«التعري» يغزو وسائل التواصل بهدف الشهرة والمال ويؤشر لتحول اجتماعي

بملابس شفافة و”خليعة”، تستعرض بعص الفتيات أجسادهن أمام كاميرات هواتفهن، أو يمارسن بعض الحركات، أمام مصورين عادة ما يكونون أزواجهن، أو أشقاءهن، لتنشتر بعد ذلك تلك المقاطع بشكل سريع وكبير في مختلف تطبيقات وسائل التواصل، وتصل لمختلف الأعمار بمن فيهم الأطفال.  

وغالبا ما تنشر هذه المشاهد في تطبيق “التيك توك”، أو تكون عبر بثوث مباشرة، وغالبا ما تُظهر أجسادا بالحدود القصوى التي يسمح بظهورها في هذه التطبيقات، وتقترب من “التعري الكامل”، بهدف الحصول على أموال، فأصبحت وفقا لمتخصصين، تشكل خطرا كبيرا على تربية الجيل الجديد، والسيطرة على الأطفال. 

الأمر أثار تساؤلات عدة حول طبيعة المجتمع المحافظة، وهل اكتسب عادات جديدة، حيث بات هذا النوع من الفيديوهات يسجل ملايين المشاهدات دون تدخل الأهل أو الأقارب المعروفين بسطوتهم العرفية، ما أرجعه متخصصون إلى تغيير في المبادئ والقيم الاجتماعية، فيما طرحوا طرقا عدة لمعالجة هذا “الانهيار” السريع والكبير. 

قلق 

“يتحدثون بلغة بذيئة”، هكذا بدأت نور كاظم (35 عاما) حديثها، عن معاناتها في السيطرة على أطفالها، ومحاولتها إبعادهم عن محتوى السوشيال ميديا “الهابط”، الذي بدأ ينعكس على تصرفاتهم.

وتقول كاظم، في حديثها لـ”العالم الجديد”، إن “السيطرة على الأطفال من مخاطر المحتوى الهابط باتت صعبة جدا، فعملية إقناع الطفل بإن هذا الشيء خطأ ولا يمكن الاستمتاع به بل الابتعاد عنه صعبة جدا، وهذا الأمر يجعل عملية التربية معقدة وبحاجة لوقت طويل من قبل الأبوين”.

وتضيف كاظم، “أصبحت تتردد على سماعي مفردات غريبة من قبل أطفالي لم اسمعها من قبل، وعندما تابعت الموضوع وجدت مقاطع تيك توك تروج أو تقوم قنوات في اليوتيوب بنشرها مما يسهل متابعتها من قبل الجميع ولاسيما الاطفال”، مبينة أن “في السنوات الاخيرة أصبحت جميع العوائل تعطي الهواتف أو الاجهزة اللوحية إلى الاطفال من اجل متابعة الرسوم المتحركة أو محتوى تعليمي، لكن الأمر بدأ يأخذ منحى آخر، فبدل متابعة محتوى الاطفال أصبحوا يتابعون المحتوى الهابط والمبتذل ويتحدثون بلغتهم”.

وخلال الفترة الماضية، أصبحت ظاهرة البث المباشر وتصوير فيديوهات رقص وتغيير الملابس، أو ما يعرف بـ”اليوميات” أو الفلوكات، من أبرز المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي، وكل هذه الفيديوهات تصور داخل المنازل بوجود العائلة بأكملها وليس بشكل سري، حتى وصلت بعض الفيديوهات إلى تصوير “أماكن حساسة”، لدى النساء بغية الحصول على الشهرة، وهو ما يتحقق حيث يتم تناقل هذه الفيديوهات بشكل كبير من قبل عشرات الصفحات.  

ولم تقتصر هذه الفيديوهات على أعمار معينة، بل بدأت بتصويرها الكثير من الفتيات بأعمار المراهقة، وبعضهن طالبات مدارس، يظهرن أجزاء من أجسامهن مع التلفظ بكلمات بذيئة، أو يتجهن للرقص، فضلا عن تصوير بعض الرجال فيديوهات رقص لزوجاتهم وهن بالملابس الداخلية ونشرها، بغية الحصول على أكبر عدد من المشاهدات التي تعود عليهم بمردود مادي. 

ووصل عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي، إلى رقم قياسي يقدر بنحو 4.9 مليار، وفقا لتقرير لمجلة “فوربس”، ومن المتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى ما يقرب من 5.85 مليار مستخدم، بحلول عام 2027، حسب المجلة.

أرقام عالمية

وترتبط الأرباح التي يحققها المؤثرون على مواقع التواصل بعدد “المتابعين” لحساباتهم المختلفة على المنصات المختلفة، وفقا لموقع “بيزنيس دوت كوم”.

