تلوث المياه يهدد الزراعة والصحة في ظل التغيرات المناخية (تحقيق)

طوال عقود من الزمن ظلت عائلة أدهم حسن (32 سنة) تؤمن معيشتها من زراعة الأرض…

طوال عقود من الزمن ظلت عائلة أدهم حسن (32 سنة) تؤمن معيشتها من زراعة الأرض التي تملكها في منطقة الراشدية (25 كلم) شمال شرقي بغداد. جزء من الأرض التي يتوسطها منزلهم والتي تبلغ مساحتها ثماني دونمات تضم بستانا للفواكه وحقلا لزراعة الخضروات، فيما الجزء الآخر كان يخصص لزراعة الحنطة.

يقول المزارع الذي تمتهن غالبية أفراد عائلته الزراعة، ان المساحات التي يزرعونها تتقلص عاما بعد آخر بفعل تراجع مياه دجلة وقنوات الري التي تُرفد الحقول بالمياه، وارتفاع نسب التلوث فيها الى الحد الذين يخشون أحيانا من استخدامها لسقي مزروعاتهم “هي تؤدي الى تلوث الأرض وتراجع انتاجيتها وتلوث المحاصيل”.

يشير بيده الى الموقع الذي نصبت فيه مضخة كبيرة لسحب المياه، ويردد بكلمات سريعة “مياه سوداء داكنة مليئة بالعوالق والملوثات”. ويضيف مبديا عجزه “لا يمكننا تنظيف النهر أو أطرافه.. وحال القنوات المائية أسوأ.. حين تقل اطلاقات المياه في دجلة خلال أشهر الصيف ويبطئ جريانه يصدمك حجم التلوث الظاهر”.

عشرات المزارعين في المناطق الزراعية المحيطة ببغداد، سواء في شمال أو جنوب العاصمة يعانون من ارتفاع مضطرد في نسب تلوث المياه في أشهر الصيف نتيجة تراجع مناسيب المياه في دجلة في ظل الجفاف وتراجع الاطلاقات المائية من دول المصدر، وندرة مشاريع معالجة المياه.

ويعد تلوث المياه على رأس الأزمات البيئية في العراق منذ سنوات، ويحمل تداعيات خطيرة على الزراعة والصحة العامة وسلامة التربة في بلاد ما بين النهرين التي كانت تؤمن لقرون حاجاتها الغذائية وتصدر منتجاتها للدول القريبة.

وترجع أسباب تصاعد التلوث الى ما حمله التغير المناخي من تراجع في الهطولات المطرية وارتفاع بدرجات الحرارة  وتصاعد في العواصف الغبارية، بينما تتمثل الأسباب الأخرى في السياسات المائية لدول الجوار والإدارة غير المستدامة للموارد المائية محلياً، الى جانب تزايد مصادر التلوث الداخلي من مخلفات المنشآت النفطية ومياه الصرف غير المعالجة.

 وشهدت الاطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات النابعين من تركيا تراجعا بنسبة 70% في العام الأخير، بينما قطعت إيران غالبية الجداول والأنهر العابرة من أراضيها والتي تغذي نهر دجلة في العراق.

أزمة اطلاقات المياه

يقول وزير البيئة العراقي، نزار آميدي، ان قلة الإمدادات المائية الواردة من الدول المتشاطئة مائياً مع العراق، تؤثر على كميات المياه الصحية المتاحة في العراق، فهي تزيد من “نسب الملوحة والتلوث”، خصوصاً في محافظات البصرة والمثنى وذي قار ، وقبلها بغداد التي يسكنها ما يزيد عن ثمانية ملايين نسمة.

ويحدد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي شغل سابقا منصب وزير الموارد الطبيعية، عدة أسباب وراء ما أسماها، أزمة المياه التي يمر بها العراق، على رأسها التغيير المناخي، ومن ثم تصرفات دول الجوار، ويقصد بها تركيا وإيران وسوريا، وسوء إدارة المياه في العراق، داعيا وزارة الموارد المائية إلى تشكيل لجنة دائمة تتولى إجراء المفاوضات واللقاءات مع دول الجوار لضمان حصة مائية مستقرة في نهري دجلة والفرات.

