصصة السياسية”،وليس مفهوما لماذا إكتفى المشرع بأن يكون إثنان من أعضاء المجلس من “القانونيين”؟ لماذا لا يكونوا كلهم من القضاة المستقلين، كما يدعوا اليه بعض النواب؟ وكيف سيتوفر “شرط الإستقلالية” إذا كان من يختارهم نواب يمثلون أحزابا وتيارات سياسية؟
ثمة مسارات لتصحيح وضع المفوضية لا زالت غائبة، وعلى المهتمين والذين يسعون فعلا لتأسيس مفوضية مستقلة أخذها بنظر الإعتبار، منها اللجوء إلى المحكمة الإتحادية للطعن في قانونها لما فيه من خرق لمبدأ إستقلالها الذي إشترطه الدستور، وتغيير قانون المفوضية أهم من تغيير قانون الإنتخابات الذي يسعى البعض لتغييره، فما جدوى تغيير قانون الإنتخابات إن كان في المفوضية من يوجه الأصوات لحزبه وقائمته التي رشحته كما تبين من إستجواب المفوضية الأخير؟، الأمر الآخر، هو اللجوء للمنظمات الدولية لحثها على المساعدة في تغيير قانون المفوضية ما يجعلها مستقلة فعلا، وكذلك الحصول على دعم المرجعية الدينية العليا الممثلة بالسيد علي السيستاني لممارسة تأثيرها على الطبقة السياسية لتغيير قانون المفوضية وقانون الإنتخابات لضمان نزاهة وحيادية المفوضية الجديدة، وكذلك مواصلة الضغط الشعبي بنفس الإتجاه، وإستمرار الكتابة والتثقيف السياسي والإجتماعي بضرورة تغيير قانون تشكيل مفوضية الإنتخابات بما يضمن إستقلالها إنسجاما مع الدستور وتغيير قانون الإنتخابات بما يضمن ذهاب صوت الناخب لمن إنتخبه حصرا كشرطين أساسيين للمشاركة بالإنتخابات.
سيكون مهما وله تأثير كبير قيام نواب بجمع تواقيع داخل مجلس النواب من أجل تغيير قانون المفوضية الذي يجب أن يسبق تشريع قانون إنتخابات جديد، صحيح إن لجنة من مجلس النواب شرعت بالإطلاع على السير الذاتية للمتقدمين لعضوية مجلس المفوضين للمفوضية الجديدة، لكن تشكيلها بنفس الآلية القديمة سوف لن يفضي إلى نتائج مغايرة لسابقاتها، سيكون هناك تلاعب بالنتائج-كما أثبت الإستجواب- وسوف لن تعلن النتائج إلا بعد مرور مدة مثيرة للشكوك – ظهرت حقيقة بعضها بالإستجواب الأخير- وستكون هناك طعون مبررة لكل عملية تقوم بها المفوضية الجديدة، مهما كانت شفافة ونزيهة لإنعدام شرط إستقلالها إبتداءً.