استرداد المطلوبين.. الطريق مازال طويلا

على الرغم من إعلان العراق استرداد عدد من المطلوبين في الخارج، إلا أن الطريق مازال طويلا للتقدم في هذا الملف، لأن هناك الآلاف من المجرمين الهاربين مازالوا أحرارا في دول أخرى.

 ويرى قانونيون ومراقبون أن هذا الملف يعاني من “ازدواجية” تزعزع ثقة الدول الأخرى بالعراق، إضافة إلى أن الأمر يحتاج إلى الدخول في اتفاقيات سياسية، بقي العراق بعيدا عنها.

ويقول الباحث في الشأن السياسي والأمني أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك قانونا ناظما للعلاقات الدولية، هو القانون الدولي والاتفاقيات التي تعقد تحت مظلته، ومن ثم تأتي الموثوقية، أي كلما كان المحيط الإقليمي والدولي يثق بالنظام، كان التعاون ميسرا”.

وبالنسبة للنظام العراقي، يضيف الشريفي، أن “هناك خللا في النوايا، فعندما يتحدث النظام عن النية لإجراء مكافحة الفساد فهو لا يرتقي لإقناع الرأي العام العراقي، فكيف يقنع الدول الأخرى”، لافتا إلى أن “مواجهة الفساد ومكافحته وملاحقة متهميه في الخارج هو ملف سياسي أكثر مما هو ملف قضائي وقانوني، لكن في العراق الأمر يخضع إلى نزوات صانع القرار السياسي، فتارة يضفي حصانة على قضايا كبيرة، وتارة أخرى يحرك قضايا لكون الجهات التي ترتكب الفساد بعيدة عن الارتباط الحزبي”.

ويتابع أن “هذه الازدواجية تجعل الدول الأخرى لا تكترث إلى هكذا مطالب، كما أن الجدية غير متحققة، سواء في تفعيل القوانين أو ملاحقة جميع المطلوبين في الخارج”.

وكان رئيس هيئة النزاهة، حيدر حنون، أكد مطلع الأسبوع الحالي أن الهيئة تمكنت خلال سنة من إعادة 18 متهما ومدانا هاربا خارج العراق و”ننسق حاليا على إعادة 15 متهما تم تشخيصهم”، لافتا إلى أن “الإمارات ستقوم بتسليمنا متهما وهو نورس عبد الرزاق مدير صحة بابل السابق، إلا أنه لا يزال يتخفى في الإمارات وبمجرد القبض عليه سيتم تسليمه إلى الإنتربول العراقي وإلى اللجنة التي سوف نرسلها إلى الإمارات”، مضيفا أن ملفات حمدية الجاف قيد الإنجاز التي لديها 17 ملفا والأموال التي بذمتها إلى العراق بحدود ملياري دولار أمريكي، وحاليا 5 ملفات تم استكمالها وملف واحد يكفي لاستردادها ومحاكمتها.

ووفقا لحنون فإن هناك متهمين في سوريا والسعودية وآخرين في دول أخرى، مبينا أنه “تم البدء في جمهورية تركيا التي فيها 101 متهم مطلوب للعراق عن جرائم فساد وتم تسليم واحد منهم”.

ويفيد الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “المطلوب إذا كان عن طريق الإنتربول الدولي فإن التعميم الذي تصدره هذه المنظمة بحق المطلوبين واجب التنفيذ في كل الدول الموقعة على هذه الاتفاقية واحتجاز المطلوبين ثم تسليمهم إلى الدولة الطالبة عن طريق الدولة التي يكونون فيها”.

أما إذا كانت هناك اتفاقية ثنائية بين الدولتين الطالبة والتي احتجزت المطلوب خاصة بتسليم المطلوبين، يشير التميمي، إلى أن “التسليم يتم عن طريق إعداد ملف خاص بالاسترداد من قبل الدولة الطالبة”، لافتا إلى أن “الجهة التي تعد ملف الاسترداد في العراق هي رئاسة الادعاء العام التي ترسله إلى وزارة الخارجية”.

