سيارات «الوارد الأمريكي».. مليارات الدنانير تذهب لإقليم كردستان بسبب قرار

يشهد سوق السيارات ارتفاعا متواصلا بالأسعار منذ سنوات، إذ يرتبط ذلك بضوابط ورسوم دخولها عبر المنافذ الحدودية في جنوب ووسط وغرب العراق، في حين تبلغ التكاليف عند دخولها من منافذ إقليم كردستان أقل بكثير، ما شجع مستورديها إلى التوجه شمالا، وحرم الحكومة الاتحادية من مليارات الدنانير المتحققة عبر الجمارك والضرائب وغيرها من الرسوم.

وكان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، قد أصدر قرارا في 2016 بمنع استيراد السيارات المتضررة “وارد أمريكي”، ما اضطر مستورديها إلى اللجوء للمنافذ الحدودية في إقليم كردستان، واستمر الحظر في الحكومة التالية برئاسة عادل عبد المهدي، قبل أن يتم التراجع عن القرار في العام 2020 والسماح باستيرادها، لكن تم زيادة الضرائب والجمارك، الأمر الذي اضطر مستورديها إلى العودة مجددا للمنافذ الشمالية.

ويقول مهند المرسومي، وهو صاحب معرض لتجارة السيارات، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أسعار السيارات مرتفعة منذ عدة سنوات وحتى لو انخفضت سيكون ذلك بشكل طفيف جدا يتوقف على سنة صنع السيارة ومواصفاتها المتفاوتة”.

ويضيف المرسومي، أن “استيراد السيارات من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي (وارد أمريكي أو خليجي) فيه فوارق بالأسعار وسلامة الأوراق إذا كانت من المنافذ الشمالية أو الجنوبية، فهناك طرق احتيالية ومبالغ تجبى من قبل مجاميع تتاجر بعملية التخليص الجمركي للسيارات في موانئ البصرة ومنفذ طريبيل الحدودي، وهو ما لا يمكن حصوله في المنافذ الشمالية بإقليم كردستان”.

ويوضح أن “البصرة وطريبيل يعتبران الأكثر فائدة مالية بالنسبة لهذه الجماعات وحتى للمستوردين لأنهما يحققان ما لا يقل عن 2000 دولار كمبلغ فائدة في السيارة الواحدة، في حين إدخالها من منافذ إقليم كردستان قد لا يتعدى مبلغ 200 دولار كفائدة للمخلص أو المستورد في السيارة الواحدة”.

ويؤكد صاحب معرض تجارة السيارات، أن “استيراد السيارات عبر طريبيل والبصرة، كان قد توقف لأن مبالغ التخليص الجمركي أصبحت خيالية، وهناك ما دفع المستوردين للعزوف عن الوصول لتلك المنافذ واللجوء للإقليم فقط، إضافة للأخطاء الكبيرة في أوراق الاستيراد وتسجيل المركبات لكثرة دفع الرشاوى ما يتسبب بمشكلة لمشتري السيارة بعد فترة من الزمن عند رغبته بتحويلها وبيعها لشخص آخر”.

ويبين أن “الإجراءات في أربيل والسليمانية ودهوك واضحة جدا للمستورد، وتجري بخطوات ثابتة وسهلة جدا وفقا للقانون الصارم في الدوائر حيث لا يمكن الشك في أوراق تسجيل السيارة لأن وصولاتها تكون مطبوعة بالكومبيوتر ولا يتم كتابتها بخط اليد إطلاقا كما في يجري البصرة وطريبيل فتصبح غير مفهومة، إضافة إلى الفترة القليلة بتخليص وتسجيل السيارة في الشمال مقارنة بالأشهر الطويلة التي تستغرقها أبسط معاملة لسيارة مستورد عبر البصرة وطريبيل”.

ويلفت إلى أن “السيارات الشمالية أصبحت تمتاز بصفات حسنة كثيرة، لأن كل شيء فيها يأتي بالاطمئنان والسعر والتفاصيل الحقيقية، ولكن يقابل ذلك قلة في الربح بالنسبة للتاجر المستورد”.

