رقم «مرعب» للانتحار في ذي قار.. ما السبب؟

يقف محمد حسين (38 عاما) في مجلس عزاء أحد أقاربه الذي أنهى حياته شنقا داخل منزله بسبب أنه لم يتمكن من اجتياز النجاح في دروسه، ما منعه من الدخول في امتحانات الصف السادس الإعدادي الوزاري المزمع إقامتها في حزيران يونيو المقبل، الأمر الذي دفعه إلى الانتحار احتجاجا على ذلك.

وتعد حالات الفشل في اجتياز الامتحانات الوزارية للصفوف المنتهية “البكالوريا” حالة مصيرية لطلبة المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، للعبور من مرحلة دراسية إلى أخرى، وعادة ما تحدث أحيانا حالات انتحار بسبب الفشل في تحقيق النجاح بالامتحانات النهائية.

ويقول حسين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قريبي الراحل انتحر شنقا داخل منزله، لأنه لم يتمكن من اجتياز الامتحان الذي يؤهله إلى دخول الامتحانات النهائية من المرحلة الإعدادية إلى المرحلة الجامعية، وعاش في حالة صدمة حقيقة”.

ويضيف أن “المنتحر كان يعيش حياة مرفهة ومستوى معيشيا لا يدفعه للانتحار والتخلي عن الحياة المرفهة التي يعيشها لأي سبب من الأسباب، خاصة وأن عمره 18 عاما، فعدم دخوله في امتحانات بكالوريا السادس الإعدادي غير مبرر، ولكن يبدو أن هناك ثقافة جديدة بدأت تنتشر بين الشباب إذا لم يحصلوا على ما يريدونه”.

ووفقا للإحصائيات الرسمية، فإن قريب المتحدث حسين، هو واحد من بين 30 شخصا أقدموا على الانتحار منذ بداية العام 2024 وحتى شهر نيسان أبريل الجاري، من شريحة الشباب، وقبلها بعدة أيام وجدوا فتاة في سن 15 عاما أقدمت على شنق نفسها، لأنها رسبت في إحدى المواد الدراسية في المرحلة المتوسطة، وشخص آخر بقضاء سوق الشيوخ قام بالانتحار بحجة الوفاء لصديقه الذي انتحر قبل أيام لذا أقدم هو الآخر.

من جانبه، يوضح مدير مكتب الصحة النفسية الحكومي في ذي قار إبراهيم صفاء الصائغ، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حالات الانتحار تقف وراءها عدة أسباب، منها اجتماعية وعائلية وعشائرية وبعض الضغوطات التي تواجه طلبة المدارس وانتشار المخدرات”.

ويردف الصائغ، أن “أهم الأسباب هو ضعف التواصل الأسري مع الأبناء مما يضعهم في مستوى من التفكير والتأثر بشكل واضح في مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن وجود فيديوهات تحرض على الانتحار والتمرد ورفض القيم والمبادئ”.

وفي نهاية شباط فبراير الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة سيف البدر، إن الانتحار في العراق يمثل رابع أحد أسباب الوفيات عالميا للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 إلى 29 عاما، وأن الإحصائيات الرسمية لحالات الانتحار في العراق عدا إقليم كردستان، تشير إلى أنه في العام 2017 بلغت 178 حالة انتحار، و2018 بلغت 306 حالة، و2019 بلغت 316 حالة، و2020 بلغت 233 حالة، و2021 بلغت 364 حالة، و2022 بلغت 511، وأن أكثر الطرق المستخدمة في الانتحار هي الشنق والحرق واستخدام العيارات النارية وطرق أخرى، عازيا الأسباب إلى نفسية بنسبة 45-50 بالمئة، إضافة إلى اجتماعية وأسرية واقتصادية.

ويشرح مسؤول منظمة “التواصل والإخاء” الإنسانية، المعنية بحالات الانتحار، علي الناشي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القفزات الكبيرة في حالات الانتحار في غضون أيام معدودة تسجل تطورا خطيرا في تفكير شريحة الشباب إذا ما لاحظنا أن النسبة العالية هي من فئة دون سن الـ18 عاما، وهذا يعني أن شريحة كاملة من المجتمع تواجه التجهيل في كيفية التعامل مع الظروف المحيطة وكيفية الحفاظ عليهم هي مسؤولية الجميع عبر برامج تثقيفية توعوية تبين المشاكل وكيفية التعامل معها”.

يشار إلى أنه في الربع الأول من العام الحالي بحسب مصادر أمنية، سجلت قرابة الـ30 شابا أقدم على الانتحار، ومختصون يجدون أن عدة أسباب تقف خلف هذه الحالة التي بدأت تنتشر بشكل واضح منها الظروف الاقتصادية التي يمر بها الشباب، مع عدم توفير فرص عمل، وكثرة المخدرات، وعدم وجود ثقافة الحياة، وكيف يمكن للشباب أن يعيشوا تحت الظروف والتأقلم معها رغم قساوتها كما كانت في السنوات الماضية التي عاشها الآباء والأجداد، وأن الوازع الديني له سبب كبير في الحفاظ على الروح.

وأعلن وزير الصحة صالح الحسناوي مطلع العام الحالي عن إطلاق الإستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، الإستراتيجية تعطي دوراً لكل وزارة وكل قطاع إضافة إلى الجهات غير الحكومية المتمثلة بالإعلام والجهات الدينية والرموز المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني التي يجب أن تتضافر جهودها، وأن العراق يشهد في الفترة الأخيرة ارتفاعاً طفيفاً في نسب الانتحار بالعراق ولكنها ما تزال تحت المعدل العالمي بكثير.

إقرأ أيضا