يمرّ العراق اليوم بامتحان صعب تتبلور فيه آخر فرصِهِ في البقاء موحداً، وذلك بعد كم هائل من الويلات والحروب الذي تعرّض لها فضلاً عن الصراعات الفئوية والطائفية التي أججتها وساندتها وأذكت جذوتها دول إقليمية وأخرى عالمية من أجل إيصال شعب العراق إلى قناعة التقاسم الجغرافي بنَفَس قومي وطائفي.
ولقد كان مقررا للعراق أن يعيش آخر أنفاس مشروع وحدته شعباً وبلداً من خلال داعش وسقوط الموصل ومدن أخرى. ولكن شاء القدر أن يظهر الحشد الشعبي للوجود من فتوى الجهاد الكفائي، فلبّى الآلاف من أبناء الوطن النداء والتحقوا في صفوف الحشد الشعبي، وبعد الاعتراف به رسمياً حيث صوّت مجلس النواب العراقي على إقرار هيأة الحشد الشعبي بتاريخ 26 تشرين الثاني نوفمبر 2016.
وقد اختار القدر الحشد الشعبي أن يكون ممثلاً عن كافة الطوائف والأديان التي تلوّن الفسيفساء العراقية، حيث انضم المئات من أبناء الطوائف الأخرى للمشاركة في صفوف الحشد للدفاع عن أراضيهم وممتلكاتهم وأعراضهم.
إن قانون الحشد الشعبي اليوم يأتي ليعزز من الصورة الوطنية التي يأتلف تحت لوائها أبناء الوطن الواحد بعد أن عجزت الكيانات عن رصّ الصف وتوحيد الأصوات. وإن الأمل كبير في أن يكون الحشد الشعبي هو اليد الضاربة لأعداء العراق النافخين في أبواق التقسيم إلى دويلات وأقاليم ضعيفة على أساس طائفي وعرقي ومذهبي.
لقد سعت أطراف عديدة بمختلف التوجهات إلى حشر الحشد الشعبي في زاوية الاتهام دائماً مما جعله في موضع الدفاع ودرئ الشبهة عن نفسه في كل المحافل.. وقانون الحشد هذا جاء ليعطي الأحقية لمؤسسات الحشد الشعبي بأن تترافع قضائياً لرد الاعتبار في حال حاول أحد المساس بها. وإن وجود هذا القانون هو ضامن لهذه المؤسسات بعدم المساس وحمايتها من الاتهامات التي توجه إليها من هذا وذاك.
وكذلك عدم قدرة أي مؤسسة لرفع دعوى قضائية ضد أبناء الحشد الذين يحررون المناطق واتهامهم بتهم حربية، فيأتي القانون ليشرعن تواجد فصائل الحشد ومشاركتها في تحرير الأرض، إذ أنه سيضمن عدم قدرة أية منظمة دولية من ملاحقة واتهام فصائل الحشد واعتباره من المنظمات الإرهابية كما حدث لفصائل حزب الله في لبنان. إن قانون الحشد الشعبي هو حماية مستقبلية لهذه الفصائل من أية دعاوى قضائية أو اتهامات غير مبررة ضده.
الآثار القانونية
القوانين بطبيعتها تنظم حالة مستقبلية، فالمشرّع ينشئ مؤسسة أو دائرة أو منظمة ويصيغ لها قانونها لكي يبين حقوقها والتزمات العاملين فيها، أما قانون الحشد الشعبي فإنه يتعامل مع حالة موجودة بالأساس وليس حالة يفترض أن تؤسس وأن تنظم.. فالحشد الشعبي قوة واقعية موجودة على الأرض كهيئة وكفاصل مقاومة وتفرض وجودها من خلال الإنجازات التي تحققها وبالتالي فإن قانون الحشد الشعبي جاء لينظم هذه الحالة الموجودة على أرض الواقع.