ويحوي هذا الملف، بحسب الخبير القانوني، “اسم المتهم والجريمة والمادة وكل الأولويات ويرسل إلى الدولة التي تحتجز المتهم، وبعد وصول ملف الاسترداد تلتزم الدولة التي لديها المطلوب بإرساله مخفورا”.

وتتم ملاحقة أغلب المتهمين في الخارج عبر الإنتربول أو الشرطة الدولية، التي يعرفها التميمي، بأنها “منظمة دولية مقرها باريس، ويقتصر عملها على التنسيق بين الدول الأعضاء لاسترداد المطلوبين في قضايا غير سياسية وفق شبكة اتصال ومكاتب وطنية في كل عضو في المنظمة وهي جهة إبلاغ وليست جهة تنفيذية”.

ويشير إلى أن “الدول في الغالب الدول لا تسلم المطلوبين بحجة أن دساتيرها لا تسمح بتسليم السياسيين أو أصحاب اللجوء السياسي، كما نصت مادة ٣ من دستور منظمة الإنتربول”، مستدركا أن “تسليم المطلوبين يمكن أن يكون ناجحا مع وجود الاتفاقيات الدولية الثنائية بين الدول وهذه الاتفاقيات هي مفتاح الحل في التسليم المتبادل للمطلوبين”.

ومنذ 2017 قال جهاز الادعاء العام أنه نظم 1616 ملف استرداد بحق متهمين هاربين خارج العراق، وفيما لفت إلى أن معظم هذه التهم تتعلق بالإرهاب والفساد، أشار إلى صعوبة استرداد المتهمين مزدوجي الجنسية لأن معظم الدول التي يحملون جنسيتها لا تسلّمهم بسهولة.

وأكد الادعاء العام آنذاك، أن المتهمين الذين تم تسليمهم للعراق هم أربعة فقط، عازيا ذلك إلى أن بعض المتهمين يحملون أكثر من جنسية ما يجعل الدول التي يلجؤون إليها والتي يحملون جنسيتها تتمسك بهم تحت أي حجة، فضلا عن اعتبار بعض الدول لجرائم هدر المال العام والتقصير الصادر عن مسؤول، جرائم قانون دولي.

من جهته، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن “الأمم المتحدة وقعت اتفاقية مهمة لمحاربة الجريمة المنظمة، وهذه الاتفاقية تتيح للدول الانخراط في تبادل المعلومات بينها وتنسيق والتعاون مع الأمم المتحدة، ويفترض أن يكون العراق هو أحد الموقعين على هذه الاتفاقية الدولية المهمة لكي يحظى بمساعدة الأمم المتحدة”.

ويضيف فيصل، أن “هناك اتفاقية أخرى مهمة جدا هي الاتفاقية الأوروبية للجريمة المنظمة التي تضمن التنسيق بين الدول الأوروبية وغيرها من خلال تبادل المعلومات وملاحقة المجرمين وإلقاء القبض والإحالة إلى المحاكم، والعراق بعيد عنها أيضا”، لافتا إلى أن “الدول العربية متخلفة في مواجهة الجريمة المنظمة وتسليم المطلوبين عبر الحدود”.

وغالبا ما يشكو العراق عدم تعاون المجتمع الدولي معه في استرداد المطلوبين، ففي نيسان أبريل 2021 أكد القضاء أن “العراق لديه اتفاقية في مجال مكافحة الفساد وأجرينا الحد الأدنى لتحقيق الاتفاقيات الا ان ضعف إجراءات تسليم المتهمين لا يزال دون المستوى المطلوب من قبل معظم الدول التي يتواجد فيها سراق المال العام، مشيرا إلى الحاجة متابعة حركة رؤوس الأموال في الخارج لان المتهمين الذين سرقوا المال يتنعمون بها حاليا بسبب تلكؤ المجتمع الدولي في مساعدة العراق في هذا المجال وفي استرداد المتهمين.

إقرأ أيضا