تفاصيل لم تعرفها من قبل.. قصة «الفساد الإعلامي» بإقليم كردستان

يمر إقليم كردستان العراق بأزمة مالية خانقة للمواطنين العاديين، حيث تأخرت حكومة الإقليم لمدة ثلاثة أشهر عن دفع رواتب 1.255 مليون موظف يشكلون خمس سكان الإقليم البالغ تعدادهم حوالي 6.5 مليون نسمة، بسبب المشاكل الإدارية والمالية بين بغداد وأربيل، والتي حالت دون وصول حصة الإقليم من الميزانية الوطنية، ووقف صادرات النفط للمنطقة عبر تركيا، وسيطرة الأحزاب على الأموال غير النفطية للمنطقة.

في خضم هذه الأزمة، ينفق أعضاء الطبقة السياسية المشاركة في حكم الإقليم أموالا طائلة لإنشاء مؤسسات إعلامية جديدة وخاصة، بينما تملك وتدير أحزابها العشرات من مؤسسات الإعلام المماثلة، حيث يغضب الناس من إنفاق مبالغ مالية كبيرة، بينما يعانون من نقص الرواتب وسوء الخدمات الحكومية. 

ويرى العديد من الناشطين ومنظمات المجتمع المدني أن تأسيس وسائل الإعلام الجديدة التابعة للأحزاب هو وسيلة لاستقطاب الصحفيين والشخصيات المستقلة، ما يشكل ضربة كبيرة للآفاق الديمقراطية في المنطقة، إذ يقول رئيس مؤسسة إعلامية مستقلة، رفض الكشف عن هويته، “لقد عانيتُ من قيام الأحزاب المهيمنة بأخذ أعضاء من طاقمي من خلال تقديم رواتب عالية لهم ومزايا أخرى، فخلال الأشهر الخمسة الماضية، وظفت منظمات إعلامية جديدة أسستها الاحزاب الكردية، 7 صحفيين من مؤسستنا الإخبارية”، مضيفا أن “ذلك تسبب بضياع أكثر من عام من الجهد، لتدريب هؤلاء الصحفيين، بعد الحصول على منح وتبرعات من قبل المنظمات الدولية والمحلية، لصناعة صحافة مستقلة، ومراسلين محايدين”. 

ويشير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى “وجود أكثر من 1400 مؤسسة إعلامية، بينها 30 فضائية، و127 قناة تلفزيونية محلية، في مدن إقليم كردستان (أربيل والسليمانية ودهوك)”.

يتضح من خلال التقصي، أن هؤلاء الصحفيين حصلوا على مرتبات جيدة، مقارنة بموظفي الدولة أو المؤسسات الإعلامية المستقلة في الاقليم، إذ تتراوح المدفوعات الشهرية لبعضهم بين 3500 و10 آلاف دولار (مرتب أستاذ الجامعة الحاصل على درجة الدكتوراه بإحدى الجامعات الحكومية يتلقى بحد أعلى 1400 دولار شهريًا). 

وينوه الإعلامي المستقل، إلى وثيقة مسربة من مصرف الإقليم التجاري (RT) للمدفوعات الشهرية لـ31 من كبار موظفي فضائية “رووداو” والتي تظهر الرواتب المرتفعة التي يتمتع بها موظفو مؤسسات الإعلام المرتبطة بالأحزاب، حيث تتراوح بين 4000 و30 ألف دولار شهريا.

«رووداو» لنيجيرفان بارزاني

وتُعد “رووداو” التي تأسست عام 2012، المؤسسة الإعلامية الأكثر شهرة في إقليم كردستان العراق، وتضم مواقع إخبارية (بالإنكليزية والكردية والعربية)، ومركزا للسياسات، وإذاعة، فضلا عن القناة الفضائية، وفيما تزعم حياديتها، إلا أن أحدا لا يجهل عائديتها لنيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان.

انضمت “رووداو”، إلى مؤسسات إعلامية قائمة أصلا، يموّلها الحزب الديمقراطي الكردستاني (بما في ذلك مؤسسات كردستان وزاگروس)، لكن مسعود بارزاني، رئيس الحزب والرئيس السابق للإقليم، يولي اهتماما أقل لوسائل الإعلام المقربة من الحزب مقارنة بنيجيرفان، الذي يشعر بالحاجة إلى امتلاك مؤسسة إعلامية موالية لتعزيز موقعه داخل الحزب والإقليم، بحسب مصادر حزبية تحدثت لـ”العالم الجديد”، أكدت أنه موّل تأسيس وتشغيل المؤسسة من خلال الوصول إلى التمويل السياسي للحزب والمستمد من الأنشطة الاقتصادية لشركة كار، وقطاع النفط في إقليم كردستان العراق، ما يجعل القناة تولي اهتماما خاصا بنيجيرفان وأنشطته السياسية والحكومية والاجتماعية داخل إقليم كردستان العراق وخارجه.

