العراق في عز «الإجهاد» المائي.. هل ينفع المطر؟

يعاني العراق إجهادا مائيا انخفضت معه حصة الفرد سنويا إلى ما دون النصف من الأمتار المربعة، بحسب خبراء ومراقبين أكدوا استخدام تركيا التي ينبع منها نهرا العراق، سياسة الماء مقابل النفط، وفيما أكدوا أن سوء الإدارة يغلف هذا الملف المهم، أشاروا إلى أن الحلول مع الجارة الشمالية تزداد تعقيدا مع وجود أشد مناوئ لها على الأراضي العراقية وهو حزب العمال الكردي.

ويقول الخبير البيئي والمائي جاسم الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق عانى منذ 2021 من جفاف قاس، إضافة إلى سوء إدارة وتوزيع للموارد المائية منذ نحو أكثر من عقدين، ساهم ذلك في وصول البلاد إلى حالة الإجهاد المائي، إذ انخفض نصيب الفرد الواحد من المياه من 1800 متر مكعب سنويا إلى أقل من 700 متر سنويا، ناهيك عن معاناة الأراضي الرطبة كالبحيرات والأهوار على الرغم من دخولها لائحة التراث العالمي عام 2016”.

ويضيف الأسدي، أن “العراق ماض بالتأثر الأكبر بضغط التغيّر المناخي، لذا علينا أن ننظر إلى كمية الخطر المحدق لتقلص كميات المياه وارتفاع درجات التي تذهب بمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وقد يتغول التصحر ويضرب المنطقة بأكملها وليس العراق فحسب”.

ووجه الخبير نداءً إلى وزارة الموارد المائية لـ”إعداد خطة عاجلة قصيرة المدى، وأخرى متوسطة وطويلة المدى للمحافظة على المياه الجوفية وتنمية الموارد السطحية بإجراءات متعددة كالعناية بحصاد المياه على جميع المستويات سواء في السدود أو اجتذاب الغيوم أو الاهتمام بالمياه القادمة من الوديان”.

ويشدد على ضرورة “التعاون مع وزارة الزراعة في تغيير نمط الري والتحول إلى الري بالرش والتنقيط واعتماد البصمة الزراعية في المزروعات وعدم الذهاب إلى المزروعات التي تستهلك مياها كثيرة بدون جدوى اقتصادية كبيرة”.

كما يؤكد الأسدي على وجوب “أن تقوم الحكومة بمباحثات جادة مع الجارتين تركيا وإيران في مجال تقاسم وإدارة المياه وتعتمد على رؤى متقدمة، والخلاص من الحلقات الزائدة في الري، وتوعية المجتمعات المحلية أفرادا وجماعات بأهمية المحافظة على المياه العذبة لأنها أساس الحياة”.

ومنذ منتصف آذار الحالي، تأثر العراق، باندماج منخفضين الأول كان قادماً من البحر الأحمر والثاني من البحر المتوسط، تسببا بسقوط أمطار شديدة وغزيرة، وحدوث سيول تأثرت بها جميع مناطق البلاد وخاصة المناطق الشمالية والأقسام الشرقية من المنطقة الوسطى والعاصمة بغداد، إضافة إلى السيول التي كانت قادمة من الشريط الحدود للبلاد، بحسب المتحدث باسم هيئة الأنواء الجوية العراقية، عامر الجابري.

وفي هذا الشأن، يذكر رئيس جمعية المناخ الأخضر مختار خميس، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأمطار الأخيرة أضافت نحو 10 بالمئة من مخزون المياه وعوضت النقص الحاصل في البحيرات كالثرثار والرزازة بعدما بدأت الحكومة تغذي الأنهار منها في وقت الجفاف الذي حصل خلال المواسم الأخيرة”.

لكن خميس يشير إلى أن “هذه المياه الهائلة والسيول لا يملك العراق آلية لحصادها بالتالي تذهب سدىً، صحيح أن الأهوار بدأت تنتعش مرة أخرى لكن في الصيف القادم ستتبخر مساحات كبيرة من هذه المسطحات المائية، إذ أن هذا الانتعاش يبقى مؤقتاً”، مشددا على ضرورة “وضع خطة لحصاد السيول التي تأتي من الشمال وإيران ومياه الأمطار”.

وكان وزير الموارد المائية، عون ذياب، أكد الأسبوع الماضي، أن هناك عجزا مائيا يصل إلى اكثر من 10 مليارات متر مكعب “اذا لم نتخذ مجموعة من الإجراءات المطلوبة داخل العراق”، وشدد على ضرورة “العمل على تقليل وتقليص فجوة العجز وكيفية إدارة الموارد المائية من خلال زيادة المياه المتوفرة لدينا والعمل على الاستخدام الأمثل لتقليل الاستهلاك.