غير أن التفاوض مع الجيران المذكورين لم يفضي لنتيجة على مدى سنوات مضت، فتركيا مستمرة في بناء السدود التي حبست فيها جزءاً كبيراً من حصة نهري دجلة والفرات النابعين في أراضيها، إذ يمر دجلة قادماً من هناك على طول مساحة البلاد وصولاً إلى البصرة، في حين يدخل الفرات سورياً أولاً، ويمر بالعراق من غربه ليلتقي بدجلة أيضاً في البصرة.  

أما إيران، فتقطع الأنهر والجداول النابعة من أرضها والداخلة للعراق لتغذي نهر دجلة، بعضها نهائياً والبعض الآخر بنحو متقطع، وآخر إجراء من هذا النوع، حدث في آب/أغسطس2023، عندما أقدمت على قطع نهر الزاب الأسفل، الذي يعد واحداً من بين ثلاث روافد لدجلة تنبع من هناك إضافة الى نهر ديالى والعظيم، ويمر مجراه عبر الأراضي العراقي من السليمانية فكركوك لمسافة 402 كم. 

المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، ذكر بأن “كمية الإطلاقات المائية من تركيا لنهري دجلة والفرات لا تمثل سوى 30% من الاستحقاق الطبيعي للعراق”، ويوضح “تصاريف نهر دجلة تبلغ 313 م3 بالثانية أما نهر الفرات فتبلغ 175 م3 بالثانية”.

ويلفت إلى أن العراق يقع ضمن أحد الأقاليم الجافة، وأن ارتفاع درجة الحرارة والتغيرات المناخية والجفاف جعلته واحداً من بين خمسة دولة هي الأكثر هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية على مستوى العالم”. وذلك كله يزيد من تلوث المياه والأراضي، لتصبح غير صالحة للزراعة والاستخدام البشري.

ذلك الواقع الذي يزيد من اندثار المناطق الزراعية في العراق، الذي يخسر بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نحو 400 ألف دونم من الأراضي الزراعية سنوياً، يجبر مئات المزارعين على ترك مهنتهم والبحث عن مهن أخرى تؤمن معيشة عوائلهم.

بين هؤلاء بعض من أقارب المزارع أدهم حسن بمنطقة الراشدية المهددة بمشكلة التمدد العمراني والصناعي أيضا لترتفع معه مصادر التلوث. يؤكد ذلك الستيني جميل عبدالله “لم تعد زراعة الأرض تكفي لتأمين حاجاتنا المعيشية، مع تراجع انتاجيتها نتيجة شح المياه وتلوثها والأمراض وغلاء الأسمدة”.

يضيف “تخلينا في الصيف الحالي عن زراعة الحنطة (القمح) بسبب شح الأمطار وعجزنا عن تأمين المياه الصحية الكافية لها، مع جفاف بئر كنا نعتمد على مياهها”. ويتابع منذ موسمين نعتمد في دخلنا على إنتاج الفواكه مع بعض الخضر التي لا تستهلك الكثير من المياه. 

ويلفت عبدالله، ان اثنين من أبنائه تخلو عن العمل في الزراعة، أحدهم التحق بالعمل موظفا في السلك الأمني، وتركوا له مهمة زراعة الأرض “لكن المياه تزداد شحة موسما بعد آخر، وقد اضطر في النهاية أيضا للتوقف كليا عن الزراعة”.

مصادر التلوث المتصاعد

الخبير البيئي المهندس ثائر يوسف، يرى بأن العناصر الثقيلة في المياه هي السبب الأساسي للتلوث وهو ما ينعكس سلباً على الواقع الزراعي، مشيراً إلى أن ذلك يظهر بنحو جلي، مع انخفاض مناسيب مياه النهر، فيحدث زيادة في تركيز العناصر الثقيلة والأملاح، وهذا يسبب في حالة امتصاصها من قبل النبات أو تراكمها في التربية إلى مضار يقول بأنها قاتلة للنبات بنحو مباشر أو تؤدي في أقل تقدير إلى صعوبة انباته وتقليل انتاجيته.

