«المسحرجي» و«المحيبس».. هل يحافظ الجيل الجديد على التقاليد الرمضانية؟  

بدأ شهر رمضان، وهو شهر الصوم لدى المسلمين، لكن هذا الشهر يتسم بتقاليد وعادات خاصة لدى العراقيين، ويجري إحياؤها كل عام، لكن بعضها شهد تراجعا كبيرا وأخرى تنامت، لاسيما وأن هذه العادات موروثة، ويتم تناقلها بين الأجيال.   

“سحور.. سحور.. أقعد يا صايم..”، بهذه العبارات يتجول “المسحرجي”، أو “أبو طبيلة” كما يطلق عليه شعبيا، قبيل موعد الإمساك، وهو في العادة شاب يحمل طبلا كبيرا لغرض إيقاظ المواطنين حتى يتناولوا طعام السحور، لكن هذا التقليد لم يسلم من تأثير التنكولوجيا.

أبو علي (51 عاما)، الذي يسكن منطقة البياع غرب العاصمة بغداد، يتحدث لـ”العالم الجديد”، عن دخول التكنولوجيا وتأثيرها على العادات والتقاليد في رمضان.

ويوضح أبو علي، أن “الطقوس المتعلقة بالمسحرجي تغيرت كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كانت هذه المهمة تسند إلى أحد رجال المنطقة المعروفين، الذين يستخدمون الطبل وعبارات متداولة ومأثورة تدل على أوقات السحور خلال شهر رمضان المبارك”.

ويضيف: “الطقوس التي كان يتبعها المسحرجي سابقا كانت تتمثل أحيانا بطرق أبواب منازل الحي في حال لم ير الضوء فيها، وفي مرات عدة كان السكان يدعونه لمقاسمتهم وجبة السحور، أما الآن فأصبح الموضوع فيه شيء من الإزعاج لما يفعله الصبية ممن يتولون هذه المهمة، وهم يستخدمون الدف أو الطبل ذا الصوت العالي الذي يروع الأطفال ويزعج كبار السن”.

ويكمل أبو علي، أن “المواطنين الآن ليسوا بحاجة إلى المسحرجي، خصوصا مع تطور التكنولوجيا فضبط منبه الهاتف النقال يغني عن أي وسيلة أخرى لمعرفة وقت السحور”.

وكان “المسحرجي” في العراق يستخدم عدة طرق لإيقاظ الناس، منها الطبل أو الدق على الأبواب أو المناداة أو دق الأجراس، أو صافرة تعرف بـ”الجرخجي” في بغداد خلال العقود الماضية.

تبادل الفطور

ويتصدر شهر رمضان في العراق عادات وتقاليد متوارثة على الرغم من تخافتها في السنوات الماضية، إلا أن فئة من المواطنين لا يزالون يتبادلون في شهر رمضان الوجبات والوصفات الرمضانية بين بعضهم البعض، حيث يرسلون كمية من طعام إفطارهم للبيوت المجاورة في تقليد ينم عن تعزيز روح المشاركة وترسيخ العلاقات الاجتماعية بين الناس.

وتقول المعلمة المتقاعدة إقبال محمد (65 عاما) خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “شهر رمضان تكثر فيه العادات والتقاليد التي توارثناها أبا عن جد، وهي عادات ما تزال راسخة إلى يومنا هذا، برغم وجود الكثير من المتغيرات الاجتماعية التي طرأت لاسيما في السنوات الأخيرة”.

وتضيف، أن “أهم التقاليد الرمضانية هي أن تتبادل العائلات العراقية فيما بينها وجبات الإفطار يوميا من خلال ما تطلق عليه ربات البيوت (صينية رمضان) التي قد تصل إلى الجار قبل الكل، إذ تحرص كل عائلة على تقديم أنواع عدة من طعام الفطور في صينية يتم إرسالها إلى الجيران وكذلك يفعل هذا الجار وذاك وهو أمر تتكفل به ربات البيوت”.

وتوضح محمد، “في السنوات الأخيرة، لم يعمل بهذا العادة الكثير، لكني ما أزال في كل رمضان أخرج صينية صغيرة من مائدة إفطارنا إلى جيراني أو إحدى العوائل المتعففة في المنطقة”.