وقدرت المصادر، التكلفة التقديرية لتأسيس القناة بـ”مبلغ يتراوح بين 10- 12 مليون دولار، كمعدات ومكاتب ورسوم شركات الاستشارات الإعلامية الدولية، فيما بلغت نطاقات الرواتب التقديرية، لـ15 مديرا ومراسلا وصحفيا بين 4000 و30 ألف دولار، فيما يتقاضى باقي الموظفين البالغ تعدادهم بين 250 و300 فرد، مبلغا يتراوح بين 1500 و3000 دولار، في حين، تبلغ التكاليف التقديرية للبث: بين 8000 و10 آلاف دولار شهريا”، لافتة إلى أن “المدير العام للقناة هو محمد آكو، المقرب من نيجيرفان بارزاني”.

لا تعجبه فضائية والده.. فأسس «آفا ميديا»:

يعتزم آرين، نجل مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، إنشاء قناة فضائية جديدة باسم “آفا”، كجزء من مؤسسة إعلامية، تحمل ذات الاسم، ضمن محاولات والده للتنافس مع قناة “رووداو” التي يملكها ابن عمه نيجيرفان، وتعزيز صورته بين مؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني وداخل الإقليم. 

ويمتلك مسرور بارزاني، بالفعل قناة فضائية أخرى هي كردستان 24 (K24) التي تأسست في العام 2015، وتركز بشكل خاص على أنشطة مالكها، وتتنافس مع قناة “رووداو” من حيث الأنشطة والتغطية والنفقات، وفقا لأحد المصادر، الذي أكد إنفاق حوالي 2 مليون دولار شهريا على القناة.

وتكشف المصادر لـ”العالم الجديد”، أن “كلفة تأسيس القناة تتراوح بين 15 و20 مليون دولار، فيما تتراوح الرواتب المقدرة لـ15-20 مديرا ومراسلا وصحفيا بين 4000 و11 ألف دولار، فيما يتقاضى باقي الموظفين البالغ تعدادهم بين 200 و250 من 1500 إلى 2500 دولار، في حين تبلغ تكاليف البث المقدرة: 8000 و10 آلاف دولار شهريا، ويتولى موقع المدير العام للقناة، أحمد زواتي، المراسل السابق لقناة الجزيرة في أربيل”.

وتضيف “لكن نجل رئيس حكومة الإقليم لم يكتف بهذه القناة، وبدأ بتأسيس “آفا ميديا” ولهذا السبب قام بتوظيف صحفي سابق في رووداو (هـ.ل) لبناء هيكلة وإدارة القناة، حيث تمتلك “آفا ميديا” بالفعل عددا من القنوات الترفيهية، يعمل فيها بين 200 و250 موظفا يتلقون رواتب شهرية تقدر بـ1500 إلى 50 ألف دولار”، متوقعة أن “تكلف آفا ميديا، نفس المبلغ الذي أنفق على K24”.

أما الوصول إلى الأموال فمن خلال المكتب المالي للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يمتلك أصولا خاصة مثل مصفاة “لانا” وشركة “ستير” العاملة في أنواع مختلفة من الأعمال بإقليم كردستان وبقية العراق، كما تفيد المصادر.

خلطة إعلامية غريبة في لـ«اليكتي»:

تشير المصادر إلى “اعتزام بافل طالباني، زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني “اليكتي”، افتتاح قناة فضائية جديدة باسم “القناة الثامنة”، رغم امتلاك الاتحاد بالفعل للعديد من المؤسسات الإعلامية الفعالة تحت سيطرة المكتب الإعلامي للحزب، بما في ذلك: كوردسات، وفضائية كلي كردستان، وفضائية كركوك، وفضائية “خاك”، المرتبطة حصريا بهيرو إبراهيم أحمد، زوجة رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني، وقناة مسار الناطقة بالعربية، حيث تُعتبر كوردسات الأكثر تطورا وتخضع لسيطرة مباشرة من عائلة طالباني”.