إن وجود هذا القانون هو بمثابة إعطاء رسالة اطمئنان لأبناء الحشد الشعبي الذين قدموا وأعطوا الكثير دون أية ضمانات مسبقة، فالمشرّع يريد إيصال رسالة بأن هؤلاء حاضرين في ذاكرته وفي ضميره ونصب عينه وأنه لن ينساهم ولن يخذلهم وسوف يحفظ حقوقهم وبالتالي فإنه يشرّع لهم هذا القانون لكي يحفظ لهم حقوقهم ومستحقاتهم ويعترف بوجودهم القانوني.
لقد أصبح الحشد الشعبي قوة عسكرية نظامية وليس ميليشيا، ولا يصح اعتبارها أو تسميتها بذلك بعد الآن، لأن ذلك يعد إهانة للحشد، وذلك يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات في المادة (226). وكذلك سريان أحكام قوانين الخدمة والتعاقد العسكري على أفراد الحشد الشعبي باستثناء شرط العمر والشهادة.
يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضوون إلى هذا التشكيل من كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يسمح له بممارسة العمل السياسي ما داموا على ملاك الحشد الشعبي. ولكن هذا لا يمنع من أن يمارسوا حقهم في التصويت. استناداً للمادة (9/ أولاً/أ) من الدستور لا يكون الحشد أداة لقمع الشعب العراقي. ولا يتدخل في الشؤون السياسية ولا دور له في تداول السلطة. وكذلك فإنه يتم تعيين قائد الفرقة فما فوق بموافقة مجلس النواب استناداً للمادة (61/ خامساً/ ج).
إن الحشد الشعبي لا يخضع لوزارة الدفاع العراقية، وأن ارتباطه يكون بالقائد العام للقوات المسلحة مباشرة. وترصد له موازنة مستقلة عن وزارة الدفاع العراقية. وهو من يحدد احتياجاته. كما أنه يتألف من تشكيلات مشابهة لتلك التي تتألف منها وزارة الدفاع سوءاً من الناحية المدنية أو العسكرية، فيكون له:
قوة جوية خاصة.
طيران جيش خاص به.
قوة بحرية خاصة به.
قوة صاروخية خاصة به.
قوة مدرعة خاصة به.
تصنيع عسكري خاص به.
مراكز دراسات وأبحاث خاصة به.
وهو ما يدل عليه نص المادة (1/ثانياً/ 2) ((يتألف التشكيل من قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة)).
لقد أمسى الحشد الشعبي قوّة ضاربة تساعد في حماية الشعب العراقي وهي محط احترام كبير ولها كل التقدير لدى أبناء الشعب العراقي وتفوق بذلك القوى الأمنية الأخرى، وهذا ما أثبته استطلاع أجراه أحد المراكز البحثية في البصرة إذ وجه السؤال إلى شرائح مختلفة من أبناء البصرة عن مدى مقبولية العناصر الأمنية إذ حاز الحشد الشعبي على الدرجة الأولى وحصل على (70% فيما حازت الفصائل الأخرى نسبة 30% فقط).
وهذا ما يحمّل فصائل الحشد الشعبي واجبات والتزامات عديدة، وأهمها الابتعاد عن الفئوية والحزبية والتعامل باحترام كبير مع أبناء الشعب والسعي لنشر الأمن والاستقرار والمساهمة الفاعلة في تهدئة المناطق التي تشهد نزاعات عشائرية أو غيرها، بعيداً عن أساليب التبجّح والتبختر والتسكّع في شوارع المدن بأساليب غير محترمة ومحاولة فرض السطوة بالسلاح واستخدام اللثام للأفراد المنتمين أثناء المرور في الشوارع وكل مظاهر التسلّح داخل المدن الآمنة.
كما أن المسؤولية ستكون أكبر بعد انتهاء الحرب مع داعش حيث ستكون مسؤولية الحشد المشاركة والمساهمة الفاعلة في حفظ أمن الحدود والإشراف على المنافذ الحدودية والتصدي للفساد والتهريب وغيرها من المهام التي قد تعجز عن السيطرة عليها بقية أصناف القوى الأمنية في الدفاع والداخلية العراقية.