«النكعة».. قصة أكبر مزاد للأسماك في العراق

إذا كانت البصرة هي المصدر الأول للأسماك البحرية في عموم العراق بعد البحيرات والأحواض الاصطناعية، فإن مزاد النكعة هو أشهر أسواق الأسماك في البصرة والبلاد عموما، لثرائه بكميات كبيرة وأنواع مختلفة من الثروة السمكية.

و”النكعة”، هي إحدى المناطق الساحلية الصغيرة، في قضاء الفاو المطل على شط العرب أقصى جنوب العراق، وتعني تسميتها “المرسى أو الجرف المبلول” حيث ترسو فيها المئات من زوارق الصيد.

ويقول رئيس جمعية الصيادين في قضاء الفاو، بدران التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مزاد النكعة يضم كميات كبيرة وأنواعاً نادرة من الأسماك تصل إلى المئات من المسميات وأشهرها أسماك السمتي والزبيدي والروبيان والداكوك والبرطام والسبور والبني والهامور”.

وعن وقت نشاط هذا المزاد، يضيف التميمي، أن “الصيادين يأتون إلى سوق النكعة منذ ساعات الصباح الأولى بعد أن يجمعوا صيدهم من الشباك التي رموها في منتصف الليل ليعرضوه للبيع في المزاد، وهناك يأتي من يريد الشراء ويجد ما يريد”.

ويشير إلى أن “مزاد النكعة في سنوات ازدهاره وزخم العمل فيه كان يعمل بوقتين صباحي ومسائي، لتغطية حاجة السوق، لكن في السنوات الأخيرة اصبح وقت العمل البيع فيه ساعات قليلة صباحا ثم ينتهي كل شيء حتى الصباح التالي”.

ويصل عدد سكان قضاء الفاو، بحسب التميمي، إلى “50 ألف نسمة ويعتمد نحو 90 بالمئة من السكان على مهنة الصيد المتوارثة من الآباء والأجداد عبر سنوات طويلة مضت”، مبينا أن “المهنة توفر موردا ماليا جيدا إذا كانت الأوضاع الأمنية مستقرة وهناك حماية للصيادين من الاعتداءات التي تحصل بكثرة خلال السنوات الأخيرة من دوريات خفر سواحل دولتي إيران والكويت”.

ويتابع أن “نحو 20 ألف صياد كانوا مسجلين في جمعية الصيادين، لكن في الوقت الحاضر لا يتجاوزون عددهم 5 آلاف صياد بسبب عدم وجود الدعم الحكومي اللازم لتقوية هذا القطاع الحيوي والتجاري الذي يقوده السكان هنا”، مؤكدا أن “الصيادين يفتقرون لتأمين وحماية أعمالهم، إضافة لعدم وجود الوقود المدعوم لزوارقهم، فضلا عن أن معظم الزوارق قديمة جدا والكلف عالية للزوارق الجديدة، ما يدعو لوجود وقفة جادة معهم عبر منحهم القروض أو السلف الحكومية لتمشية وتطوير أوضاعهم”.

ويؤكد رئيس الجمعية، أن “الأوضاع التي يمر بها الصيادون في الفاو ساهمت في انخفاض أعداد الزوارق سواء الكبيرة أو الصغيرة منها، إذ كانت في السابق تصل إلى أكثر من 1600 زورق مقارنة بما موجود الآن إذ لا تصل إلى 350 زورقا فقط”، معتبرا ذلك “نتيجة طبيعية لضعف الدعم الحكومي بالاحتياجات والحماية من الاعتداءات”.

وعن اختلاف أنواع الأسماك، يبين التميمي أنها “تتنوع بين موسم الصيد الصيفي والشتوي إذ لكل منهما أنواعه التي تكثر فيه”، مستدركا قوله “لكن الأسعار في الفاو بشكل عام هي الأرخص في العراق ودول الجوار، ولهذا يشهد مزاد النكعة إقبالا كبيرا باستمرار”.

ومع قرب حلول عيد الفطر المبارك وزيادة الإقبال على شراء الأسماك، ارتفعت الأسعار قليلا في سوق النكعة، إذ يتراوح سعر الروبيان من 12 إلى 35 ألف دينار للكيلوغرام، وأسماك الصبور من 25 – 100 ألف دينار، وسمك الشانك نحو 7 آلاف دينار، والهامور بـ12 ألف دينار، والعندك أكثر من 6 آلاف دينار، والبياح الخشن بـ8 آلاف دينار، وسمك الحاسون 6 آلاف، وسمك النويبي 9 آلاف دينار.

يشار إلى أن قضاء الفاو يشكل مثلثا بين شط العرب وخور عبد الله، ويعود تأسيسه إلى القرن التاسع عشر حيث انطلق نشاطه التجاري والاقتصادي بصيد الأسماك، كما يعد المنطقة الأولى التي هبطت فيها طائرات القوات البريطانية لتنزل جنودها بهدف احتلال العراق في عام 1914، ليتحول بعدها إلى تجمع سكاني نتيجة لرواج تجارة الأسماك.

من جانبه، يؤكد الصحافي حسن صباح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مزاد النكعة أو الفاو بشكل عام يشكل مقصدا أساسيا لمتبضعي الأسماك وبقية ما تشتهر فيه أسواق القضاء مثل الحناء”، لافتا الى أن “أسعار النكعة والفاو تعتبر تنافسية ومناسبة مقارنة ببقية أسعار الأسواق في البصرة والعراق بشكل عام”.

ويضيف صباح، أن “الكثير من أهالي البصرة يقصدون هذا المزاد بين الحين والآخر لشراء كميات من الأسماك أو الحناء لعوائلهم أو يهدونها في زياراتهم إلى بغداد والمحافظات الأخرى كأفضل هدية يمكن أخذها لهم من الفاو”، لافتا إلى أن “قضاء الفاو بثرواته المتعددة يمثل أهمية كبيرة لكل بصري ومواطن عراقي بوجود ميناء كبير لتصدير البضائع واستيرادها كما هو حال الأسماك”.

ويؤشر صباح، أن “الأوضاع السيئة أمنيا واقتصاديا التي تحيط بالصيادين في الفاو دفعت بعضهم للذهاب نحو شراء الأسماك من الإيرانيين وبيعها في مزاد النكعة لأن ذلك سيجعل الكلفة أقل عليهم من صيدها بأنفسهم وتكبدهم أجور الوقود والشباك والعمال”، موضحا أنه “رغم كل ذلك فالأسعار في مزاد النكعة تعتبر الجملة الرئيسية والأرخص في عموم العراق”.

وبينما تعد وجبة السمك إحدى أشهر الوجبات الرئيسة في المجتمع العراقي، تشير بيانات حكومية متفرقة لتراجع إنتاج الأسماك في العراق خلال السنوات الأخيرة لتساهم بخزينة الدولة بما نسبته 25 في المئة فقط ضمن الناتج المحلي الإجمالي.

وتؤكد دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، تراجع إنتاج البلاد من الأسماك في العام الماضي ليصل إلى 800 ألف طن فقط بسبب أزمة شح المياه الحاصلة، وانتشار الأمراض والفيروسات، فضلا عن ارتفاع تكاليف الأعلاف، فيما يقدر خبراء الاقتصاد خسائر العراق من الثروة السمكية بنحو 400 مليون دولار سنويا.

إقرأ أيضا