ويحذر ثائر، من أن امتصاص النبات لتلك العناصر وتراكمها في أجزائها الخضرية والثمار، تؤثر على الإنسان والحيوان على حد سواء عندما يتناولانها “إما تكون قاتلة بنحو مباشر أو مسرطنة”. ويضيف إلى ذلك، تراكم الأملاح وغيرها من العناصر الضارة في تربة الأراضي الزراعية نتيجة قلة توافر المياه، سواءً عبر السقي أو الأمطار.

ويقول المتخصصون، ان وفرة المياه في مجرى نهري الفرات ودجلة، تخفي أثر الملوثات، وبالعكس عند انخفاض منسوب المياه. لكن من أين تأتي الملوثات، أو ما يصطلح عليه بالعناصر الثقيلة؟ يجيب عن ذلك المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي بقوله أنها: “تأتي بفعل النشاط البشري، كتوجيه المياه الثقيلة نحو النهر، فضلاً عن مخلفات المصانع وغيرها” .

ويرى بأن العلاج الوحيد في الوقت الراهن، هو العمل على اقناع دول الجوار بزيادة الإطلاقات المائية في النهرين، وإلا فأن التراكيز الملحية فيهما ستتزايد، إضافة إلى مياه المجاري الملوثة التي تصب معها من المدن التي يمر بها النهران. 

خبير السياسات المائية والتدريسي السابق في جامعة دهوك رمضان حمزة، يقول بأن التلوث البيئي لنهر دجلة يبدأ من تركيا، بعد إطلاق المياه من سد اليسو، فسرعان ما تختلط بها مياه المجاري والصرف الصحي والبزل الزراعي بما تضمه من مواد كيمائية من المدن الواقعة على ضفة النهر كمدينة “جزيرة” الواقعة على الحدود التركية العراقية.

وبعد دخولها إلى الحدود العراقية يزداد حجم الملوثات السائلة منها والصلبة مع مرور مياه دجلة بالمدن والمناطق الصناعية، وهكذا يتصاعد التلوث تدريجيا بدءاً من محافظة دهوك ومرورا بنينوى شمالي العراق وانتهاء بالبصرة في شط العرب جنوبي العراق.

ويوضح “لأن المياه قليلة فهي لا تستطيع دفع الملوّثات من عوالق ومواد كيمائية الى الخليج، فتبقى الفضلات تتفاعل مع المياه ومن ثم التربة مخلفةً بيئة ملوثة.

ويمكن بسهولة رؤية مصادر التلوث في المدن التي يمر بها دجلة، فحتى في وسط مدينة بغداد تتحول ضفاف النهر الى مكب للنفايات المنزلية والبلدية، اضافة الى موقع لتصريف مياه المجاري بل ومخلفات المستشفيات، فضلا عن المصانع والمصافي التي تشكل تهديدا مباشرا للبيئة وصحة الانسان. 

في بغداد وحدها توجد 18 محطة للصرف الصحي تصب مياهها دون معالجة في مجرى نهر دجلة، في حين تقوم محطات تنقية المياه، بسحبها من النهر ومعالجتها قبل دفعها إلى الأحياء السكنية عبر شبكة الإسالة، يقول ذلك المهندس محمود عبد الله مدير عام دائرة تنفيذ أعمال كري الانهر في وزارة الموارد المائية. 

ويشير بذلك، إلى أن مياه النهر التي تلوث بمصبات الصرف، يعتمد عليها المواطنون في الاستهلاك اليومي، مما يعني أن أنها غير نظيفة تماما مهما تمت معالجتها. وهو سر لجوء الكثير من السكان إلى استخدام المياه المعبأة للشرب، ويقول بأن دائرته تساهم بنحو جزئي في تخفيف تلوث المياه، من خلال كري الترسبات في مجاري الأنهر.

