من الاشياء الملفتة للنظر التي اثارتها زيارة الرئيس الاميركي ترامب الى السعودية، هي إثارة الانقسام الحاد، على المستوى العراقي، بين إعلاميينا ونشطاء الفيس بوك والسياسيين في سلّة واحدة.
ولكي نكون صريحين حد التجريح، فان الشيعة من الكتاب والاعلاميين والنشطاء والسياسيين، شنّوا هجوما صاعقا على الزيارة والمؤتمر وما تمخض عنهما، وتباكوا، زيادة عن اللزوم، على الدولارات السعودية التي ستذهب الى خزائن العم سام، متناسين العويل على خزانتنا الفارغة ورصيد أجيالنا التي تسحبه الحكومة من البنك المركزي رويداً رويداً.
الإعلاميون والكتّاب والسياسيون والنشطاء من السنّة هللوا صراحة بالزيارة والمؤتمر وما نتج عنهما من صفقات ومقررات سياسية، وكأن ماحدث في الرياض هو الحل السحري لمأزق السنّة في العراق، وان الحل الذي طلبوه من الرب جاءهم من عبيده.
لست مكترثا لدولارات السعودية فلا فائدة لنا فيها إن بقت وان ذهبت..
ولست مكترثا لمخاوف طهران إن رجفت أو تحدّت.
ولست مباليا بقرارات المؤتمر الواسع في الرياض.. التي سمعنا مثلها وأكثر منها، فالقضية أكبر من همومنا ورؤيتنا لها، لأنها بكل وضوح تتعلق بإستراتيجيات جديدة قد ترسم وضعا جيو سياسياً للمنطقة أكبر من جهلة السياسة المتنفذين في هذه البلاد!
ما يحز في النفس هو هذا الانقسام بين نخبنا الاعلامية والثقافية ونشطائنا الذي اتخذ في شكله العام طابعا طائفيا للأسف الشديد، والكارثة ان الغالبية العظمى منهم من دعاة المدنية ورواد الليبرالية الحديثة والناقمين على كل الخطابات الطائفية والداعين الى نبذ كل اشكال الخطابات الطائفية والى دولة المواطنة وما الى ذلك من خطب وشعارات تثلج القلب في مواجهة التنين الطائفي الذي يبتلع العراق على مهل وبقسوة عبّرت عنها الممارسات العملية على الأرض!
وحقيقة هي ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها مثل هذا الإنقسام المؤسف والمؤلم والذي يدل بما لايقبل التأويل، إن مستويات الوعي النخبوي، في حالة احتكاك، تظهر جوانياتها والمخفي والمستور منها، فيبدو وعينا زائفا وترويجياً ومخادعاً للنفس وللجمهور.
الأخطر إن الخطابات في قراءة مابين سطورها، تبدو وتشير وتلمح الى إن السعودية تدافع عن السنّة وإيران تدافع عن الشيعة، فيما الحقيقة ان البلدين، وبالتجربة القاسية معهما، يعملان بلاكلل من أجل مصالحهما وإن كانت على حساب مصالح الشعب العراقي بسنته وشيعته وكل مكوناته، وهذه قضية لاتحتاج الى إثبات وإعمال الفكر فيها.
فهل نحن في حاجة لخلخلة هذا الوعي الزائف والمخادع واعادته الى جادة الخطاب المعلن في لحظات الاسترخاء، وفك الاشتباك مع التناقضات الحادة بين المعلن والمستور؟
الجواب: نعم
ولكن كيف؟
هذا هو السؤال الذي يتوجب علينا الاجابة عليه بكل وضوح.