ويشرح المرسومي “سعر التعرفة الجمركية 15 بالمئة من قيمة السيارة المستوردة في بلد المنشأ، وبهذا يختلف المبلغ بين سيارة وأخرى، في وقت يفترض أن هذه نسبة التعرفة موحدة بين المنافذ العراقية، لكن ذلك غير موجود على أرض الواقع”.

ويفصل مبالغ التعرفة الجمركية التي تفرض على السيارات “سيارة نوع بيكانتو موديل 2023 على سبيل المثال سعرها 10 آلاف دولار، وهي تعتبر الأرخص والأقل تعرفة مقارنة بسيارات أخرى أكبر وأحدث، وتكاليفها 1530 دولار كرسم جمركي، و231 دولار ضريبة الدخل، و15 دولار أجور الكشف، وثلاثة دولارات ثمن الاستمارة”.

ويطالب تاجر السيارات بـ”وضع حزمة ضوابط وحلول واقعية للمساواة بين المنافذ والآليات التي يتم العمل بها، وأيضا لكي ينتهي العزوف عن الاستيراد عبر منافذ البصرة وطريبيل (الأردن)، من خلال توحيد الجمارك (مع إقليم كردستان)، وتشديد الرقابة ودور هيئة النزاهة، وإكمال أقراص السيارات عبر الإنترنت بمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام كما في المحافظات الشمالية لأنها تستغرق 30 يوما في البصرة وطريبيل”.

يشار إلى أن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، قد وجه رسالة إلى الحكومة بضرورة إيقاف استيراد السيارات لمدة خمس سنوات بعد بلوغ عددها أكثر من ثمانية ملايين سيارة بنسبة ارتفاع بلغت 1.9 بالمئة خلال 2024 مقارنة بنسبة 1.8 بالمئة في 2023.

وفي نهاية العام 2022، قالت وزارة التخطيط، إن عدد السيارات في العراق وإقليم كردستان بلغ سبعة ملايين و460 ألف سيارة، في حين بلغ عددها سبعة ملايين و27 ألف سيارة عام 2021، مشيرة إلى أنه وبحسب إحصائية لها، هناك 126 سيارة لكل 1000 شخص، و127 سيارة لكل كيلومتر من الطرق المعبدة. 

من جهته، يرى المختص الاقتصادي، عبد الرحمن الشيخلي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأموال التي تجبى عبر الجمارك يفترض أن ترفد خزينة الدولة بإيرادات كبيرة، لكن لا يتم استغلالها في الموازنات المالية بسبب الفساد المستشري في جسد الدولة”.

ويبين الشيخلي، أن “التخبط في ملف التعرفة الجمركية بات يؤدي إلى إمكانية تسجيل بعض المواد المستوردة كمواد غذائية وهي ليست كذلك لأن الغذاء معفي من الجمرك، وكذلك مستورد السيارات الحديثة والمستعملة يتم التعامل معه كما يتعامل مع مستورد المكائن والمعدات الإنتاجية التي تعفى لكونها جزء من المشاريع الاستثمارية المخفف عنها الضرائب”.

ويختم بالقول، إن “التعرفة الجمركية للسيارات وغيرها من السلع والبضائع المستوردة تشكل أهم الروافد التمويلية للموازنات لو خلت من الفساد والرشوة، ومن بين الممارسات الفاسدة في هذا القطاع هي اعتماد قاعدة بيانات تشمل الجميع حيث أن مستورد المواد الغذائية والسكائر والخمور يعامل في التحاسب الجمركي حسبما يقدره موظف الجمارك في المنفذ الحدودي”.

ويحذر مختصون من استمرار الاستيراد العشوائي للسيارات حيث يسبب ذلك خسائر سنوية كبيرة للعراق نتيجة الاستهلاك الكبير للبنى التحتية في البلاد على مختلف الأصعدة، إضافة لمساهمتها بشكل مباشر في عرقلة الوصول المريح إلى مقاصد المواطنين يوميا نتيجة الاختناقات المرورية وضيق الشوارع، كما تساهم في خروج العملة الصعبة من العراق وهو ما يدخل في خانة الضرر الاقتصادي الأكبر للعراق منذ سنوات.

إقرأ أيضا