بغداد تنتظر أردوغان.. 4 ملفات على الطاولة

تنتظر بغداد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع المقبل، وعلى طاولتها ملفات مهمة وحساسة تتعلق بحزب العمال الكردستاني (PKK) وتواجده في الأراضي العراقية، وملف المياه، وإيقاف تصدير النفط عبر إقليم كردستان، وطريق التنمية الدولي وما يتعلق بالتبادل التجاري.

ويرى مراقبون أن مناقشة هذه الملفات في سلة واحدة سيحقق مصالح مشتركة للبلدين، لأن المرونة ستحضر بسبب تعدد أوراق المناورة والمساومة لدى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، مشددين على ضرورة أن يستغل العراق هذه الزيارة لأن الضيف رئيس جمهورية ويمتلك صلاحيات واسعة لعقد الاتفاقيات.

ويقول مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “من المؤمل خلال زيارة أردوغان المقبلة إلى بغداد أن يتم التوقيع على بروتوكول للمياه بين البلدين، كما ستناقش ملفات عديدة حول قضايا اقتصادية وأمنية”.

ويضيف فيصل، أن “الاهتمام التركي يتطابق مع اهتمامات بغداد حول طريق التنمية العراقي الذي يعتبر بوابة مهمة جدا لإنعاش اقتصاد تركيا وانفتاح التجارة التركية باتجاه جنوب شرق آسيا من جهة وإلى أوربا من جهة أخرى عبر الاتجاهات البرية وسكك الحديد التي تبدأ من البصرة، ما يخلق فرصة كبيرة لتصريف البضائع من أنقرة وعبر دول الجوار الإقليمي، من أوربا وتركيا باتجاه بلدان الخليج وبالعكس”.

كما أن هذه الزيارة، تهدف بحسب فيصل إلى “العمل على حل المشكلات الجوهرية التي تهدد الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة عموما، خصوصا مع وجود وانتشار الشبكات المسلحة لحزب العمال الكردستاني والموجود في العراق بطريقة غير مشروعة في جبال قنديل وغيرها المناطق الحدودية بين العراق وتركيا الذي يقوم بعمليات عسكرية لتقويض الأمن في تركيا نحو تحقيق مشروع أممي متطرف عابر للحدود”.

ويكمل أن “هذا الحزب مسنود ببعض التنظيمات المسلحة في العراق المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والتي تهيمن على سنجار باعتبارها مدينة مفصلية للطريق الاستراتيجي الرابط بين طهران وسنجار ثم عبر الحدود السورية نحو لبنان”.

ويمضي مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن “هذا الحزب يشكل تهديدا خطيرا للأمن التركي، لذا تستعد تركيا لعقد اتفاق أمني مع العراق لضمان حرية تحرك القوات التركية لمقاتلة ومهاجمة تشكيلاته المسلحة عبر فسح المجال للقوات التركية بعمق 30 كم كممر آمن يمنع تنظيم البككه من شن حملاته المسلحة”.

وبالنسبة للمياه، وفقا لفيصل، فإن “العراق يطالب بعقد اتفاقية وبروتوكول وذلك بعد العديد من الاجتماعات والزيارات السابقة لضمان حقوقه العادلة في نهري دجلة والفرات وإدامة الإطلاقات بما يحقق فوائد مشتركة”.

ويشير إلى أن “تركيا تهتم أيضا بقضية تدفق الغاز والنفط عبر العراق نحوها، وتؤكد على أهمية مشروع الغاز القطري نحو طريق التنمية بشكل يغذي حاجة تركيا ومن الممكن أن ينتقل عبرها إلى الدول الأوربية وكذلك عندما ينتج العراق الغاز سيكون له سوق إقليمي عبر تركيا”.

وأعلنت تركيا، الأربعاء الماضي، على لسان وزير الدفاع يشار غولر، أنّ الرئيس أردوغان سيجري زيارة رسمية إلى العراق، يوم الاثنين المقبل، مؤكدا إنّ بغداد وأنقرة قد توقّعان اتفاقية استراتيجية على هامش الزيارة.

