«المحيبس النسوي» يدخل المنافسات الرمضانية في بغداد 

“المحيبس”، لعبة شعبية عمرها قرون من الزمن، كانت بدايتها بالصدفة وعن طريق مزحة في البلاط العباسي لتتحول لاحقا إلى لعبة واسعة الانتشار في المدن العراقية لها قواعدها وأصولها، وارتبطت ارتباطا وثيقا بشهر رمضان، كما أنها كانت حكرا على الرجال ولم تدخل النساء في ساحة المنافسة، خاصة وأنها عادة ما تجري في المقاهي والأماكن العامة.

لكن في شهر رمضان الجاري، وفي العاصمة بغداد تحديدا، قامت مجموعة من النساء بكسر هذا “التابو” ونظمن أول منافسة في تاريخ اللعبة، وجرت في مكان له خصوصيته التراثية المرتبطة باللعبة أيضا.

وتقول منظمة لعبة “المحيبس” النسوية، سعاد حسن الجوهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “لكون لعبة المحيبس حكرا على الرجال، قررنا نحن مجموعة من النساء أن ندخل في هذا المضمار، وقمت بإعداد فريق نسوي ونجحت بذلك لكننا واجهنا صعوبات في المكان الذي سنقيم فيه المنافسة، حيث لا يمكن إحياء هذه اللعبة في الأماكن العامة أو المقاهي لأنها تجعلنا عرضة للانتقادات من قبل المجتمع”.

وتضيف “أولينا اهتماما بالحفاظ على الطابع التراثي لهذه اللعبة، لذلك قررنا ارتداء ملابس تتناسب مع ذلك من الأزياء النسائية الشعبية، وأخيرا وقع اختيارنا على المتحف البغدادي وتحديدا في قاعة القصخون لتنظيم اللعبة”.

وتشير “واجهنا مشكلة أخرى حيث أن المتحف يقوم بتأجير قاعاته مقابل مبلغ مالي، لذلك توجهنا إلى هيئة السياحة والآثار التي كنا نظن أن المتحف تابع لها، لكن تبين أنه تابع لأمانة بغداد والتي أبدت تعاونا معنا وفتحت لنا القاعة، ونحن نخطط لإحياء هذه اللعبة في السنوات المقبلة كما نطمح لجعلها مناطقية”.

وتبين الجوهري، أن “أعمار المشاركات في اللعبة تتراوح بين 13 عاما و62 عاما، والغرض من اختيار الفتيات بأعمار صغيرة هو لتعريفهن بالألعاب التراثية لأن الكثير منهن لا يعرفن شيئا عن تاريخهن وتراثهن”.

وتتابع “كانت هناك جوائز رمزية بسيطة لتشجيع الفتيات الصغيرات وترغيبهن بهذه اللعبة، وبما أن هذه السنة هي الأولى لإحياء هذه اللعبة فقد كانت هناك الكثير من النواقص التي لم نتمكن من توفيرها، ومنها عدم مرافقة فرقة الجالغي البغدادي للمنافسة وهو أمر يعد من لوازم اللعبة، وتبين لنا أننا بحاجة إلى ما لا يقل عن 400 ألف دينار لاستئجار الفرقة وهو مبلغ لا يمكن جمعه من المشاركات بالمنافسة”.

و”المحيبس” هو تصغير لكلمة “المحبس” أي الخاتم، وتتكون اللعبة من فريقين، كل فريق يتكون من عشرات الأفراد، وهناك ضوابط محددة للعبة، إذ لا يجوز استخدام أية إشارات قد توحي بالغش، كما أن المنافسة تكون من خلال إخفاء أحد الفريقين الخاتم “المحبس” في أيدي أفراده فيما يقوم شخص من الفريق المنافس يسمى “النازول” – أي الذي ينزل إلى الساحة بحثا عن الخاتم في أيدي الفريق الآخر -، أو “الطالوب” الذي يطلب الخاتم من أيدي الفريق المنافس، وتنتهي اللعبة بتحقيق أحد الفريقين أعلى النقاط.