وهناك ثلاثة أنواع من المؤثرين على مواقع التواصل، أولهم “النانويون” والذين يمتلكون 10 آلاف متابع أو أقل ويكسبون حوالي 195 دولارا لكل مشاركة، والنوع الثاني، هم “المؤثرون من الطبقة المتوسطة”، ولديهم ما بين 10 آلاف إلى مليون متابع ويكسبون حوالي 1221 دولارا لكل منشور، أما النوع الثالث فهم “المؤثرون أصحاب النفوذ الكلي”، والذين لديهم أكثر من مليون متابع ويكسبون حوالي 1804 دولارات لكل منشور.

وحسب “بيزنيس دوت كوم”، فإن المؤثرين على موقع “إنستغرام” يحققون 100 دولار لكل 10 آلاف متابع.

ووفقا للإحصائيات التي نشرتها “فوربس”، فإن تطبيق “تيك توك” الصيني قد حقق إيرادات بقيمة 350 مليون دولار، في الربع الرابع من عام 2022، ليتفوق بسهولة على منصات فيسبوك وإنستغرام وتويتر (إكس حاليا) وتطبيق “سناب تشات”، والتي حققت في نفس الفترة 205 ملايين دولار.

وفي عام 2022، وصل إجمالي الإيرادات في سوق الشبكات الاجتماعية إلى 124.60 مليار دولار، وفق موقع “ستاتيستا” المختص بإحصاءات بيانات السوق، ومن المتوقع أن تبلغ أرباح شركات التواصل الاجتماعي 183.10 مليار دولار، بحلول عام 2027، حسب المصدر ذاته.

تحول اجتماعي

أما الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي، فتشير خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، الى أنه “بالآونة الأخيرة ظهرت بعض العوائل على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة عبر تطبيق تيك توك بفيديوهات عائلية وتفاصيل خاصة وخادشة للحياء عن يومياتهم”.

وتلفت الفيلي، إلى أن “المجتمع العراقي، وخلال الأعوام الـ10 الماضية، فقد الكثير من مبادئه وأخلاقياته حتى أصبحت بعض العوائل لا تؤمن حتى بالقيم والأخلاق والتربية، وهي من تقوم بتشجيع أولادها على هذا المحتوى من أجل الحصول على أموال”.

وتضيف، أن “هذه التطبيقات تساهم وتشجع على نشر المحتوى الهابط وتمنح أصحابه أجورا بأرقام مضاعفة”، مبينة أن “المسؤول عن الكارثة ليس من يقوم بتصوير هذه الفيديوهات فقط، بل الذي يشاركه ويتفاعل معه أيضا ليصل إلى أكبر عدد من المستخدمين، فالأمر لم يقتصر على خدش الحياء، وإنما أصبح مصدرا لانتشار الألفاظ النابية والكلام البذيء بين المراهقين”.

وسبق لـ”العالم الجديد”، أن تناولت قضية استخدام النساء في إعلانات المحال التجارية للملابس، حيث اتجهت أغلب المحال إلى الاستعانة بنساء لغرض الترويج للملابس، حيث تظهر هذه النسوة بملابس فاضحة وفاتنة أو ملابس نوم، وهو ما أرجعه متخصصون في حينها إلى قضية استخدام المرأة وانتهاكها، وطالبوا بوضع ضوابط لحماية المرأة من هذا الاستغلال، حسب وصفهم.  

وفي السنوات الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشار ظاهرة “صناع المحتوى”، وصف بعضه بـ”المحتوى الهابط” و”اللا أخلاقي”، خاصة وأنه يتركز فقط على الإيحاءات الجنسية أو استعراض الفتيات وبعض الممارسات الأخرى، أو الحديث مع تعدد العلاقات والخوض بتفاصيلها الجنسية.

وكان تطبيق تيك توك، من أشهر التطبيقات التي ضمت هذا المحتوى، وتضمن مقاطع لأطفال بعضها يحتوي إيحاءات جنسية، وأغلب أصحاب الفيديوهات باتوا “مشاهير” نظرا لعدد المشاهدات الكبير الذي يحظون به.

ومؤخرا طالبت وزارة الاتصالات، بحظر تطبيق “تيك توك”، ما أثار حفيظة المدافعين عن حرية التعبير، بسبب إمكانية استغلاله من قبل السلطات لقمع الحريات العامة والصحفية.

وكانت السلطات، قد قررت في كانون الثاني يناير 2023، ملاحقة ذوي “المحتوى الهابط”، دون تحديد معايير حقيقية، الأمر الذي أثار حفيظة الصحفيين والناشطين، ما استدعاهم لانتقاد هذا التصرف، داعين إلى تشريع قوانين تمنح لهم حق الحصول على المعلومات أولا.

قانونيا

من جهته، يؤكد الخبير القانوني أحمد العبادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “على المستوى الشعبي يفترض أن تكون هناك توعية للأفراد من أجل التفريق ما بين الحرية الشخصية ونشر محتوى هابط”.

