تجارة مربحة.. 150 ألف دينار كافية لشراء أحد شروط التخرج في العراق

توقع حسن الربيعي (22 عاما) عندما ذهب إلى شارع في بغداد يحتوي على مكتبات تبيع…

توقع حسن الربيعي (22 عاما) الحصول على مبتغاه بسهولة عند الوصول إلى إحدى مكتبات بيع بحوث التخرج، لكنه فوجئ بعشرات الطالبات والطلبة من كليته، وهم موزعون على مكتبات الشارع المختص ببيع الكتب واستنساخ الأوراق الدراسية، ما اضطره للوقوف في طابور قبل أن يصل إلى البائع.

وتنامت ظاهرة بيع البحوث الجاهزة للطلبة المقبلين على التخرج، بين طالبات وطلاب الجامعات والمعاهد العراقية بشكل غير مسبوق، ومن دون رقابة تذكر من قبل المؤسسات العلمية.

ويقول الربيعي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “صعوبات كثيرة واجهناها في تعلم مادة مناهج البحث العلمي في المرحلتين الثانية والثالثة في كلية الإعلام، كما أن الدوام الحضوري توقف مدة طويلة بسبب جائحة كورونا، ما جعل إنجاز بحث التخرج لنيل شهادة البكالوريوس مهمة شبه مستحيلة، لذلك لجأت إلى خيار شرائه”.

ويضيف أن “أسعار البحوث كانت مرتفعة في حينها، فالبحث الواحد يكلف 150 ألف دينار، ولكنني كنت مضطرا للشراء بهذا المبلغ بغض النظر عن رصانة البحث وأهميته.. كان همي الوحيد قبول البحث من أجل التخرج”.

بائعون لا يشعرون بالذنب

عندما زارته “العالم الجديد” في مكتبته ببغداد، كان محمد مصطفى (39 عاما) قد باع للتو بحثا إلى إحدى الطالبات المقبلات على التخرج بمبلغ 130 ألف دينار.

ويبين مصطفى، أن “هذا العمل يدر أرباحا وفيرة، فأسعار البحوث تتراوح بين 50 و150 ألف دينار، ونحن لا نقوم بكتابة بحوث جديدة، وإنما نعيد تدوير بحوث التخرج السابقة”.

ويردف “نحن لا ننظر إلى هذا الأمر من ناحية أخلاقية، وإنما نسعى إلى الحصول على أرزاقنا، فهل خراب البلد بسببنا؟ بالطبع لا، لأن الجامعات تعلم جيدا أن الطلبة يشترون البحوث من المكتبات ويقدمونها كمشاريع تخرج، وعلى الرغم من ذلك تمنحهم شهادة البكالوريوس”.

ويفرض النظام التعليمي في العراق على طلبة المراحل الأخيرة في التعليم العالي تقديم بحوث علمية كشرط من شروط نيل شهادة البكالوريوس أو الدبلوم، لكن أسبابا عدة أدت إلى تحول هذا الشرط إلى مجرد إجراء شكلي ليس إلا.

إلى ذلك، يقر التدريسي في الجامعة المستنصرية عبد الجبار السعيدي، في حديث لـ”العالم الجديد”، بـ”عدم اهتمام منظومة التعليم في العراق بتنمية العقل البحثي لدى الطالب في مختلف المراحل الدراسية، بينما تبدأ في الدول الأخرى عملية تطوير العقل البحثي من المرحلة الأولى”.

ويعزو السعيدي “الإرباك المتعلق بالبحث العلمي في الجامعات، إلى سببين، الأول هو عدم وجود أساتذة ملمين باختصاص البحث العلمي في معظم الجامعات العراقية، لذلك ينتدب أحد الأساتذة بشكل عشوائي لتدريس مادة البحث العلمي وهو غير متخصص، والثاني هو أن الجامعات لا تمتلك خطة لتطوير الجانب البحثي لدى الطلبة، لذلك نجد أن مادة البحث العلمي تدرس مرة في المرحلة الثانية ومرة في المرحلة الرابعة ومرة لا تدرس وهكذا”.

ويشدد على أن “إدارة التعليم العالي مقصرة تماما في متابعة هذا الملف على الرغم من وجود دائرة البحث والتطوير في وزارة التعليم العالي، والتي لا هم لها سوى تجميع أعداد البحوث المطلوبة من دون النظر إلى نوعية وطريقة كتابة تلك البحوث”.

وفيما يتعلق بالطلبة، يتابع السعيدي، أن “الطالب يأتي ضعيفا علميا من مرحلة الإعدادية، ليدخل في مؤسسة أخرى لا تختلف كثيرا عن مؤسسة المدرسة من حيث النظام، فضلا عن عدم توفر بنية تحتية مناسبة، فالجامعات بلا مكتبات، ولابد للطالب أن يمر بمراحل بيروقراطية للحصول على كتاب، بالإضافة إلى عدم وجود حوافز للطلبة من قبل الجامعات كمكافآت يمكن أن تشجعهم على الكتابة، وبالنتيجة الحل الأسهل والأنسب هو الحصول على بحث جاهز”.

وبحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يتم قبول ما لا يقل عن 120 ألف طالبة وطالب سنويا في الكليات والمعاهد، وكلهم مطالبون بعد 4 سنوات من الدراسة بتقديم بحوث للتخرج.

