«دولاب بابل» مهدد بمخاطر إشعاعية يغطيها التكتم الإعلامي

رغم مضي أكثر من 20 عاما على آخر حرب خاضها العراق واستخدمت فيها أسلحة ومتفجرات محرمة دوليا لما تسببه من تلوث إشعاعي، ومع كل حملات تطهير المواقع المشعة، إلا أن المخاطر الإشعاعية ما زالت تهدد حياة وسلامة المواطنين في العديد من المدن، وآخرها منطقة الدولاب في محافظة بابل التي تضرب السلطات حولها جدارا سميكا من التكتم، في وقت يحذر المختصون من أن عدم معالجة مثل هكذا مواقع سيؤدي بطبيعة الحال إلى تداعيات خطيرة على صحة الإنسان والحيوان والزراعة والبيئة بشكل عام.

ويقول رئيس قسم البيئة في كلية العلوم بجامعة القاسم الخضراء، علي أكرم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التلوث البيئي والإشعاعي من أكبر المشاكل وأشدها خطورة على الحياة، وفي العراق خلال السنوات الأخيرة وجراء الحروب ودخول مواد وأجهزة غير خاضعة للفحص والمراقبة، انتشرت المناطق الملوثة بالإشعاع”.

ويضيف “خلال العقود الأربعة الماضية وحتى يومنا هذا، ازدادت المصادر المشعة في البر والبحر والجو بسبب الاختبارات النووية من قبل الدول العظمى، لذلك هناك الكثير من الدراسات والمسوحات الإشعاعية للهواء والتربة والصخور والمياه والغذاء وغيرها لقياس مستوى الجرعات الإشعاعية التي يتعرض لها الإنسان”.

ويشير إلى أن “ما تم اكتشافه في منطقة الدولاب جنوبي محافظة بابل قد يكون تربة ملوثة بسبب نقل مواد بناء أو تراب إليها من مواقع كانت ملوثة إشعاعيا، أو بسبب أجهزة مستخدمة مستوردة (بالة) هي بالأساس معرضة للإشعاع”.

ويؤكد أكرم “هناك توصيات مهمة يجب اعتمادها في تقليل مخاطر الإشعاع، وهي يجب إبلاغ القانطين بالقرب من المواقع الملوثة إشعاعيا بضرورة الابتعاد عنها، كما يجب القياد بمسوحات إشعاعية دورية لمعرفة ومقارنة النشاط االشعاعي في منطقة الدارسة وإعداد خرائط إشعاعية لنقاط الدراسة”.

ويعد العراق من بين أكثر الدول تلوثا بالإشعاعات النووية والكيمياوية وغيرها جراء الحروب التي خاضها طوال العقود الأربعة الماضية والتي استخدمت فيها أسلحة وذخائر مشعة ومحظورة دوليا، ما أدى إلى تلوث العديد من المواقع في مختلف المحافظات داخل المدن وخارجها، وتعد البصرة من أكثر المحافظات تلوثا تليها محافظات جنوبية أخرى والعاصمة بغداد.

بدوره يوضح رئيس لجنة البيئة والصحة في مجلس محافظة بابل، حسين الدهموشي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحديث عن وجود مصدر للإشعاع في منطقة الدولاب جنوبي بابل، بدأ عندما تم نشر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ومناشدة من إحدى العوائل قبل ثلاثة أشهر”.

ويرى أن “العمل تطلب جانبين، الأول هو الكشف عن مستوى الإشعاع وكتابة تقرير عنه، والثاني هو مرحلة المعالجة، وقد بدأ المختصون بالعمل على تحديد المكان، وما أشيع عن أن هذه المادة المكتشفة انشطارية فهو غير صحيح”.

ويتابع “في بادئ الأمر كان هناك نشاط إشعاعي كبير في المنزل المقصود وتم العمل على إزالته وتقليل خطورته وهذا كلف وقتا وجهدا كون عملية الإزالة تمت بنقل كميات من التربة وتعبئتها بأكياس خاصة ومن ثم إكساء المنطقة بالإسمنت لمنع تسرب الإشعاع”.

ويؤكد “تم إخلاء العائلة التي تقطن في المنزل وإخضاعهم للفحوصات الطبية وتم التأكد من سلامتهم، أما بخصوص التكتم الإعلامي فهو لمنع التهويل من قبل بعض الجهات، ولعدم تشتيت تركيز الفريق الذي يعمل بهمة عالية، وحصر التصريحات بالمختصين فقط”.

ويطمئن الدهموشي أن “الموضوع ليس بالخطورة الكبيرة وأنما هو تلوث حاله حال أي تلوث بيئي أو كيميائي يحدث في كل دول العالم، ويجب أن لا ننسى أن المواد المشعة جرى استخدامها في زمن النظام السابق، وعلى كل حال سنعلن المنطقة خالية من التلوث الإشعاعي”.

يشار إلى أن العراق انضم عام 2007 إلى معاهدة أوتاوا الدولية، وهي تطالبه بتطهير أراضيه من الألغام والمخلفات الحربية والمواد الإشعاعية، لكن لغاية الآن لم يجري تنظيف مناطق البلد بشكل كامل، وفي تشرين الأول أكتوبر 2009 بدأ مشروع نقل الأهداف الملوثة باليورانيوم من البصرة، بتمويل فيلق الإعمار الأمريكي، وبإشراف وزارتي البيئة والعلوم والتكنولوجيا العراقيتين، وتم نقل محتويات جميع المواقع الملوثة من داخل مركز مدينة البصرة، لكن المشروع توقف بعد عام على انطلاقه بعد تدخل مسؤولين في المحافظة بعملية إخلاء بعض المواقع لارتباطهم بعلاقات مع أصحاب مواقع تجميع سكراب الحديد.

إلى ذلك، يبين الأكاديمي في جامعة بابل بهاء حسين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “تم إجراء بحوث في جامعة بابل لثلاث مناطق داخل المحافظة والاستعانة بإحصائيات الإصابات بالأمراض السرطانية الموثقة من قبل دائرة صحة بابل للأعوام 2005 و2006 و2007، ووجدنا من خلال الدراسة ورغم من مرور عدة سنوات على الحرب، لكن ما زال هناك نشاط إشعاعي في بابل، وله علاقة وثيقة بازدياد الأمراض السرطانية والتشوهات وإمراض الدم وغيرها”.

ويشدد على أن “التعرض لكميات كبيرة من الإشعاع قد يؤدي إلى حدوث أمراض خلال ساعات أو أيام وينتهي بالوفاة خلال 60 يوما، وفي حالات التعرض لكميات كبيرة جدا من الممكن أن تحدث الوفاة خلال ساعات قليلة، لذلك يجب التعامل مع مناطق الإشعاع بحذر ولابد من إبعاد المواطنين عنها”.

وسبق للمتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة سيف البدر، أن كشف في شباط فبراير 2021، عن بلوغ المعدل السنوي للإصابة بمرض السرطان في العراق نحو 2500 حالة إصابة، بينها 20 بالمئة إصابات بسرطان الثدي، وقد حصدت البصرة أعلى نسب الإصابة بالسرطان بين عامَي 2015 و2017، فقد تراوح بين 400 و500 إصابة شهريا، لكنه ارتفع بنسبة تصل إلى 200 بالمئة تقريبا خلال 2018، وخلال عام 2020، بلغ معدل الاصابات في البصرة بين 600 – 700 إصابة.

إقرأ أيضا