السطوة العشائرية تجهض الهدف الأمني لكاميرات المراقبة المنزلية

تعرض أحد أبناء أم أديان (43 عاما) التي تسكن في منطقة البياع غربي بغداد إلى حادث دهس وفارق الحياة على إثره، وبعد أن تم استدعاء رجال الشرطة للتحقيق في الجريمة وكشف الجاني، كانت المفاجأة، فعندما رصدت الشرطة كاميرات مراقبة في عدد من المنازل القريبة من الحادث، امتنع أصحابها من التعاون مع الجهات التحقيقية للتوصل إلى سائق السيارة من خلال رقمها.

وحول هذا الأمر، توضح أم أديان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أبني البالغ من العمر 16 عاما، تعرض إلى حادث دهس أمام منزلنا، ولم نكن نحن نملك في حينها كاميرات مراقبة، وعندما حاولنا الاستعانة بكاميرات المراقبة الموجودة بمنازل الجيران، صدمنا برفضهم منح التسجيلات”.

وتضيف أن “سائق السيارة الذي دهس ابني، لم نتمكن من معرفته حتى اليوم، رغم مرور سنوات على الحادث، فحتى إجراءات الشرطة لم تصل إلى نتجية مع المنازل المحيطة بنا بشأن الكاميرات لمعرفة السائق”.

ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد ميري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تعاون المواطنين يعد الأساس في كشف الجرائم، وهناك عدد كبير من الجرائم تم اكتشافها بمختلف المحافظات بالعودة إلى كاميرات المراقبة المنصوبة في بيوت المواطنين ومحالهم التجارية”.

ولم يكن هذا حادث الدهس الأول من نوعه الذي ترصده كاميرات المراقبة، ويتردد المواطنون عن كشفه لرجال الشرطة لأسباب عدة، فقد تم تسجيل المئات من جرائم القتل والسرقة والسطو المسلح في العاصمة بغداد دون أن يكون لكاميرات المنازل والمحال التجارية أي دور بكشف الجرائم.

ويوضح ميري، أن “الوزارة لديها احتياطات أمنية تتخذها لحماية المواطنين المتعاونين معها في كشف الجناة عبر كاميرات منازلهم بغية تجنيبهم المشاكل والفصل العشائري”.

وبعد سنوات من تغيير النظام السابق في العام 2003، بدأت تنتشر كاميرات المراقبة في المنازل والعمارات السكنية والمحال التجارية بمختلف مدن العراق بمبادرات من المواطنين لأسباب أمنية، ولاحقا بدأت السلطات الأمنية تفرض على أصحاب الشركات والمحال التجارية نصب الكاميرات لما تلعبه من دور في كشف هويات منفذي الجرائم والحوادث.

وبهذا الصدد، يؤكد المواطن (ع. ص. ل)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “تورط ذات يوم حين كشف لرجال الشرطة عن هوية أحد اللصوص من خلال كاميرا منزله حيث تم تهديدي من قبل عشيرة اللص بفصل بلغت قيمته 100 مليون دينار”.

ويتابع “اضطررت إلى الانتقال لمنطقة أخرى وذلك بحسب شروط الفصل العشائري التي تم فرضها علي كعقوبة، والقوات الأمنية لم تتخذ أي إجراء لحمايتي”.

وعلى شاكلة هذا المواطن، هناك العديد من التهديدات السياسية والعشائرية التي يتعرض لها من يطلعون رجال الشرطة على ما التقطته كاميرات المراقبة في منازلهم ومحالهم من صور تفضح الجرائم وتكشف أصحابها، ما يجعل الكثير منهم يحجمون عن التعاون مع الأجهزة الأمنية.

بدوره يشرح المواطن علي شريف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، حالة مرّ بها “امتنعت عن تزويد الشرطة بالصور عن جريمة سرقة سجلتها كاميرا المراقبة المنصوبة في محلي هربا من المشاكل، كما أن عشرات الجرائم تمت في المنطقة الصناعية التي أعمل بها، لكن أحدا عنها على الرغم من تسجيل كاميرات المراقبة لتلك الجرائم”.

وتبلغ الكلفة المتوسطة لكاميرا المراقبة في العراق 130 دولارا، ويتولى المكتب الذي يبيعها عملية تركيبها وتعليم أفراد الأسرة على آلية  تشغيلها.

وكثرت مشاكل الفصل العشائري والصدامات التي تصل إلى حد القتل أحيانا بسبب تصوير المواطنين للجرائم، حتى أصبحت كاميرات المراقبة في البيوت والمحال التجارية مادة دسمة للفصل العشائري.

من جانبه، يرى الشيخ نافع الشامي، أحد الشيوخ في محافظة ذي قار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “نظرا لحساسية موضوع الكاميرات وما يترتب عليه من مشاكل فقد توصلت العشائر إلى حل مناسب، وهو إذا كان طلب رجال الشرطة بفحص الكاميرات وفق أمر قضائي فلا إشكال في ذلك، والمواطن ملزم بتزويدهم بأقراص الكاميرا دون تبعات عشائرية”.

ويختم “لكن لا يجب تزويد الأشخاص بأقراص الكاميرا بطلب شخصي منهم، لأن ذلك يعرضهم للمشاكل العشائرية”.

وسبب تردد المواطنين وخوفهم من السطوة العشائرية، أصبحت كاميرات المراقبة في المنازل اولمحال التجارية شيئا كماليا ليس إلا، ومنهم من يتخذها وسيلة للتجسس على الجيران، وقد حدثت بهذا الخصوص العديد من المشاكل، خاصة في المناطق الشعبية.

من جهته، يوضح المواطن فياض عبد الرضا، من منطقة أبو دشير في بغداد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العديد من كاميرات المراقبة تستخدم اليوم لمراقبة الجيران في أغلب الأحيان، وقد حصلت العديد من الشجارات والخصومات جراء ذلك”.

وينوه إلى “حصول الكثير من السرقات وحوادث الدهس بمنطقتي التي أسكنها منذ سنوات طويلة لكن لم يتبرع أحد بتقديم ما تصوره كاميرته المنزلية للكشف من المنفذين”.

وكان مصدر في وزارة الداخلية قد أشار في وقت سابق، إلى أن كاميرات المراقبة التي يملكها أشخاص في منازلهم ومتاجرهم، كشفت خلال العام 2023 عن أكثر من سبعة آلاف جريمة سرقة واعتداء مسلح وخطف وجرائم جنائية أخرى بمختلف محافظات العراق، منوها إلى أن القانون يسمح للسلطات الأمنية بمطالبة الأهالي بمراجعة ما التقطته كاميرات منازلهم.

إقرأ أيضا