العطلة ليست في المتنزهات.. آثار ذي قار تغير مزاج السكان المحليين   

بدأ مزاج المواطن العراقي يتخذ ميولا مختلفة بعد مرور أربع سنوات على زيارة بابا الفاتيكان إلى مدينة أور الأثرية في ذي قار وإقامة الصلاة الإبراهيمية عند بيت النبي إبراهيم، إذ أصبحت المحافظة وجهة سياحية نشطة بعد أن كانت أهوارها تتصدر الجذب السياحي للمواطنين من مختلف المحافظات العراقية، أصبحت آثارها الآن محط أنظار العراقيين ووجهتهم الأولى، وخاصة في عيد الفطر الذي مر قبل أيام، إلا أن مختصين يؤكدون على ضرورة تأهيل البنى التحتية ورصد الأموال لتنفيذ مشاريع تنهض بالواقع السياحي في ذي قار.

ويقول المواطن سعد محمد (37 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “قمت مع عائلتي المكونة من أربعة أفراد بتغيير أولويات النزهة في عيد الفطر هذه المرة، ولم نجعل من أهوار الجبايش أو البساتين وجهتنا والتي كانت هي الانطلاقة الأساسية، حيث توجهنا إلى متحف الناصرية الحضاري الذي يضم مئات القطع الأثرية من حقب تاريخية تعود إلى آلاف السنين”.

ويضيف محمد، “ما إن وصلنا المتحف حتى فوجئت بالأعداد الكبيرة من المواطنين الذين توافدوا على المتحف، توجهت نحو قاعات المتحف السبع في الطابق الأرضي والتي تحمل أسماء الحضارات التي مرت على بلاد الرافدين، ووجدت بعض الأدلاء الآثاريين داخل المتحف وهم يشرحون للزائرين عن أحجار أثرية داخل صناديق زجاجية بالرغم من وجود بطاقات تعريفية بها، لكن الأحجار كانت مثيرة للتساؤلات حقيقة”.

ويعود تاريخ إنشاء متحف الناصرية الحضاري إلى العام 1968، وقامت شركة برتغالية بتشييده، إلا أنه تم غلقه في تسعينيات القرن الماضي ونقل جميع القطع الأثرية إلى المتحف العراقي في العاصمة بغداد، وبقي مغلقاً حتى استيزار عادل فهد الشرشاب لوزارة السياحة والآثار عام 2015 ليقوم بافتتاحه وإعادة الآثار إليه وإجراء عمليات تأهيل وصيانة للمتحف.

وخلال الأعوام الأخيرة، شهد العراق توافد آلاف السائحين الأجانب، وقد نشطت هذه الحركة في العاصمة بغداد ومدينة أور في ذي قار والأهوار، التي باتت مقصد السائحين وصناع المحتوى من مختلف الجنسيات، وذلك بعد زيارة بابا الفاتيكان لزقورة أور، خلال زيارته التاريخية للعراق عام 2021.

وما تزال المواقع الأثرية في العراق تشكل مركزاً رئيساً لاستقطاب السائحين المحليين والأجانب، إلا أنها تفتقر في الوقت ذاته إلى المقومات الخدمية من المرافق السياحية المحفزة والجاذبة، وواحدة من هذه الأماكن هي مدينة بابل الأثرية التي تشكل رمزية العراق الحضارية والتاريخية أمام العالم.

بدورها توضح مديرة متحف الناصرية وداد الأعرجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “توجيهاً وصلنا من الهيئة العامة للسياحة والآثار بفتح المتحف خلال أيام عيد الفطر على غير العادة لتكون أبوابه مفتوحة من الساعة التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء”.

وبينت أن “عدد الزوار تجاوز الخمسة آلاف زائر محلي وأجنبي، وهذا الإقبال يبين توجه المواطن نحو الاطلاع على طبيعة الآثار وتغير مستوى التفكير لديه والتعرف على تاريخ الحضارة الرافدينية”.

ولم يكن الأمر مقتصراً على المتحف الحضاري بل شهدت مدينة أور الأثرية التي تبعد عن المتحف قرابة 20 كيلومترا شرقا، توافد القوافل من بقية المحافظات والسياح الأجانب، إلى جانب أهالي المحافظة.

وبهذا الصدد، يؤكد مدير مفتشية الآثار في ذي قار، شامل الرميض، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أعداد الزوار هذه المرة فاقت التوقعات ففي أيام العيد فقط دخل مدينة أور عشرة آلأاف زائر محلي، وقرابة 400 سائح أجنبي، للاطلاع على زقورة أور، وبيت النبي إبراهيم الخليل، ومعبد دب لاخ، وقصر شولكي، والمقبرة الملكية، وبعض المواقع الأخرى”.

ويلفت إلى أن “الدخول لم يكن بالمجان بل هناك تذاكر دخول إلى المدينة التي أصبحت مقصدا للمواطنين إلى جانب الأهوار والمتنزهات والحدائق والأماكن العامة الأخرى، وهذا تطور إيجابي لدى المواطن ويمكن أن يزرع الثقافة الآثارية لدى السياح”.

ويشير إلى أن “80 مدير لشركات سياحة أجنبية وصلوا أيضا للاطلاع على الواقع الأمني وطبيعة الأماكن التي يمكن تفويج السياح إليها، وهناك توجيه لديهم من قبل الفاتيكان أن الحج المسيحي لا يكتمل إلا بإقامة القداس عند بين النبي إبراهيم الخليل”.

ويكشف الرميض عن “خطة لحكومة ذي قار بإنشاء قاعة استقبال عند مدخل مدينة أور الأثرية بمساحة ثلاثة آلاف متر مربع يمكن خلاله استقبال الوافدين وإكمال إجراءاتهم لحين دخولهم المدينة”.

وتضم محافظة ذي قار 1200 موقع أثري لم يتم التنقيب سوى في 70 موقعا منها، فيما تعمل 10 فرق تنقيبية بعشرة مواقع في كل عام، ومن أبرز تلك المواقع هي، أريدو، ولكش، وكرسو، وتل العبيد، وأم العقارب.

من جانبه، يشرح مدير مركز الجنوب للدراسات والتخطيط، صلاح الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المواقع الأثرية في العراق عموما وبمحافظة ذي قار على وجه الخصوص تحتاج إلى توفير بنى تحتية لتكون مهيئ بشكل تام أمام السائحين”.

ويتابع “لابد من توفير أماكن استراحة وسوقا صغيرا تراثيا يحاكي الحقبة التي مرت على هذه الأماكن، فضلا عن وسائط نقل، وبالإضافة إلى ذلك نحن بحاجة إلى عملية تسويق جيدة للآثار لتكون قبلة سياحية فإلى الآن لم تكن بالمستوى المطلوب”.

وكان وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد البدراني، قد أعلن في وقت سابق أن الوزارة تعمل على خطة لاستقدام البعثات التنقيبية لإظهار الآثار والحفاظ عليها وتوظيفها سياحيا ويتم صيانتها بأيادي عالمية متخصصة بالآثار.

إقرأ أيضا