ويعلق مقرر قسم الصحافة في كلية الإعلام الجامعة العراقية واثق عباس من جهته، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “فكرة الجامعات باعتبارها جزءا من آليات التنمية في البلد ليست واضحة لصناع لقرار، وبالتالي فإن البحوث الجامعية تركت في مكتباتها من دون أن يراها أحد، وهذا ولد شعورا بعدم الجدوى حتى أصبحت البحوث تقدم كإجراء روتيني”.

ويشير عباس إلى عدد من الأسباب التي أسهمت في شيوع ظاهرة بحوث التخرج الجاهزة والاعتماد على الإنترنت والكتابة بطريقة “النسخ واللصق”، في مقدمتها “ضعف المستوى العلمي لعدد من الأساتذة، وفقر طرائق التدريس المتبعة في إيصال المادة، وعدم الجدية والمسؤولية الصارمة في مراقبة البحوث المقدمة لهم من الطلبة، ما سمح بشيوع ظاهرة شراء البحوث الجاهزة”.

مادة ثانوية

يشعر علي أحمد (22 عاما) بعد خروجه من محاضرة مادة البحث العلمي بأنه لم يستفد شيئا، على الرغم من أنه سيكون مطالبا بتقديم بحث في نهاية السنة الدراسية لأنه في المرحلة الأخيرة.

 

ويؤكد أحمد خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “مادة البحث العلمي التي ندرسها في المرحلة الرابعة لا تعدو أكثر من كونها مادة ثانوية لا يهتم بها الأستاذ كما لا يهتم بها الطالب، لذلك عندما نصل إلى مرحلة تقديم البحث كأحد متطلبات التخرج والحصول على شهادة البكلوريوس، نجد أن المهمة صعبة، فنلجأ إلى المكاتب الخاصة بكتابة البحوث لشرائها جاهزة”.

ويستطرد “نحو 95 بالمائة من الطلبة يشترون بحوثا جاهزة من أجل التخرج، وأن الأساتذة يعلمون جيدا أننا لم نكتب البحث، ولكنهم لا يهتمون لذلك، فبحث التخرج يعتبر مجرد روتين أو إجراء شكلي لا أحد يهتم به وليس له أي قيمة علمية”.

لكن رئيس قسم الصحافة الإذاعية والتلفزيونية في كلية الإعلام الجامعة العراقية علاء نجاح نوري يخالف كثيرين في آرائهم بشأن بحوث التخرج، فيقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ما نقوم به كأساتذة أو ككلية هو رفض البحوث المشتراة ومحاسبة الطالب، ومن الممكن رسوبه في مادة بحث التخرج لأنها تعد مادة علمية لا تختلف عن أي مادة أخرى”.

ويوضح نوري، أن “كشف البحث الجاهز سهل جدا، فالأستاذ المتمرس لن يخدع ببحث جاهز، وخصوصا إذا كان الطالب مهملا جدا إلى درجة تقديمه بحثا يحتوي على إهداء موجه إلى أساتذة في كلية أخرى وليس في كليته، كما حصل مرة مع أحد الزملاء الأساتذة”.

وتوجد في العراق 35 جامعة حكومية و75 جامعة وكلية ومعهدا أهليا، وفقا للموقع الرسمي لوزارة التعليم العالي التي ترتبط بها مراكز وهيئات ووحدات بحثية يبلغ عددها 101 ذات تخصصات علمية متعددة.

وتنتشر مئات الملصقات الدعائية على واجهات محال الطباعة والاستنساخ الواقعة قرب الجامعات والكليات والمعاهد، من قبيل “لدينا بحوث تخرج لجميع الاختصاصات”، أو “مستعدون لكتابة الأطاريح الجامعية”.

ولا يقتصر الأمر على تلك المواقع، بل تنتشر أضعاف هذه الدعايات على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا صفحات الفيسبوك الزاخرة بعبارات منمقة من قبيل “المساعدة في تنفيذ الأطاريح الجامعية”، أو “لدينا فريق مميز من الدكاترة الأكفاء للمساعدة في جميع الاعمال البحثية بالتخصصات التالية…الخ”، أو “سرعة وخبرة عالية في  تحرير وتنضيد البحوث والرسائل- استلال- ترجمة- احصاء وخدمات اكاديمية لمختلف التخصصات في العراق…الخ”.

ولم تكن مهمة “العالم الجديد” بالتأكد من ممارسة تلك الصفحات لعمليات بيع البحوث الجاهزة، بالعسيرة، فما إن قام مراسل الصحيفة بمراسلة إحدى الصفحات التي تتحفظ الصحيفة على اسمها بصفة طالب يروم الحصول على بحث للتخرج من قسم التربية الرياضية، حتى جاء الرد سريعا بأنهم على استعداد لذلك مقابل 100 دولار.

وحاولت “العالم الجديد” الحصول على تعليق من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لكنها لم تتمكن، غير أن مصدرا بالوزارة، يقر بـ”عجزها، بل عدم اهتمامها بالموضوع من الأصل، لأن ذلك ليس من مهامها”.

ويلفت المصدر، إلى أن “هذه المهمة تقع على عاتق الجامعات نفسها والأساتذة المعنيين بمتابعة ملفات الطلبة، إذ لا تملك الوزارة قدرة اكتشاف مثل هذه الأمور الجزئية”.

إقرأ أيضا