الصابئة بمواجهة «السلاح المنفلت».. ومخاوف الهجرة تتجدد

تواجه الأقليات الدينية في العراق استهدافات خطيرة بين فترة وأخرى، تأخذ الشكل المباشر تارة، وتارة أخرى بشكل غير مباشر، مما يعرض وجودهم التاريخي في مدنهم إلى الخطر، فيدفع بهم الحال إلى اتخاذ قرار مغادرة البلاد في أحيان كثيرة، فإلى جانب خطر التنظيمات الإرهابية التي تهدد الجميع من دون استثناء، تنشط أيضا مجموعات مسلحة خارجة على القانون، تستهدف الأقليات بدوافع مادية للاستيلاء على ممتلكاتهم.

وتعرض معبد “مندي” طائفة الصابئة المندائية في محافظة ميسان جنوبي العراق (400 كلم جنوب بغداد)، إلى هجوم مسلح تسبب بإصابة اثنين من الحماية المكلفين بحراسة المبنى، ما دق ناقوس الخطر لدى الزعامة الدينية لهذه الطائفة، لاسيما وأن أبتاع الديانة الرافدينية العريقة، يتمركزون منذ آلاف السنين في مدن جنوب العراق ويتصفون بالتسامح والمسالمة مع الجميع، وأن وجودهم يشكل عنصرا مهما في التنوع الديني والطائفي في العراق.

ويقول زعيم الديانة المندائية في العراق والعالم الشيخ ستار الحلو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذا الاستهداف هو الثاني في ميسان، وهو فعل مدان ومستهجن من قبلنا ومن قبل الجميع، ولا نعرف الجهة التي قامت به وما هو هدفها ولا الغاية منه، خصوصا وأننا طائفة مسالمة نحب الجميع ونتعايش معه ويدنا ممدودة بالسلام للجميع”.

ويضيف “تلقيت اتصالات من قبل محافظ ميسان وكبار المسؤولين في وزارة الداخلية الذين وجهوا باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأقليات والحفاظ عليهم من أي ضرر فمثل هذه الأحداث هي محاولة لتأجيج الفتن الطائفية بين شرائح المجتمع العراقي”.

ويعبر الشيخ الحلو عن مخاوفه من أن “تكون هذه التهديدات هي محاولات لتدفع أبناء الديانة إلى الهجرة، ولكن مهما يحاول أعداء الوطن لإخافة أو إزاحة أبناء الديانة الصابئية فهذا مستحيل، إن وطننا العراق عزيز علينا، وسندافع عنه ونحميه بأرواحنا”.

وانخفض عدد أتباع الديانة المندائية في العراق إلى ما بين 15 ألفا إلى 20 ألف نسمة بسبب هجرتهم بعد أن كان عددهم يبلغ نحو 75 ألف شخص، بحسب تصريح سابق للشيخ ستار الحلو، ونزح كثير منهم إلى مناطق مثل كركوك، ودهوك، وأربيل، والسليمانية، فيما لجأ القسم الآخر إلى خارج العراق.

وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، وأثناء مؤتمر صحفي عقده في محافظة ذي قار، طرح مراسل الـ”العالم الجديد”، سؤالا عن الإجراءات المتخذة حول الحادث، وما هي الدوافع وهل تم التوصل إلى الجناة، ورد الوزير “هذا الموضوع تم فتح تحقيق به وعلى تواصل مع قائد شرطة ميسان لمعرفة ملابسات الحادث”.

بدورها، أصدرت قيادة شرطة ميسان بيانا توضيحيا، بينت فيه أن فريقا أمنيا مختصا تم تسخيره مع الجهد الفني والاستخباري لمعرفة ملابسات الحادث وتحديد المقصرين وتطبيق الإجراءات اللازمة بحقهم وأن المصابين الاثنين تم نقلهم إلى المستشفى ليتلقوا العلاج.

من جانبه، يرى الباحث في شؤون الصابئة حسين العامل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “محاولات الاستهداف للأقليات الدينية دائما ما تكون هي رسائل مبطنة، الغرض منها مطامع مادية، وأما محاولة للاستحواذ على ممتلكاتهم كما حصل لأبناء الديانة المسيحية، أو ابتزازهم لأطماع مالية، أو بسبب خلافات”.

ويشير العامل، إلى أن “جميع هذه المشاكل تبين مدى صعف القانون وانفلات السلاح وهو العنصر المتزعم في الساحة ويشكل خطرا على الجميع وليس الأقليات فقط”.

وتعد الديانة المندائية من الديانات التوحيدية القديمة، ونبيهم يحيى بن زكريا، ولغتهم هي الآرامية التي تعود للقرن العاشر قبل الميلاد، وهي ذات اللغة المستخدمة في كتابهم المقدس “الكنزا ربا”.

ويعتبر جنوب العراق أول موطن لأبناء الطائفة منذ آلاف السنين، ويتواجد ثقلهم العددي الأكبر في محافظات ميسان وذي قار والبصرة، حيث تنتشر الأهوار وتكثر الأنهر في المحافظات الثلاث، كما ينتشرون في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية الأخرى والوسطى والشمالية وإقليم كردستان.

إلى ذلك، يوضح الباحث في الشأن السياسي صلاح الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحادث الأمني الذي حصل في ميسان واستهداف الأقلية الدينية يشير وبشكل جلي إلى مستوى عدم الاستقرار الأمني في هذه المدينة”.

وينبه الموسوي، إلى أن “الأقليات لا تشكل تأثيرا على العملية السياسية أو أي حسابات أخرى خصوصا وأنهم مسالمون، ولكن قد يكون حادث الاستهداف خاضع لحسابات اقتصادية”.

وواجه أبناء الديانة في العراق بعد 2003، الكثير من التحديات التي هددت بقاءهم كأحد أبرز الأقليات الدينية في بلاد الرافدين، بينها القتل والسلب، لكونهم يعملون في صياغة الذهب، ما عرضهم إلى السرقة والاختطاف بشكل مباشر ومستمر، وهذا الأمر أدى إلى هجرة شبه جماعية باتجاه الغرب.

إقرأ أيضا