بدورها تشريح علياء عبد الحميد (20 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنها “من محافظة بغداد وقد شاركت في لعبة المحيبس النسائية وحقيقة أعجبتني المنافسة والأجواء لكوني أمارسها لأول مرة، ولم يسبق أن رأيت فريقا نسويا يمارس هذه اللعبة التي كانت حكرا على الرجال”.

وتردف “كما أنني سعيدة لمشاركتي بإحياء لعبة تراثية لها شهرة واسعة، فبعد التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، لم نعد نعرف شيئا عن تراثنا وتاريخنا، وخصوصا نحن الذين من مواليد الألفية الثالثة”.

وخلال عقود من الزمن، كان للعبة “المحيبس” رجالها الذين اشتهروا بقدراتهم المتميزة في تحقيق الفوز على خصومهم، لما يتمتعون به من فراسة، ونظرة حادة، والقدرة على التقاط الخاتم من بين مئات الأيدي على الرغم من محاولات أفراد الفريق المنافس التمويه والتشويش والتلاعب بتركيز الخصم.

من جانبها، توضح رئيسة تجمع تمكين المرأة، سلامة المعموري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشاركتنا في هذه اللعبة مع فريق (نخلة وطن) كانت متميزة، فهذه اللعبة مخصصة للرجال فقط، اما نحن اليوم كنساء فنتحدى كل شيء، والوقت علمنا أن نكون بهذا الشكل وهذه القوة، ولدينا شغف كبير في إحياء هذه الألعاب التراثية الأصيلة، وهذا الشيء من حقنا كنساء”.

وتتابع “توجد نساء ترغب بخوض هذا التحدي والمشاركة في هذه الألعاب التراثية، ومن المفترض أن يكون للإعلام دور في تسليط الضوء على مثل هكذا مواضيع مهمة  لها صلة بحضارة البلد، ونحن نطالب بإيصال صوتنا وأن يكون هناك دور للحكومة المحلية بتكرار هذه التجربة في العام المقبل من خلال تخصيص مكان أفضل لنا، وأن يتم تنظيم منافسات بين المناطق والمحافظات”.

وتعد لعبة “المحيبس” عادة رمضانية قديمة لدى العراقيين، وأصبحت علامة فارقة من معالم شهر رمضان، إذ تجمع بين المتعة والإثارة، كما أنها تجمع شرائح المجتمع المختلفة، وتقوي أواصر النسيج الاجتماعي بين المحافظات على اختلاف مذاهبهم وأديانهم.

إلى ذلك، توضح مُحدّثِةّ الجوهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، عن مشاركتها في اللعبة “أنا من مواليد 2009، درست في مدرسة الموسيقى، وعضو في فريق (نخلة وطن)، تمت دعوتي للعبة المحيبس في المتحف البغدادي، وكانت الأجواء جميلة جدا خصوصا لأنها كانت في مكان تراثي، وأتمنى أن يعاد تنظيم هذه اللعبة في العام المقبل”.

وتختم حديثها “اللعبة تعتمد على الأدوار في إيجاد المحبس، وأنا أحب دوري جدا في هذه اللعبة، حيث أقوم بالعثور عليه في أيدي الفريق المنافس، ما يخلق شعورا جميلا، كما أن التوتر في اللعبة هو الآخر له ميزته”.

وكان المؤرخ محمد رحيم، قد أوضح لـ”العالم الجديد”، أن جذور لعبة المحيبس تعود إلى العصر العباسي، حيث كان الخلفاء يعقدون مجالس للسمر مع الندمان والقادة والشعراء بعد العشاء، وتقول إحدى الروايات إن أحد الخلفاء فقد خاتم الخلافة، وكان قد أخذه أحد الجالسين للمزاح، فقام الآخرون من أجل إعانته على إخفائه بغلق أيديهم ليجري استخراج الخاتم، وكانت تلك الأمسية رمضانية.

وأشار إلى أن اللعبة تطورت بعد هذه الحادثة لاسيما في رمضان، حتى صار الناس يعتمدونها ليس في رمضان فقط، لكن تبقى أجواؤها رمضانية بامتياز.

إقرأ أيضا