وتعد عادة تبادل الفطور، من أشهر عادات شهر رمضان، حيث يتم تبادل أطباق الفطور بين الجيران في داخل الزقاق أو بين الأقارب، وغالبا ما تبقى الصحون تدور من منزل الى منزل ولا تعود لصاحبها حتى انقضاء الشهر الفضيل.

بدوره، يؤكد الباحث الاجتماعي عباس الجبوري، أن ” العلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تحدث في شهر رمضان مستمرة منذ العديد من السنين لما تعمل عليه من زيادة صلة الرحم بين العوائل”.

ويتابع خلال حديثه، لـ”العالم الجديد”، أنه “تجري العادة في شهر رمضان أن تتبادل العوائل والجيران فيما بينهم الطعام والزيارات”، واصفا هذه العادات بـ”المنمية” للمحبة والإخلاص والتعاون بين الناس.

ويكمل: “الظروف التي مر بها العراق قاسية جدا، فالأزمات التي مر بها المجتمع بالإضافة إلى دخول وسائل التواصل الاجتماعي للبيوت العراقية عملت جميعها على تقليل التواصل بين العوائل، وربما كادت أن تقطع هذه العادات والتقاليد بين فئة كبيرة بالمجتمع”.

المحيبس

ومن عادات شهر رمضان، هي لعبة “المحيبس” التراثية، التي تستهوي العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية، رغم أن تاريخ اللعبة غير معروف، لكن الخبراء يجمعون على أنها تعتمد على الفراسة بالدرجة الأولى.

وفي لعبة “المحيبس”، يكون هناك فريقان بعدد مُتساوٍ من اللاعبين، وقد يصل العدد إلى 100 شخص لكل فريق، ويتم إخفاء خاتم، ويبدأ فريق في رحلة طويلة للكشف عن الخاتم وانتزاعه من الفريق الآخر.

أحمد صلاح (29 عاما)، يسكن منطقة البلديات شرقي العاصمة بغداد، يؤكد خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “لاعبي المحيبس في مناطق العاصمة ينتظرون شهر رمضان من أجل عودة التنافس في اللعبة بين المناطق”.

ويضيف صلاح، أن “اللعبة بدأت بين عدد من الأصدقاء في أرصفة الأزقة أو المقاهي الشعبية حتى تحولت في الآونة الأخيرة إلى تنافس فريقين بين مناطق مختلفة ويتخللها في بعض المرات هدايا وكأس رمزي للفريق الفائز”.

ويشير إلى أن “هذه الأجواء الشباب ينتظرها في كل عام، حيث هذه اللعبة روحها واجوائها تختلف في هذا الشهر لما يحدث من حماس وتنافس بين الفريقين”.

وخلال السنوات القليلة الماضية، عادت اللعبة وبقوة عبر تشكيل رابطة مختصة، وبرعاية قنوات فضائية، مع تأسيس فرق شعبية لها، وهو ما أعطاها حضورا قويا. 

ماجينا

“ماجينا يا ماجينا، حلي (افتحي) الكيس واعطينا..”.. عبارة يرددها الأطفال في منتصف شهر رمضان، حيث تقوم بتوزيع الحلويات على الأطفال بالإضافة إلى النقود.

ويوضح أبو محمد (53 عاما) أحد أهالي البصرة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بعد الانتهاء من الإفطار، ينزل عدد كبير من الأطفال بأزياء ملونة، خاصة في المناطق الشعبية والتراثية، وهم يغنون (ماجينا يا ماجينا، حلي الكيس واعطينا، ويا أهل السطوح تنطونا لو نروح)، ويتنافس الأطفال فيما بينهم لجمع أكثر قدر من الحلويات والهدايا من قبل الجيران والأقارب”.

ويؤكد “لكن هذا التقليد بدأ يخبو في الكثير من مناطق البلاد، عدا مناطق البصرة القديمة، حيث يطلق على هذا التقليد اسم القرقيعان، ويشترك فيه الكبار أيضا”.

ويتابع “لكن في الآونة الأخيرة، يعمل المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي والفنانين على احياء جميع العادات والتقاليد المتعارف عليها في شهر رمضان من خلال إقامة مأدبة الإفطار فيما بينهم وتنظيم حفلات لعمل القرقيعان أو الاستماع إلى الموسيقى واللعب بعد الانتهاء من الإفطار”.

إقرأ أيضا