بالوثيقة.. البنك المركزي يمنح قروضا لمصارف خاصة تستغلها بمزاد الدولار ويتجاهل تحقيقا للنزاهة 

كشفت وثيقة صادرة عن هيئة النزاهة، وموجهة إلى البنك المركزي، عن عملية فساد تتعلق بمنح الأخير قروضا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية، كانت مقررة كسبب لحصولهم على القروض، في ظل تجاهل البنك المركزي لقرار محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، القاضي بإجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام.

وبحسب وثيقة حصلت عليها “العالم الجديد”، والصادرة عن هيئة النزاهة في 14 كانون الأول ديسمبر 2023 وتحمل العدد (م ت ب/ت/ ٢٢٣٢ق/ ٢٠٢٢/ ٣٥٦٥٠)، فإن الهيئة طالبت البنك المركزي بإعلامها “ما تم بصدد تأليف لجنة تحقيقية تتولى إجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام إن وجد عن موضوع القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع الذين هم أنفسهم مالكي المصارف الأهلية التي تأخذ القروض ليتم استغلالها لشراء الدولار والمتاجرة لها والاستفادة من أرباحها، ليتسنى لنا إجراء اللازم”.

وتكشف الوثيقة عن صدور كتاب رسمي سابق يحمل العدد (م ت ب/ت/ ٢٢٣٢ق/ ٢٠٢٢/ ٣١٨٨٩ ومؤرخ في 14 تشرين الثاني نوفمبر 2023) يطالبه فيها بفتح تحقيق في منح أصحاب المصارف الأهلية، قروضا ضمن مبادرة القروض الاستثمارية، مع ذهاب تلك الأموال لشراء الدولار من مزاد العملة والاستفادة من الأرباح. 

إلى ذلك، يكشف مصدر مسؤول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البنك المركزي لم يرد على هيئة النزاهة حتى الآن، على الرغم من مرور قرابة خمسة أشهر على استلامها كتابا من هيئة النزاهة بهذا الخصوص، ودون معرفة ما إن كان قد فتح تحقيقا أم لا”.

ويوضح المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أن “المبادرة التي انطلقت قبل أكثر من ثلاثة أعوام، تخص المشاريع الكبيرة، ويصل مبلغها إلى ثلاثة تريليونات دينار (نحو 2 ملياري دولار)، ذهب نصفها أو يزيد، إلى قروض لأصحاب المصارف الخاصة، بهدف إنشائهم مشاريع استثمارية، تبين فيما بعد أن معظم تلك المشاريع وهمية”.

ويلفت إلى أن “شبهات الفساد تحوم حول دور موظف رفيع في البنك المركزي، متورط في هذا الملف، كان يقف وراء منح قروض المشاريع الوهمية لأصحاب المصارف الأهلية، بغرض استثمارها في مزاد العملة”.

وحاولت “العالم الجديد”، الحصول على تعليق من البنك المركزي، حيث تواصلت مع مسؤولين اثنين في دائرته الإعلامية، غير أنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح أو تعليق حول الموضوع. 

يذكر أن البنك المركزي، أطلق أكثر من مبادرة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وهذه الأخيرة خصصت لها مبالغ كبيرة، تصل لأكثر من 250 مليون دينار، على عكس القروض الأخرى التي تصل لـ50 مليون دينار في أعلى حد لها. 

وكان نائب محافظ البنك المركزي العراقي عمار حمد خلف، قد أكد أمس الأول الجمعة، أن حجم مبادرات البنك للمواطنين وصل إلى 13 ترليون دينار، مشيرا إلى أن قروض الإسكان مستمرة، وأنها تشمل أربع فئات هي الشباب ومنتسبي القوات الأمنية والموظفين والمتقاعدين.

ودائما ما تثير القروض لغطا وشبهات فساد، وخاصة القروض من الجهات الدولية، التي تدرج في الموازنة، حيث كشفت “العالم الجديد” في تقرير سابق عن سرقة القروض من قبل جهات متنفذة، في وقت تدرج فيه بالموازنة لغرض إنشاء محطات كهرباء أو مشاريع مياه أو غيرها من المشاريع العملاقة.  

ومنذ مطلع العام الماضي، دخلت واشنطن على خط أزمة تهريب الدولار لخارج العراق، وفرضت شروطا على البنك المركزي، أبرزها خضوعه لنظام سويفت العالمي، وتقليل مزاد العملة، حيث تراجعت مبيعاته من 300 مليون دولار يوميا إلى نحو 30 مليون دولار فقط في بداية الأزمة، قبل أن تعاود الارتفاع بعد أشهر قليلة.

وجرى فرض عقوبات على نحو 14 مصرفا عراقيا، ومنعها من التعامل بالدولار وحجب دخولها لمزاد العملة، بسبب تورطها بتهريب الدولار، وهذا الأمر أدى لارتفاع نسبة استحواذ المصارف العربية العاملة في العراق على الدولار في مزاد العملة. 

وكشفت “العالم الجديد”، في تقارير سابقة عن استمرار تهريب العملة على الرغم من الضوابط على المصارف، حيث كان يتم عبر حقائب تنقل برا إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ”الحوالات السود”.

إقرأ أيضا