التجريف «يخنق» النجف.. و«الزراعة» تواجهه بالدعاوى القضائية

عمليات التجريف المستمرة للأراضي الزراعية، بالإضافة إلى عوامل التغير المناخي، وحرمان العراق من حصصه المائية، أسهمت بالقضاء على المزيد من المساحات الخضراء في “أرض السواد”، ولأن النجف ليست بمنأى عن الظاهرة، فإن مديرية الزراعة أقامت دعاوى ضد مرتكبي حالات التجريف، كسبت بعضها والبعض الآخر في طريقه للكسب.

ويقول مدير زراعة النجف، منعم شهيد الفتلاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تجريف الأراضي الزراعية موضوع خطير ومعقد جدا في الوقت نفسه، وقد شمل أقضية ونواحي عديدة في النجف، حيث شهدت تجريفا واسعا لمساحاتها الخضراء”.

ويضيف الفتلاوي، أن “قضاء الكوفة (نحو 10 كلم شمال شرقي النجف)، شهد عمليات تجريف كبيرة طالت مئات الدوانم، ما اضطر مديرية الزراعة إلى رفع دعاوى قضائية على الأشخاص الذي يقومون بتجريف الأراضي، سواء كانوا من أصحاب العقود الزراعية، أو من لهم حق التصرف بهذه الأراضي، وبعض تلك الدعاوى اكتسبت الدرجة القطعية، والأخرى قيد الاكتساب”.

ويوضح أن “القانون حدد عدد المنازل ومساحات البناء المسموح بها داخل الأراضي الزراعية لصاحب العقد وأولاده، وهي أن لا تتجاوز مساحة المنزل 200 متر مربع لرب العائلة و150 مترا مربعا لكل منزل لأبنائه، كما لا يجوز بناء أكثر من أربعة منازل في حال كانت الأرض الزراعية مساحتها صغيرة، وكذلك حدد القانون أيضا أنه في كل 10 دوانم يحق للمستأجر بناء منزلين أو ثلاثة له ولأولاده، هذا بالنسبة لأصحاب العقود ومن لهم حق التصرف، أما إذا تجاوز المستفيد حدود القانون فتقوم مديرية الزراعة برفع دعوى قضائية ضده ولا يتم تجديد العقد له”.

وكانت وزارة الزراعة قد أخلت مسؤوليتها من عمليات تجريف البساتين وتحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكني أو تجاري، وقال مستشار الوزارة مهدي ضمد القيسي، في 23 أيلول سبتمبر 2019، إن أغلب عمليات التجريف وتحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية أو صناعية أو تجارية يتم خارج السياقات القانونية والموافقات الرسمية النافذة، مؤكداً أن “مسؤولية وزارة الزراعة هي إبلاغ السلطات المختصة والجهات التنفيذية لمنع استمرار هذه العمليات ومحاسبة المتجاوزين وفق القانون.

وعلى مدى سنوات، ساهمت الأوضاع التي مر بها العراق بانحسار الغطاء الأخضر، وأبرزها شح الأمطار وحرب المياه التي تشنها دول الجوار منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، ما أدى إلى تراجع الخطط الزراعية جراء الانخفاض الحاد في مناسيب مياه الأنهر، ما أنتج توسع ظاهرة الزحف الصحراوي إلى أراضٍ كانت في السابق حقولا ومزارع وبساتين، كما أن الحروب التي خاضها البلد لعبت دورا سلبيا في إبادة مساحات شاسعة كانت تغطيها مختلف أنواع الأشجار والنخيل وسط وجنوب البلاد، إلى جانب عمليات تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية وتجارية.

بدورها تؤكد الحاجة أم حاتم (51 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “لدي أرضا ورثتها عن أجدادي وترعرعت في زراعة هذه الأرض، حيث كنت أشارك إخوتي وأخواتي في زراعتها بالكثير من المحاصيل الشتوية والصيفية، بالإضافة إلى النخيل وتربية المواشي والأغنام فيها، وكانت إيراداتها جيدة جدا”.