ويرى بأن الحل الأمثل لمواجهة قلة الامدادات المائية هو بمنع التجاوزات ورمي الملوثات في الأنهر والمسطحات المائية.

البلديات والصناعة والنفط

يؤكد الخبير الزراعي عادل المختار، وهو مستشار سابق لشؤون المياه والزراعة في مجلس النواب، ان العراق يعاني من الملوثات منذ زمن بعيد خاصة من قبل من أسماهم بالملوثين الكبار “وزارات الصحة والصناعة والنفط، وأمانة بغداد” إذ يقدر ما نسبته 95% من التلوث بسبب هذه الجهات وأنشطتها الصناعية.

ويقول ان مليون متر مكعب من المواد الملوثة ترمى يومياً في الأنهر بالعراق، وأنها تؤثر بنحو مباشر على الأحياء المائية وعلى الأراضي الزراعية. ويشير كذلك إلى أن التلوث البيئي في المدن له مضار غير منظورة، ويوضح: “إذ أن الأمطار تسحب معها المعادن والملوثات الأخرى وتذهب إلى الأنهار والمياه الجوفية وتؤثر على الثروة الحيوانية تحديداً”.

تؤكد الجهات المعنية بالمياه والبيئة في البلاد، أن الفرات يعاني نقصاً في المياه أكثر من دجلة، وذلك لعدم وجود روافد تغذيه، لذلك يتم الاعتماد على سد جزء من نقص مياهه عبر قنوات اروائية من دجلة أو من خزين سد حديثة أو بحيرة الثرثار. 

وترى تلك الجهات أن مذكرة التفاهم التي وقعت مع الجانب التركي سنة 2021 بشأن حقوق العراق المائية، تحتاج الى تفعيل وتعزيز العمل لضمان الالتزام بها والتي تضمنت “الإطلاقات المائيّة وتبادل المعلومات وتقاسم الضرر، فضلاً عن التدريب والاستشارة”.

عملياً، لا أثر واضح لتلك الاتفاقية الى الآن، فالجانب التركي يزيد الإطلاقات المائية لأسابيع قليلة فقط بعد زيارة أي وفد عراقي إلى هناك من أجل بحث ملف المياه، وذات السيناريو يتكرر بالنسبة إلى الجانب الأيراني، لكن لا حلول جوهرية.

المجتمع مصدرا للتلوث

ينبه المهندس البيئي المتقاعد حكمت محمود، الى ان طبيعة حياة العراقيين وسلوكيات المجتمع تمثل أكبر مصدر تلوث لنهري دجلة والفرات، ويقول بأن النفايات يتم طرحها من المنازل وتجميعها في مناطق محددة في الأحياء السكنية، وكثير منها يتسرب من شبكات تصريف المياه إلى النهرين، أو يتسرب تلوثها عبر مسامات الأرض بفعل الأمطار إلى المياه الجوفية أو الى النهرين. 

وكذلك الحال بالنسبة لما تطرحه الورش الصناعية من زيوت ومخلفات، ومغاسل المركبات، والمؤسسات الصحية من مستشفيات ومراكز ومصانع، وما تعيده المبازل من أملاح إلى مجريي النهرين، والقاء مخلفات البناء وغيرها على ضفاف الأنهر “يحدث كل ذلك منذ أن كان عدد السكان بضعة ملايين قبل عقود، والآن تجاوزوا الأربعين مليونا، دون معالجات حقيقية تذكر”.

وعن مخاطر تلوث المياه على صحة الإنسان، يؤكد رئيس قسم تعزيز الصحة في وزارة الصحة العراقية هيثم العبيدي، أن المياه الملوثة تعد من أكثر أسباب الأمراض المعوية وأمراض أخرى يتعرض لها الانسان عن طريق التناول المباشر، أو عن طريق السباحة فيها فيصاب الجهاز الهضمي بالتسمم الغذائي.