ويلفت العبادي، إلى أن “القانون لا يبيح نشر كل شيء، لأنه يكون وفق ضوابط المجتمع ولا يسمح بالتعدي عليها”، متابعا “تم تشكيل لجنة برئاسة مجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية وهيئة الإعلام والاتصالات ونقابة الصحفيين والجهات المعنية الأخرى من أجل التدقيق في موضوع جرائم النشر ذات المحتوى الهابط وتشخيصها وعرضها على القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق مرتكبيها”.

وينوه الى أن “قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1996 تطرق لهذا الموضوع، ووردت في إحدى مواده عقوبة الحبس لمدة سنة كل من ارتكبت فعلا فاضحا أو خادشا للحياء عبر جهاز آلي أو محل عام”.

وكان تطبيق تيك توك، من أشهر التطبيقات التي ضمت هذا المحتوى، وفيه توجد فيديوهات لأطفال يمارسون أفعالا فيها إيحاءات أيضا، وأغلب أصحاب الفيديوهات باتوا “مشاهير” نظرا لعدد المشاهدات الكبير الذي يحظون به.

يشار إلى أن العديد من دول العالم اتجهت الى حظر تطبيق “التيك توك” أو مراقبة المحتوى المنشور فيه، وذلك نظرا لارتفاع معدلات الفيديوهات المخلة بالآداب أو المسيئة للمجتمع، وخاصة من قبل المراهقين، فضلا عن تدخل الادعاء العام وخاصة في مصر، باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب هذا النوع من المحتوى.

وتنتشر منذ سنوات “صرعات” عدة يقلدها مدونون بينهم مراهقون على مواقع التواصل الاجتماعي، بدافع الشهرة أو الحصول على المال، تعد دخيلة على المجتمع من قبيل تبديل الملابس أمام الكاميرا أو عمل المقالب بالأهل أو تصوير الزوجين لأنفسهم وهما في الفراش.

نفسيا 

من جهتها، تؤكد الباحثة النفسية والتربوية إيناس هادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “انعدام الوعي الرقمي الذي يفتقر إليه بعض الأفراد في المجتمع العراقي حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة في منصة التيك توك، كونها تنتج فيديوهات تعتمد السرعة وسهولة الإنتاج عبر برامج وتطبيقات معينة، أدى إلى نشر المحتوى الهابط دون وعي”.

وتضيف هادي، أن “الضغوط الاجتماعية التي تعرض لها العراقيون، دفعت الأشخاص إلى تعزيز الرغبة في الانتماء إلى مجموعة معينة أو الحصول على قبول وتقدير من قبل الآخرين في العائلة أو المجتمع، وهذا قد يفسر ما يجري في وسائل التواصل”، مبينة أن “التأثيرات الثقافية التي شجعت على نشر المحتوى الهابط، مثل القيم الاجتماعية المغلوطة التي تروج للعنف أو نشر المواضيع التافهة والمضحكة والحصول على التأثير بالتحفيز المحيط بهم والمكآفات المتوقعة من تفاعلات إيجابية من قبل الجمهور، ساهمت بنشر ها المحتوى أيضا”.

وتستدرك “وفقا لنظرية النمذجة الاجتماعية التي تفسر سلوك الأفراد من خلال المشاهدة وتقليد الآخرين دون التفكير في العواقب، إضافة إلى المردود المادي من خلال الإعلانات والشركات التي عززت ظهورهم مرات مستمرة من أجل الحصول على الأرباح، يجري في بعض الأحيان استخدام هؤلاء الأفراد كرموز لنقل رسائل لجهات معينة”.

وتشير هادي، الى أنه “يمكن معالجة ذلك من قبل شركة تيك توك، عبر وضع سياسات استخدام صارمة تحظر المحتوى الهابط وتعاقب المستخدمين الذين ينتهكون هذه السياسات، بما في ذلك حذف المحتوى غير المناسب وإيقاف حسابات المستخدمين الذين ينشرونه”، متابعة “بالإضافة الى أنه يمكن تشكيل فرق متخصصة لمراقبة المحتوى المنشور على تيك توك، والتحقق من مدى مطابقته للسياسات والمعايير المحددة، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة وجود مخالفات”.

وتؤكد أن “واحدة من أهم المعالجات تكمن في أنه يجب أن تكون هناك رقابة أبوية فعالة على استخدام التطبيقات من قبل الأطفال، مع تحديد سياسات وقواعد لاستخدامها بشكل آمن ومسؤول، بالإضافة الى تحديد أوقات محددة لاستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تيك توك، وتحديد الفترات التي يمكن فيها الاستمتاع بالتطبيق بشكل آمن ومراقب”.

إقرأ أيضا