وفي الآونة الأخيرة، فرضت شاناز إبراهيم أحمد، عمة بافل وزوجة رئيس الجمهورية الحالي عبداللطيف رشيد، وعضو مجلس قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، نفوذها على “كوردسات”، حيث يعمل نجلها ديرين لطيف رشيد، مديرا لكوردسات منذ عام 2016، حيث حصل حينها، بحسب مصدر مطلع، على مليوني دولار من اقتصاديات الاتحاد الوطني، بهدف تحسين أداء الفضائية.

وبحسب المصدر، فإن تمويل كوردسات، بشكل عام يكون من خلال المكتب المالي الرئيسي للحزب، وهو الإدارة العامة والمالية، لكن شاناز، توفر الآن تمويلا أكبر للقناة، ومع تولي ابنها المسؤولية، توجه كوردسات، اهتماما بأنشطة زوجها الرئيس العراقي، دون أي تأكيد لاحتمال تمويل القناة من قبله. 

في هذا السياق، عمل بافل طالباني، على تأسيس “القناة الثامنة” لتعزيز صورته بين مؤيدي الاتحاد الوطني الكردستاني، ولمنافسة قناة مسرور “كردستان 24” وقناة نيجيرفان “رووداو”. 

وتشير المعلومات الواردة من المصدر، إلى أن “القناة الثامنة، كانت في الأصل مشروع غريمه السابق، لاهور شيخ جنكي، تحت اسم: آي بلس”، مبينة أن “الأخير ومن أجل السيطرة على الاتحاد الوطني الكردستاني وتعزيز صورته كقائد للحزب، أنفق حوالي 5 ملايين دولار على بناء القناة (آي بلس)، للتوظيف وشراء المعدات والتدريب وبناء المكاتب وقسم من أجور البث، وبسبب قلة وصوله إلى الموارد المالية للاتحاد الوطني، يتهمه خصومه بالحصول على عائدات كبيرة من أنشطة التهريب على المعابر الحدودية مع إيران، والاستيلاء على أراض تجارية في مدينة السليمانية”. 

وفيما يتعلق بنفقات لاهور على “آي بلس”، أوضح مسؤول كبير في الاتحاد الوطني الكردستاني، لـ”العالم الجديد”، رافضا الكشف عن هويته، أن “جنكي أنفق ما يقرب من 10 ملايين دولار أمريكي على آي بلس، من أموال الاتحاد الوطني الكردستاني، ولكن دون أي نتائج تذكر، ولم نرَ القناة التلفزيونية التي كان من المفترض أن تخدم مصالح الاتحاد الوطني الكردستاني وشعب السليمانية، حتى ولو لثانية واحدة”.

وبعد إزاحة لاهور، في 8 حزيران يونيو 2021، سيطر بافل طالباني، على مكاتب “آي بلس”، وصادر المعدات وأقال المديرين الرئيسين للقناة، وقام بتغيير اسم القناة إلى “القناة الثامنة” (في إشارة إلى 8 حزيران يونيو، اليوم الذي تمكن فيه بافل من لاهور وأزاحه من منصب الرئاسة المشتركة للاتحاد الوطني الكردستاني)، فقام بتعيين مسؤولين موالين له، حيث يتلقى الموظفون الآن، تدريبات من شركات إعلامية دولية استأجرها بافل، فيما تمول هذه الأنشطة من خلال المكتب المالي للاتحاد الوطني الكردستاني، الذي بات الآن تحت سيطرة بافل بالكامل.

وتكشف المصادر، عن “بلوغ الرواتب لأعلى 15 موظفا تتراوح بين 5000 و10 آلاف دولار شهريا، أما بقية الموظفين والمتوقع بلوغهم نحو 250 شخصا، بين 1500 و2000 دولار، أما التكاليف التقديرية للبث، فتبلغ بين 8000 و10 آلاف دولار شهريا، فيما تم تعيين أحمد نجيم، الموالي لطالباني، مديرا عاما للقناة”.

قناة لاهور الجديدة 

على الرغم من قطع التمويل السياسي لحزبه (الاتحاد الوطني الكردستاني) ومصادر دخله في الإقليم، إلا أن لاهور شيخ جنكي، افتتح مؤخرا قناة فضائية تسمى “زوم”، ويبلغ عدد موظفيها حوالي 40 شخصا بمرتبات تتراوح بين 1000 و2000 دولار شهريا، بحسب المصادر، التي تعزو تمويلها إلى الأموال التي جمعها مالكها، عندما كان رئيسا مشتركا للاتحاد الوطني الكردستاني، وهو يستخدم تلك الأموال أيضا لدفع رواتب حراسه البالغ عددهم 150 فردًا. 