ويعاني العراق منذ القرن الماضي من تزايد مستوى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن تراجع المسطحات المائية، حتى بات من أكثر خمس دول تأثراً بتغير المناخ في العالم، ما أدى إلى جفاف 70 بالمئة من أراضيه الزراعية، كما أن فشل الحكومات السابقة في التعاطي مع إيران وتركيا اللتين تشيّدان سدودا على نهري دجلة والفرات ساهم أيضا بحرمان العراق من حصته المائية العادلة.

من جهته، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “العراق، يحتل القلب، من منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من ندرة المياه للزراعة والشرب وتلطيف الأجواء لمواجهة الجفاف والتصحر، وفي الحقب السابقة ابتداء من العهد الملكي حتى قبل 2003 أنشأ العراق العديد من السدود المهمة التي وفرت احتياجاته من المياه للزراعة والشرب لكن تدريجيا وبسبب إنشاء تركيا لسدود عملاقة كأتاتورك وأليسو انخفضت الحصص المائية للعراق وسوريا على الرغم من وجود اتفاقيات”.

ويضيف فيصل، أن “تركيا عملت بمبدأ يعبر عن مصالحها الاقتصادية والأمنية وهو النفط مقابل المياه بسبب حاجتها لتشغيل القاعدة الصناعية الضخمة التي تملكها، وإيران هي الأخرى قطعت أكثر من 12 نهرا فرعيا تصب في دجلة في الأراضي العراقية التي كان يستفيد منها الفلاحون العراقيون في الزراعة، وتم تحويلها إلى إيران من أجل تغذية مشاريع زراعية تصب في معظمها في تسويق المنتجات إلى العراق الذي يستورد نحو 90 بالمئة من غذائه من تركيا وإيران”.

وعن الحلول، يشير مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن “الأمر مع تركيا يأخذ بعدا أكثر تعقيدا بسبب وجود حزب العمال الكردي في العراق الذي يشتبك عسكريا مع القوات العسكرية التركية منذ 1982 إلى اليوم، ومن أجله أنشأت تركيا قواعد في الأراضي العراقية وشمال سوريا”.

ويتابع أن “تركيا سبق أن طرحت على العراق مشاريع سدود لضمان إدارة أمثل للمياه مع إنشاء أراض زراعية واسعة بالقرب منها لتغذية العراق بالخضر والفواكه لكن العراق رفض”.

ويشير إلى أن “هذا الموسم كانت هناك سيول غطت حاجة العراق في الزراعة، لكن البلد يحتاج إلى سياسة وإدارة عقلانية للمياه وعدم الاستخدام المفرط بالزراعة أو خسارتها بالوصول إلى شط العرب ثم إلى الخليج العربي ويحتاج إلى الموازنة في كميات المياه التي تسد الاحتياجات البشرية والسكانية”.

وكانت وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا لـ”العالم الجديد”، أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت وزارة الموارد المائية للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى اقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.

الجدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

قانونيا، يرى الخبير علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قانون البحار 1982 وقرار مجلس الأمن 833 ألزما الدول المتشاطئة وخاصة دول المنبع بأن لا تقيم المشاريع والسدود التي تضر بدول المصب وهذا ينطبق على تركيا وإيران وسوريا تجاه العراق”.

ويتابع أن “اتفاقية قانون البحار صادق عليها العراق 1985، وتوجد محكمة مختصة بذلك مقرها هامبورغ، إذ وقعت عليها 196 دولة بضمنها العراق وتركيا، وأعطت المادة 279 من هذه الاتفاقية الحق للدول المتضررة حق اللجوء لهذه المحكمة في حالة استعصاء الحلول الثنائية”.

وهناك طريق آخر، بحسب التميمي، إذ يوضح أن “العراق يمكن أن يطلب مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وفق المادة 27 من الاتفاقية الاستراتيجية لعام 2008 للضرر بالاقتصاد كونها جرائم ضد الإنسانية”.

وبشأن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، يبين أن “العراق سبق أن أقام هذه الدعوى على تركيا أمامها لكنه خسرها لجهة أن العراق لا يستفيد من فائض المياه التي تذهب سدى إلى شط العرب وكان ذلك عام 1987، لكن الآن الحال تغير وتركيا بنت السدود ومنعت المياه بشكل كامل، وهذا يخالف القوانين الدولية والاتفاقيات”.

إقرأ أيضا