وكان أردوغان، أكد بوقت سابق، أن قضية المياه ستكون واحدة من أهم بنود جدول أعماله خلال زيارته للعراق، في حين لمّح إلى زيارة أربيل بعد بغداد، مشيرا إلى أن تركيا تدرس طلبات تقدم بها الجانب العراقي بخصوص المياه، مردفاً بالقول: “هم يريدون منا حلها وستكون خطواتنا بهذا الاتجاه، وهناك أيضا قضايا تتعلق بتدفق الغاز الطبيعي والنفط إلى تركيا، وسنسعى إلى معالجتها أيضا”.

من جهته، يرى المحلل السياسي، فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زيارة أردوغان تحمل مزايا عديدة لأن هناك ملفات مهمة مشتركة بقيت عالقة بين البلدين، ولعل أولها ملف أمن الحدود ثم النفط والمياه”.

ويضيف المشعل، أن “هناك إشكالية أصبحت تاريخية بالنسبة للعلاقة بين البلدين وهي وجود قوات المعارضة التركية (البككه) في العراق والذي يتخذ من سنجار قواعد عسكرية، ويقابله وجود قواعد عسكرية تركية، فهذا الملف مصيري ولا بد من وضع حلول حاسمة له، من أجل عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، ووجود كردستان ضمن مثلث هذه العلاقة”.

ويشير إلى أن “ملف النفط الذي يصدر عبر منفذ جيهان التركي من كركوك وآبار كردستان يجب أن يخضع لتوافقات جديدة بين البلدين، لأن أكثر من سنة مرت وهذا الخط متوقف بسبب قرار الغرامة الذي فرضته محكمة باريس على تركيا”.

ويلفت إلى أن “العراق في وقت إقامة الدعوى ضد تركيا، ثم إصراره على دفع الغرامة لم يدرس الموضوع عميقا وانطلق من موقف سياسي وسيادي أو بتحريض بعض الأطراف لانتزاع الغرامة، بينما خسر أكثر من 10 مليارات جراء توقف هذا الخط، كما ساءت طبيعة العلاقة بين المركز والإقليم والحزب الديمقراطي على وجه التحديد جراء هذه المشكلة”.

ويجد المحلل السياسي، أن “هذه الزيارة يجب أن تستثمر استثمارا كاملا من قبل العراق لأن الضيف رئيس جمهورية ولديه صلاحيات واسعة لعقد الاتفاقيات، والأهم في ذلك هو تثبيت حق العراق في حصصه المائية وإيجاد حلول لوجود حزب العمال الكردستاني في العراق، بالرحيل إلى سوريا أو تركيا، وبالنسبة للغرامة التركية هناك حلول كأن تخفض أو تسدد على أن تبقى قضية الإشراف المركزي على شركة سومو”.

ويؤكد المشعل، أن “العراق رئة مهمة جدا لتسويق المنتجات التركية، وما تعرضت له الليرة التركية من تدهور يؤشر أن زيارة أردوغان أقرب للامتثال لبعض الشروط، لكن هذه الأمور تحتاج إلى مفاوضين يفهمون بطبيعة العلاقات بين دولتين متجاورتين تعانيان من مشكلات عديدة، لاسيما أن الملف الإيراني سيدخل في هذه الحوارات لأن البككه تتلقى دعما من إيران”.

وتسعى حكومة أردوغان لأن تجعل من حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني الذي يتمركز مقاتلوه على أجزاء من شمال العراق، عاملا لصيقا بالتعاون الاقتصادي مع الجانب العراقي، كما سبق لأردوغان نفسه أن ربط بين الملفين بقوله إنّ طريق التنمية مهم لدول المنطقة وخاصة العراق وتركيا، مشدّدا على “أهمية العمل وفق مفهوم الكفاح المشترك ضد تنظيمات حزب العمال الكردستاني”.

