«الثالوث القومي» يعرقل حسم تشكيل الحكومة المحلية في كركوك

تتعقد الأمور أكثر فأكثر في كركوك، بعد حسم أغلب المحافظات العراقية لتشكيل حكوماتها المحلية وتسمية المحافظين ورؤساء المجالس ونوابهم، إلا أن الوضع في هذه المحافظة يزداد ضبابية وتعقيدا، فالمدينة المتعددة المكونات، لم يحقق أي مكون فيها الأغلبية في انتخابات مجالس المحافظات لكي يتمكن من الاستحواذ على المقاعد التسعة التي تؤهله لحسم الخلاف.
ورفع مجلس محافظة كركوك أمس الأول الاثنين جلسته الأولى إلى إشعار آخر، نتيجة فشله في تحقيق النصاب، على إثر انسحاب ممثلي العرب والتركمان من الجلسة، احتجاجا على الاجتماع الأخير للحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الذين أصرا على تسمية محافظ كركوك من القومية الكردية حصراً.
وبهذا الصدد يقول عضو الاتحاد الوطني الكردستاني إدريس الحاج عادل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “منصب محافظ كركوك يجب أن يكون من نصيب الكرد لاعتبارات عديدة، فهم الأغلبية السكانية والسياسية في مجلس كركوك، ووفقاً للدستور فإن الأغلبية هي التي تتولى المنصب الأول في المحافظة وهو منصب المحافظ”.
ويضيف أن “منصب محافظ كركوك هو من نصيب الكرد، وعلى الآخرين الاعتراف بالتركيبة السكانية، وتقديم تنازلات، لكي تمضي الأمور مثل باقي المحافظات، وأي تأخير سيتحمل نتائجه المواطن الكركوكي”.
ويطالب الحاج عادل “القوائم العربية والتركمانية بتقديم تنازلات، وتقاسم المناصب الأخرى، فمثلاً يكون رئيس مجلس المحافظة من نصيب المكون العربي والنائب الأول للمحافظ من نصيب التركمان، والنائب الثاني للمحافظ من نصيب المسيحيين”.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت أواخر شهر كانون الأول ديسمبر 2023، النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات، وأظهر النتائج فوز تحالف كركوك قوتنا وإرادتنا للاتحاد الوطني الكردستاني بخمسة مقاعد، والحزب الديمقراطي الكردستاني بمقعدين، والتحالف العربي في كركوك بثلاثة مقاعد الذي يتزعمه خميس الخنجر، وجبهة تركمان العراق الموحد بمقعدين، وتحالف القيادة بمقعدين بزعامة وزير التخطيط محمد تميم، وتحالف العروبة بمقعد واحد، ومقعد واحد لكوتا المسيحيين ذهب إلى حركة بابليون لريان الكلداني.
وشهدت كركوك أعلى نسب مشاركة على مستوى العراق في انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت في 18 كانون الأول ديسمبر 2023، بلغت 69 في المئة، ومنذ العام 2003 لم تشهد كركوك سوى انتخابات محلية واحدة في 2005، كانت مثار جدل بين مكونات المحافظة التي يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد إضافة إلى أقلية مسيحية.
في المقابل يرى عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني صالح عمر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بدون التوافق بين المكونات الثلاث في كركوك، فأن أي جهة لن تستطيع إدارة المدينة بمفردها”.
ويؤكد أن “الخيار الأفضل هو جلوس المكونات الثلاث على طاولة واحدة، وعدم التأثر بما موجود من خلافات في بغداد وأربيل، وتقاسم المناصب وفقاً للاستحقاق الانتخابي والسكاني”.
ويشير إلى أن “منصب محافظ كركوك حتى وأن كان كردياً، فأنه يجب أن يكون شخصية تتمتع بمقبولية واسعة لدى أبناء كركوك، وليس عليه اختلاف من أي طرف، وبالتالي يكون قادراً على إحداث التوازن وضمان مشاركة الجميع وخدمة جميع المكونات”.
يشار إلى أن وفداً من المقر الثاني للاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك زار في 9 كانون الثاني يناير الجاري، الفرع الثالث للحزب الديمقراطي الكردستاني لمناقشة تشكيل الحكومة المحلية الجديدة للمحافظة، وأعلنا عقب الاجتماع أنهما سيعملان سويا من الآن فصاعدا لتشكيل الحكومة المحلية بالتعاون مع المكونات الأخرى.