وتضيف المصادر، أن “لاهور أراد إبقاء المؤسسة الإعلامية صغيرة، خوفا من استهدافها ومصادرتها من قبل منافسه بافل طالباني مرة اخرى كما حصل مع آي بلس”.

SbayTV لنجل نوشيروان مصطفى

وهي قناة مملوكة لـ”نيما” نجل نوشيروان مصطفى، مؤسسة حركة التغيير (گوران) في عام 2009، الحزب المعارض الرئيس الذي تحدى ثنائية الحزبين الديمقراطي/ الاتحاد الوطني الكردستانيين حتى عام 2019، عندما تم استقطاب أعضاء الحركة من قبل الحزبين، وفقدت شعبيتها. 

ولعبت مؤسسة “گوران” الإعلامية، وقناة “كردستان نيوز نتوورك KNN” التابعتان للحركة، دورا رئيسا في حشد قطاع كبير من السكان الكرد في العراق، ضد الفساد والحكم العائلي للحزبين الكردستانيين الرئيسين لمدة عقد تقريبا.

وبعد وفاة نوشيروان عام 2017، خضعت الحركة وإعلامها ومواردها الاقتصادية والسياسية لسيطرة نجلي نوشيروان: “نيما” و”تشيا”، على الرغم من أن للحركة زعيما رسميا هو: “عمر سعيد علي”، إلا أنهما صاحبا السلطة الحقيقيان في الحزب، بعد أن ورثا أصول الحركة التي تشمل:

– مقر كوران (أرض مساحتها 122 دونما، تقدر قيمتها بنحو 600 مليون دولار).

– حصة 50 بالمئة في مجمع مترو تسوق وسط مدينة السليمانية.

– حصة 15 بالمئة في مصنع إسمنت كبير في السليمانية يسمى “گە سن”، تبلغ قيمة حصة كوران منه حوالي 40 مليون دولار، بربح سنوي يقدر بحوالي 2.2 مليون دولار.

جزء من هذه الأموال تذهب لتمويل شبكة KNN، ومؤسسات إعلامية أخرى تابعة لحركة “التغيير”، ولكن الجزء الأبرز منها تم تخصيصه مؤخرا لمؤسسة Sbey.

ويدير فضائية Sbey، توانا عثمان، وهو صحفي ومدير سابق لمؤسسة ناليا الإعلامية التابعة لحركة الجيل الجديد التي يتزعمها السياسي ورجل الأعمال شاسوار عبد الواحد.

المؤسسات الإعلامية والحسابات والصفحات الممولة حزبيا

بالإضافة إلى المؤسسات الإعلامية الجديدة، يمتلك كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) والاتحاد الوطني الكردستاني (اليكيتي) عشرات المؤسسات الإعلامية الفعالة (مواقع، ووكالات إخبارية، وصحف، ومجلات يومية وأسبوعية، فضلا عن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي)، والتي تُكلّف الحزبين ما يُقدّر 3 إلى 4 مليون دولار شهريا. 

يوظف الحزبان فيها آلاف الأفراد برواتب تتراوح بين 1000 و1500 دولار شهريا للموظفين العاديين و2000 و2500 دولار للمُديرين.

وفي أيار مايو 2020، أزالت منصة فيسبوك، 324 صفحة و72 حسابا و5 مجموعات، و31 حسابا على إنستغرام تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، تنتحل هذه الصفحات والحسابات صفات سياسيين محليين وأحزاب سياسية، بهدف ضرب الخصوم والتلاعب بالرأي العام المحلي. 

وقالت منصة فيسبوك، حينها، إن تحقيقات الشركة ربطت الصفحات والحسابات والمجموعات بـ”أفراد مرتبطين بجهاز الزيناري (قوة استخبارات الاتحاد الوطني الكردستاني كان صاحب النفوذ الأكبر فيه لاهو شيخ جنكي)”، لكن مثل هذه الأنشطة لم تقتصر على لاهور، فقد أنفق معظم أفراد الطبقة الحاكمة بالإقليم مبالغ مالية كبيرة في تشكيل “الإعلام الموازي”، حيث قام الشقيقان بافل وقوباد طالباني، والصهران وابنا العم، مسرور ونيجيرفان بارزاني، إلى جانب قادة سياسيين وأمنيين آخرين من الحزبين، بتشكيل وتمويل مئات الصفحات والحسابات الوهمية على فيسبوك، لتعزيز مصالحهم السياسية الخاصة، من خلال الترويج وضرب الخصوم، مقابل رواتب مجزية للعاملين، تصل إلى 2500 دولار شهريا أحيانا.

إقرأ أيضا