وأعراضه حسبما يقول: “الغثيان والقيئ والإسهال، فضلا عن إصابة الأعصاب وفي الحالات الشديدة قد تؤدي إلى الوفاة، وكذلك إصابة الجهاز التنفسي بالتهاب ذات الرئة عن طريق استنشاق المياه الملوث أثناء السباحة فيها، بالإضافة إلى التعرض لبعض الديدان الموجودة في المياه الراكدة والمياه الملوث والتي قد تخترق جلد الإنسان وتصيب الكبد ومناطق أخرى مثل ديدان بلهاريسيا وغيرها والتي تؤدي إلى مشاكل مزمنة وربما تؤدي إلى الوفاة كذلك”.

ما هي الحلول؟

يخرج مسؤولون عراقيون بين الحين والآخر بتصريحات تؤكد عملهم لايجاد حلول لمعالجة مشكلة شح المياه وتقليل تلوثها، منها تأكيد وزير البيئة تشكيل لجنة حكومية عليا برئاسته، مهمتها التركيز على ملف المياه وتلوثها، وإنهاء التجاوزات الحاصلة على مصادرها، وإجراء مفاوضات دبلوماسية مع الدول المتشاطئة مائيا مع العراق، من أجل تنفيذ المعالجات السريعة اللازمة لشح المياه.

وعن سبب تأخر وزارته في متابعة موضوع تلوث المياه وايجاد الحلول له مع أنه يحدث منذ سنوات، قال الوزير، لأن “وزارة البيئة كانت مدمجة مع وزارة الصحة ولم تكن تمتلك أي تخصيصات مالية خاصة بها، وأن كل ما كان يخصص سابقا ذهب إلى القطاع الصحي”.

ويشدد مسؤولون بيئيون على أهمية معالجة مصادر التلوث الحكومية أولا من مصافي ومستشفيات ومنشآت صرف صحي، بالتزامن مع ملوثات المصانع والأنشطة الخاصة، بتفعيل قوانين تغريم الأشخاص والجهات التي تلوث المياه.

المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، كان أكثر وضوحاً، بإعلانه في شهر أيار/مايو2023، عن خطة استثمارية أعدت في وزارته، ضمن الموازنة التشغيلية من البرامج الخاصة لمواجهة شح المياه (احد أسباب التلوث)، ضمت ثلاث توجهات، أولها “تنفيذ منشآت لخزن المياه والتركيز على صيانة السدود وتنفيذ بعض سدود حصاد المياه في المناطق الواعدة بالأمطار”.

والثاني، يتعلق بتنفيذ مشاريع مرتبطة بالري المغلق وتقنيات الري الحديثة مثل “نقل المياه عبر الأنابيب، وتوزيعات المياه بالأنابيب واستكمال وصيانة وتعزيز المشاريع المنفذة سابقا”، وأخيراً تنفيذ دراسات استراتيجية وتصاميم متعلقة بتحسين منشآت الري وتعزيز أعمال الري.

وعلى المستوى البرلماني، ذكر عضو لجنة الزراعة والموارد المائية غريب مصطفى، بأن لجنته خاطبت الحكومة بضرورة اتباع أساليب الري الحديثة، من أجل التغلب على مشكلة شحة المياه في نهري دجلة والفرات، وقال بأن 300 مليون دولار خصصت من ضمن الموازنة العامة للدولة “لشراء تقنيات ري حديثة بصورة مدعومة للفلاحين”. ويساهم ترشيد المياه وحسن استخدامها في تقليل نسب التلوث.

في شهر آب/ أغسطس 2023، اقترحت تركيا عبر وزير خارجيتها هاكان فيدان، تشكيل لجنة دائمة لمعالجة أزمة المياه، وذكر نظيره العراقي فؤاد حسين خلال مؤتمر صحفي مشترك عقداه في بغداد، أن الهدف من اللجنة سيكون للوصول إلى حصة عادلة من المياه للعراق. تلك الحصة في حال تحقيقها ستحسن جودة المياه في نهري دجلة والفرات.