وتوضح “أنا من سكنة ناحية العباسية التي كانت تسمى أبو شورى في النجف، ولدي خمسة إخوة وأربع أخوات وتبلغ مساحة أرضنا 47 دونما وهي مطلة على نهر الفرات، لكن بعد أزمة شح المياه اضطر إخوتي إلى البحث عن وظائف وأعمال أخرى وتركنا الزراعة التي لم تعد ذات جدوى، وبالتالي قمنا بتقسيم أرضنا وبيعها كقطع أراضٍ سكنية”.

يشار إلى أن تزايد أعداد الولادات في العراق انعكس سلبا على الأراضي الزراعية، وخاصة في المدن المكتظة التي لا تتوفر فيها مساحات كافية لتشييد مناطق سكنية، وقياسا بالدول النامية الأخرى، يعتبر معدل الولادات في العراق مرتفعا حيث تبلغ نحو مليون و100 ألف نسمة سنويا، ما يتطلب توفير مناطق سكنية وبنى تحتية لاستيعاب هذه الزيادة.

وبهذا الصدد، يشرح الخبير الزراعي، خطاب الضامن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وتيرة البناء في القطاع السكني ما زالت غير نشطة، وغير صالحة ولا فعالة، وخير دليل على ذلك ارتفاع أسعار العقارات في بغداد لمستويات تجعلها من بين الأغلى عالميا، وكذلك الحال بالنسبة لمحافظات البصرة ونينوى والنجف وكربلاء، فهذه المدن تشهد تجمعات سكانية كثيفة مما دفع المواطنين إلى التوجه نحو الأراضي الزراعية وتجريفها وتحويلها إلى سكنية”.

ويردف الضامن، أن “الكثير من المواطنين لا يعرفون أن تجريف الأراضي الزراعية وتحويل جنسها هو مخالفة يعاقب عليها القانون، وخصوصا الأراضي الزراعية القريبة من الأنهار، لذلك توسعت عمليات التجريف في النجف وغيرها من المحافظات”.

ويلفت إلى أن “الحكومة الحالية انتبهت إلى هذه المشكلة ولذلك قررت تمليك الأراضي الزراعية التي قام أصحابها بتحويلها إلى سكنية بعد أن أصبحت واقع حال لا يمكن تغييره، لكن هذا الأمر سينعكس سلبا على القطاع الزراعي”.

ويشدد على أن “الجهات المعنية سواء كانت مجلس الوزراء أو وزارات التخطيط أو الزراعة وغيرهما، عليها حل المشكلة جذريا، فأزمة السكن يمكن حلها من خلال توسيع مشاريع الاستثمارية لبناء مجمعات سكنية عمودية في المحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة”.

يشار إلى أن العالم يتعرض إلى موجة جفاف شديدة، ويعتبر العراق ضمن البلدان الخمسة المتضررة من التغير المناخي، حيث تقلصت نسبة المساحات المزروعة إلى أكثر من النصف، بينما يعاني 60 بالمئة من الفلاحين في العديد من المحافظات جراء هذا التقليص وفقا لاستطلاع أجرته منظمة “المجلس النرويجي للاجئين” غير الحكومية.

وكشف مسح أجراه المجلس أن دخل بعض المزارعين زاد في 2023 مقارنة بالعام 2022، وذلك بسبب هطول الأمطار بنسبة أعلى من التقديرات الأولية، ما أدى لتحسن معدلات المحاصيل، وخلال عام 2023، استمرت قضايا الحصول على المياه في التأثير على الإنتاج الزراعي، وفقا للمسح الذي أكد أن 6 بالمئة من المزارعين اضطروا لزراعة مساحات أقل من الأراضي أو لاستخدام كميات أقل من المياه بسبب أحوال الطقس القاسية في محافظات شمال البلاد نينوى، كركوك، صلاح الدين، وكذلك في الأنبار.

إقرأ أيضا