وشهدت العلاقات بين بغداد وأنقرة توتراً خلال السنوات الماضية، بسبب الحملات العسكرية التركية والهجمات في شمال العراق، حتى أن بغداد قدم شكوى إلى مجلس الأمن في هذا الشأن، لأن الجيش التركي يلاحق مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية، وفي إقليم كردستان، وفي منطقة سنجار.

وأقامت أنقرة التي تُهدد بتوسيع عملياتها هذا الصيف، عشرات القواعد العسكرية في كردستان العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وكان العراق في السابق يقول إن العمليات تنتهك سيادته، لكن أنقرة تقول إنها تحمي حدودها.

أما المحلل السياسي غالب الدعمي، فيشير من جانبه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “زيارات الرؤساء والملوك والدبلوماسيين إلى بغداد وكذلك الرؤساء العراقيين إلى تلك الدول، هي دليل على تعافي العراق وتسجيله بداية جديدة نحو التنمية”.

ويرى الدعمي، أن “هذه الزيارة التي يجريها أردوغان إلى العراق مهمة، فمن الممكن أن نحصل بفضلها على حصة مائية ثابتة”، لافتا إلى أن “تركيا لا تريد أكثر من التعاون الاقتصادي وإنهاء الحركات المعادية التي تنطلق من العراق والمتمثلة بحزب العمال الكردستاني”.

وتُعد الموارد المائية من الملفات الشائكة بين البلدين، إذ يعتبر العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغيّر المناخ والتصحر في العالم، بسبب تزايد الجفاف، وتُندد بغداد مراراً ببناء تركيا سدوداً تتسبب بتراجع منسوب المياه الواصلة إلى الأراضي العراقية، وعقدت بغداد مع أنقرة عدة جولات مفاوضات، لكنها لم تنته إلى شيء، واتهمت تركيا، بالتعنت في ما يخص تخفيض معدّل إطلاق مياه نهري دجلة والفرات.

إلى ذلك، يؤكد خبير الطاقة كوفند شيرواني، أن “أربعة ملفات ستكون على الطاولة، الأول هو الملف الأمني الذي يتعلق بقوات البككه، فالحكومة التركية تهدف أن تتعاون معها العراقية لمكافحة هذا التنظيم المصنف إرهابيا”.

ويضيف شيرواني، “أما الملف الثاني، فهو ملف المياه وكيفية الاتفاق على حصص عادلة يطلبها العراق من تركيا، والملف الثالث هو ما يخص التبادل التجاري الذي يتجاوز 12 مليار دولار في العام الماضي، وطريق التنمية الذي تطمح تركيا أن تكون لها فيه مشاركة كبيرة سواء في التنفيذ أو النشاط التجاري الذي سيكون كبيرا على هذا الطريق الرابط نحو أوربا”.

ويتابع أن “الملف الرابع هو ملف النفط وكيفية استئناف تصدير نفط إقليم كردستان المتوقف منذ آذار العام الماضي والذي حقق خسائر تجاوزت 11 مليار دولار”، لافتا إلى أن “هذه الملفات تختلف فيها درجات المصالح، فتركيا لها مصلحة في الملف الأمني الذي يخص البككه، وكذلك في الملف التجاري، والعراق مصلحته تكمن في ملف المياه وملف تصدير النفط”.

ويرى أن “من الجيد أن تبحث هذه المواضيع في سلة واحدة، لأن المرونة ستكون أكبر عند بحث هذه الملفات معا وبالتالي ستحقق مصلحة الطرفين وستكون هناك حالة تجعل الجميع رابحا، لكن عندما يكون التفاوض على كل ملف منفردا دون أوراق أخرى للمفاوضة والمساومة تكون النتيجة غير مضمونة أو سلبية”.

ويعدّ ملف توقف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي من بين الملفات العالقة بين بغداد وأنقرة، بعدما أوقفت تركيا في العام  2023 صادرات العراق البالغة 450 ألف برميل يوميا عبر خط أنابيب العراق – تركيا الشمالي بعد حكم في قضية تحكيم صادر عن غرفة التجارة الدولية.

إقرأ أيضا