مشاريع مقترحة

وفي الشهر ذاته، تم الإعلان عن قرار لمجلس الوزراء يقضي بالإسراع في انشاء محطة تحلية مياه البحر في محافظة البصرة استناداً الى أحكام المادة (2) من قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2023. 

وهو مشروع كانت قد أعدت دراستيه الفنية والاقتصادية شركة نمساوية أسمها ILF، منحت رئاسة الوزراء بموجب قرارها وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة ومحافظة البصرة حق التنسيق لتشكيل فريق من الفنيين لغرض مراجعة الدراسة والأسعار مع الشركة الاستشارية.وأيضاً صلاحية التفاوض مع ائتلاف الشركات لتنفيذ المشروع وتشكيل هيئة تنفيذية ووضع آلية مستدامة لإدارة وتشغيل وصيانة المشروع بعد استلامه.

غير أن خبراء ورغم تأكيدهم على أهمية المشروع، إلا أنهم يعدونه حلاً جزئياً لبقعة محددة ويشككون في امكانية تنفيذه ضمن سقوف زمنية معينة، واقترح العديد منهم حلولاً شاملة جذرية تغطي مساحة البلاد بأسرها.

منهم البروفيسور د. مروان متعب، الذي يقول بأن مشكلة العراق ليست في كميات المياه الصالحة بل بكيفية الحفاظ عليها بالتجميع والتقنين ومنع التبخر والتلوث، من خلال تبني مشروع يطلق عليه: “برنامج البنية التحتية الهيدروليكية الشاملة” المتمثلة بالسدود الصغيرة وأنظمة الري وشبكات مياه الشرب ومحطات الصرف الصحي والمياه الجوفية.

ويرتكز مشروعه على بناء نحو مئتي سد تخزيني صغير على طول نهري دجلة والفرات وروافدهما وشط العرب لزيادة أعداد المستفيدين من المياه المخزونة، والتي “ستنشر الاخضرار والازدهار لكافة أنحاء العراق وتنشيط الزراعة وتأمين الأمن الغذائي والمائي للعراقيين وتعالج في ذات الوقت مشاكل التلوث”.

ويعتقد د.مروان، بأن هذه السدود ستلبي متطلبات حصاد مياه الأمطار في العراق “بما لا يقل عن 8 مليار متر مكعب خلال سنوات الجفاف وتتضاعف في السنوات الممطرة”، ويبين السبب:”لان كافة الوديان وتفرعاتها في عموم العراق تصب مياهها في فروع و نهري دجلة والفرات وشط العرب مما سيخلق ثروات مائية متجددة تجمع في هذه السدود المتدرجة على طول وعرض العراق ولا تذهب الى الخليج خاصة في السنوات الممطرة.”

ويعمل المشروع على الاستغلال الأمثل في زراعة السهول الفيضية المحيطة بأنهار العراق كافة والبالغة مساحتها أربعة مليون دونم ذات الترب الخصبة جداً، وأيضاً استخدام وسائل الري الذكية وتوفير البنية التحتية من سكن و طاقة مستدامة وطرق و خدمات صحية وتعليمية في هذه السهول .

الى جانب إنشاء شبكة من أنابيب تصريف المياه الثقيلة ومحطات معالجة الصرف الصحي في مواقع السكن في السهول الفيضية وقرب السدود لمنع تلوث المياه السطحية والجوفية.

لكني الخبير المائي، يشدد على سرعة تنفيذ المشروع لمواجهة أزمة المياه وتلوثها، وأن تنفذه شركات عالمية رصينة عن طريق الاستثمار وبتوقيتات محددة “فالوقت يضيق والأزمات البيئية تتصاعد والتأخير سيعني تدهور بيئي قد لا يكون معالجته ممكنة”.

* انجز التحقيق ضمن مشروع “الصحافة البيئية” بدعم من منظمة “انترنيوز” وتحت اشراف شبكة “نيريج”

إقرأ أيضا