صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل أنشأنا نظاما ديمقراطيا؟

كنا نأمل أن تنتهي الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة لإسقاط صدام حسين عام 2003بإقامة نظام ديمقراطي حقيقي في العراق، لكن إعتماد “الوصفة العرقية-الطائفية” لبول بريمر بتمثيل المجموعات المجتمعية وإعتبارها –خلافا للواقع- مجموعات سياسية أدت الى نشوء وتنامي الصراعات الإثنية التي إنتقلت عدواها الى أغلب بلدان المنطقة، وشكلت تلك الوصفة تحديدا خرقا لمبدأ المساواة بين البشر الذي يمثل الركن الاساس في البناء الديمقراطي، فهذه الوصفة ستلغي إمكانية أن يكون رئيس مجلس الوزراء –مثلا- مسيحيا أو حتى كورديا أو تركمانيا، بل إن هذه الوصفة ألغت عمليا إمكانية نشوء أحزاب سياسية عابرة للطائفة والقومية  التي تمثل أرقام ثابتة، فالأكثرية “الشيعية” ستبقى أكثرية، لكن هل حظيت التجربة السابقة من الحكومات التي كان رئيسها “شيعيا” برضا ابناء تلك الطائفة؟ هل نقلت تلك الحكومات “الشيعة” من حالة تردي الخدمات وإنعدام فرص العمل والتعليم إلى حال أفضل؟ المظاهرات المستمرة في مدن ومحافظات الوسط والجنوب تشي بالعكس.

 

ركزت الولايات المتحدة لإقامة “نظام ديمقراطي” في العراق على الخطوات والاجراءات ذات البعد الاستراتيجي، مثل الانتخابات، الاقتصاد الرأسمالي، الإعلام الحر، فهذه الثلاثة ستقود في نهاية الأمر- بحكم الضرورة من وجهة نظرهم – إلى نظام ديمقراطي على الطراز الغربي، لكنهم أغفلوا أمرا مهما يكاد يكون العقبة الكأداء أمام اقامة مثل هذا النظام، وهو ان الولايات المتحدة تعاطت وتعاونت بل – اعتمدت على – وسلمت للأحزاب الدينية – التي لم تذكرمفردة الديمقراطية في مجمل أدبياتها – مهمة بناء نظام ديمقراطي في عراق ما بعد الاحتلال، وازدادت المسألة تعقيدا حين لجأت هذه الأحزاب إلى التحشيد الطائفي ضد بعضها من أجل الفوز بالسلطة بأي وسيلة كانت، بعبارة أخرى، استفادت الأحزاب الدينية من المسعى الأميركي لاقامة نظام ديمقراطي في العراق لتقويض النظام من الداخل.

 

فالسؤال الذي يجب طرحه هنا هو، كيف يمكن أن يبنى نظام ديمقراطي حقيقي في ظل هيمنة الأحزاب الدينية – التي يتبنى أغلبها النهج الطائفي – على مؤسسات الدولة التي يعول عليها في انتاج نظام ديمقراطي؟

 

لقد أغفل الأميركان عشرات السنين من تطور الأحزاب والمنظمات المدنية العراقية السياسية وغير السياسية مثل النقابات والمنظمات غير الحكومية، فضلا عن تاريخ يعود إلى العشرينيات من القرن الماضي من تاريخ الأحزاب العراقية الفاعلة على الساحة العراقية التي كان من الممكن أن تلعب دورا أكثر فاعلية في التأسيس لدولة مدنية في العراق فيما لو تم التعاطي معها باعتبار العراقيين منقسمين – وهذه حقيقة – بين الأحزاب والحركات المدنية والعلمانية، والأحزاب والحركات الدينية وليس باعتبارهم سنة وشيعة وأكراد. كان هذا وحده كفيل بعدم نزوع الأحزاب الدينية إلى الطائفية سبيلا إلى الصراع السياسي، وكفيل بتوسيع رقعة التيار المدني العلماني الذي لا يمكن بناء ديمقراطية ونظام حكم يستجيب لقوانين العصر من دونه، كما أغفل الأميركان توق العراقيين لتغيير أوضاعهم المعيشية، فلم يكن العراقيون يكترثون كثيرا – بعد سقوط النظام السابق – في طائفة أو قومية أو دين من سيوفر لهم شروط حياة وظروف معيشية كريمة، شيعيا كان أم سنيا، مسلما أم مسيحيا، فقد كان يمكن تسريع وتيرة توفير الخدمات والأعمال بصورة تجعل الناس يشعرون بجدوى التغيير على حياتهم مباشرة، فقد كان يمكن لتحقيق ذلك الاتيان بحكومة تكنوقراط لتلبية الحاجات الانسانية الملحة للعراقيين بدل الانشغال بتلبية حاجات ورغبات بعض السياسيين في السلطة والنفوذ، لكن الأميركان فشلوا في ذلك أيضا وتحول العراقيون من مستقبلين لهم إلى مقاتلتهم، لأنهم استشعروا كذب الوعود وأصيبوا بالاحباط واليأس من امكانية تغير أوضاعهم، وأصبح عدد من يكترث للدعوات الطائقية – بعد ذلك – في اتساع نتيجة التحشيد الطائفي للأحزاب الدينية ضد بعضها بعضا.

 

بعبارة أخرى فاننا نزداد بعدا يوما بعد يوم عن رؤية نظام ديمقراطي حقيقي في العراق  مالم تنشأ أحزاب مدنية حقيقية عابرة للطائفة والقومية وليس ديكورات جديدة ذات واجهات سياسية، تقف خلفها نفس القوى والشخصيات السياسية التي قادت البلد بعد 2003 ليكون الأفسد والأفشل والأدني مستوى معيشي من بين دول العالم.

 

أقرأ أيضا