وتعد كركوك ثاني أغنى مدن العراق نفطياً، بعد البصرة، المتنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل ضمن المادة 140 من الدستور، التي تنص على إجراء استفتاء لسكانها، وتخييرهم بين البقاء مع بغداد أو الانضمام إلى إقليم كردستان.
في المقابل، يرفض القيادي في تحالف العروبة، حاتم العاصي بيان الحزبين الكرديين الأخير، والذي أصر على تسمية محافظ من القومية الكردية حصراً.
ويوضح خلال حديث لـ “العالم الجديد”، إن “كركوك تشهد نهضة عمرانية كبيرة، واستقرارا أمنيا قل نظيره، وهي الآن تتصدر المحافظات بحملة المشاريع الخدمية والأعمار”.
ويبين أن “أفضل حل لكركوك هو استمرار المحافظ الحالي راكان الجبوري بإدارة المحافظة، كونه شخصية تتمتع بالمقبولية وتعامل مع جميع المكونات بطريقة واحدة، دون تمييز”.
ويشدد أن “على الأحزاب الكردية أن تدرك بأن المرحلة السابقة ما قبل 16 تشرين الأول أكتوبر 2017 انتهت، ولن تعود هذه السنوات المرة على الكركوكيين إطلاقا، والمدينة حاليا عبارة عن عراق مصغر يرتبط بالحكومة الاتحادية، وفيها قوات أمنية عراقية ولا نحتاج لأي قوة أخرى يحاولون إعادتها لكركوك”.
وفي 16 تشرين الأول أكتوبر 2017، قامت القوات الأمنية الاتحادية باقتحام مدينة كركوك عبر خطة فرض القانون التي أعلنها القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي في حينها، بعد أن كانت قوات البيشمركة الكردية تسيطر على المحافظة، وتم تكليف راكان الجبوري محافظا في وقتها، بعد هروب المحافظ السابق نجم الدين كريم إلى أربيل.
غير أن التركمان، ثالث أكبر المكونات في كركوك والذي حصل ممثلوه على مقعدين، ويعد أكبر الخاسرين في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، كونه خالف التوقعات، أن الحل هو بتقاسم المناصب.
ويلفت القيادي في التحالف التركماني عباس الآغا، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحل هو بتقاسم المناصب الأمنية والإدارية في كركوك بنسبة 32 بالمئة لكل من العرب والتركمان والكرد، وبنسبة 4% للمسيحيين، وهذا الأمر سيجعل المحافظة تدار بالتوافق”.
وينبه إلى ضرورة “منع استحواذ أية جهة أو مكون وتفردها بالقرار، فنحن لا نريد تكرار التجارب السيئة التي حصلت لنا إبان سيطرة الكرد على المدينة أمنياً وإدارياً، وحصل ما حصل لنا من ظلم وتهميش وإقصاء وتعسف واعتقالات، فهذا الأمر لن يتكرر إطلاقاً”.
ويؤكد الآغا أن “هناك قانوناً بموجبه تدار كركوك بطريقة التوافق ويمنع تفرد أي جهة، حتى لو حصلت على أغلبية المقاعد، كما أن الانتخابات الأخيرة فيها الكثير من الإشكاليات، ولم تمثل الصوت الحقيقي لسكان المدينة”.
ومنذ العام 2005 وحتى الآن، يجري الحديث عن تطبيق المادة 140 في الدستور العراقي، والخاصة بإعادة رسم خارطة إقليم كردستان، وتحديد المناطق التابعة له والتي جرى تعريبها خلال النظام السابق، لكن تعطل تنفيذ هذه المادة لما لها من سلبيات كثيرة، إلا أن الإطار التنسيقي بكافة كتله، أتجه منذ العام الماضي لتطبيق هذه المادة، عبر الحكومة التي انبثقت منه.
لجان كثيرة شكلت منذ إقرار الدستور العراقي، لكن لم تكمل عملها، لاسيما وأن تنفيذها مرتبط بخطوات ثلاث رئيسية، وهي تطبيع الأوضاع ومن ثم الإحصاء وأخيرا الاستفتاء، وما أقدمت عليه الحكومة حاليا هو محاولة إنهاء مرحلة التطبيع وإعادة إحياء اللجنة برئاسة الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري.

إقرأ أيضا