الترهل الوظيفي.. مشاهد درامية متكررة في مؤسسات الدولة العراقية

تعاني وزارات الدولة العراقية من ترهل وظيفي يعرقل عمليات الإنتاج في الغالب، ويسبب إرهاقا لخزينتها، من دون تحقيق مردودات مالية تكفي على أقل تقدير لتأمين رواتب العاملين فيها، في بلد ما زال لغاية الآن يعتمد على العائدات النفطية بنسبة لا تقل عن 90 بالمئة لرفد موازناته السنوية بالأموال، في حين لا تحقق مؤسساته الحكومية الصناعية والتجارية والمالية عائدات مالية بإمكانها منافسة النفط.

وتبين دراسة أجرتها كلية اقتصاديات الأعمال في جامعة النهرين، أن إنتاجية الموظف في العراق لا تتجاوز الـ17 دقيقة يوميا، مؤكدة حاجة العراق إلى قانون لتنظيم العطل الرسمية التي تتسبب بهدر الوقت وتحول دون الإنتاج والتطور.

ويقول الخبير الاقتصادي علاء دعدوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التوسعة في أعداد الموظفين خلال السنوات الماضية كانت لأغراض سياسية وليست اقتصادية، إذ لم تقابلها توسعة في الطاقات الإنتاجية والخدمية في القطاع العام والإدارات الحكومية”.

ويضيف دعدوش، “تعمل الحكومة وفق برنامج واضح لتحديث القطاع العام واستحداث بعض المشاريع الاستثمارية من أجل تنويع القطاع الاقتصادي العراقي والانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي”.

ويردف “لا يجب الاعتماد على النفط في عملية تمويل النفقات، وليس من الصحيح أن يتم التوظيف دون أن يكون هناك انتقال تدريجي من الاقتصاد الريعي إلى تشغيل المصانع والمعامل في القطاعين الحكومي والخاص، كما أن هناك عدة مقترحات بشأن توظيف الخريجين للحد من الإنفاق الكبير والبطالة المقنعة في القطاع العام، ومنها الاهتمام بحاضنات الإعمال وتوفير الدعم المادي الذي سيقلل من التوظيف الحكومي”.

ووفقا قانون الموازنات العامة الاتحادية للسنوات 2023، و2024، و2025، يبلغ عدد الموظفين في العراق أربعة ملايين و74 ألفا و697 موظفاً وموظفة، وحدد القانون نفسه عدد موظفي إقليم كردستان بـ658 ألفا و189 موظفاً وموظفة.

ويرى الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه، خلال تصريح لـ”للعالم الجديد”، أن “الترهل الوظيفي هو بطالة مقنعة تحدث أضرارا بمؤسسات الدولة، كما أن هناك صعوبة في تنقل الموظفين بين الوزارات بسبب سلم الرواتب الذي يختلف من وزارة إلى أخرى”.

وينوه عبد ربه، إلى أن “أعداد الموظفين الفائضة عن الحاجة في وزارتي الكهرباء والصناعة ومؤسسات الدولة غير المنتجة، تتطلب تشريع قانون لتوزيع الموظفين يتم بموجبه نقلهم بين الوزارات والمؤسسات التي تعاني من التخمة الوظيفية إلى أخرى فيها نقص ولها تماس مباشر مع المواطنين، مثل دوائر الجوازات والبطاقة الوطنية والضريبة وجميعها تواجه زخما كبيرا من المراجعين مقابل أعداد قليلة من الموظفين”.

ويؤكد على “أهمية إعادة توزيع الملاكات الوظيفية ضمن خطة وقانون يتم من خلاله التساوي في الرواتب لتسهيل نقل الموظفين بحسب الحاجة الفعلية لهم”.

ويحذر الخبير الاقتصادي، من أن “الترهل الوظيفي يعرقل العمل الاقتصادي ويثقل كاهل الدولة ويستنزف مواردها، ومن المهم بمكان ترشيق مفاصل الدولة لتتمكن من القيام بمهامها الاقتصادية، خاصة وأن الدعم الحكومي للوقود والكهرباء والبطاقة التموينية يستنزف موارد الدولة بنحو 33 مليار دولار سنوياً”.

ويوضح أن “نسبة من يتقاضون رواتب من الدولة تصل إلى نحو 25 بالمئة من عدد سكان العراق، وأن عدد الموظفين على الملاك الدائم يصل إلى نحو 4 ملايين و50 ألفا، ويمثل هذا العدد ما نسبته 9 بالمئة من السكان”.

ويختم عبد ربه بالقول، إن “هذه النسبة تصل إلى 25 بالمئة إذا أضفنا لها من يتقاضون رواتب من الدولة من متقاعدين وعاملين في شركات التمويل الذاتي والحماية الاجتماعية والذين يصل عددهم إلى نحو 10 ملايين”.

وتتجسد في بعض مؤسسات الدولة مشاهد درامية متكررة بسبب أعداد الموظفين الكثيرة، حيث أن بعض الموظفين لا يجدون مكانا يجلسون فيه، وآخرون يتناوبون على الجلوس، يضطر بعضهم إلى شراء المقاعد وجلبها للمؤسسة بعد تدوين أسمائهم عليها كي لا يشغلها سواهم.

وفي هذا الإطار، يشرح الموظف إحسان جميل، خلال حديث لـ”للعالم الجديد”، أنه “تم جمعنا نحن الموظفون الجدد ويتجاوز عددنا 123 موظفا في قاعة كبيرة لا تحتوي إلا على عدد قليل من الكراسي وليس فيها أجهزة تدفئة وتبريد”.

ويواصل “اضطررنا إلى الاتفاق مع متعهد الدائرة لشراء مقاعد بلاستيكية للجلوس وحدد لنا المتعهد مبلغ 25 ألف دينار للمقعد الواحد، وجمعنا مبلغا لشراء ثلاجة، ولك أن تتصور كيف يحصل هذا العدد الكبير من الموظفين على الماء البارد من ثلاجة واحدة”.

وكان أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، قد أوضح في تصريحات سابقة، أن هناك مفارقة حادة داخل مؤسسات الدولة من ناحية أعداد الموظفين، مشيرا إلى شكوى وزارتي التربية والتعليم العالي من نقص الكوادر الوظيفية مقابل وجود ترهل كبير في الملاكات الوظيفية في وزارات أخرى، كما يقابل  الترهل الوظيفي في مراكز المدن نقص حاد بأعداد الموظفين في القرى والأرياف.

ويعود إقبال المواطنين على الوظائف الحكومية، بحسب معنيين، لأسباب عديدة، منها تفشي البطالة وعدم وجود دعم حكومي للقطاع الخاص أو قانون ينظم عمله، إضافة إلى الراتب التقاعدي الذي تضمنه الحكومة للموظفين، والرواتب المجزية التي كان يتقاضاها الموظفون.

إقرأ أيضا