صدور الترجمة العربية لكتاب «العراق بعد 20 عاما»

صدر عن دار الرواق للنشر والتوزيع في بغداد، ترجمة كتاب “العراق بعد 20 عاما.. تأملات من الداخل على الحرب وتداعياتها”، الذي نشر بالإنكليزية عن المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) تزامنا مع ذكرى مرور 20 عاما على غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003، وهو من تحرير الدكتور ريناد منصور، وثناسيس كمبانيس، وتأليف مجموعة من الباحثين والأكاديميين.

يبحث الكتاب البحثي المهم في موضوعات كثيرة بهذه العناوين: عدوى الإفلات من العقاب، والنبوءة التي تتحقق ذاتيا بحرب دائمة في العراق، وحذار في الدخول.. حذار في الخروج، وأصوات مكتومة، وكيف هزت المعلومات الخاطئة الصحافة في العراق، وجنات عدن تُبعث من جديد، وخلل متعمد، ورد الفعل العنبف المناوئ لحقوق المرأة في إقليم كردستان، و قطاع الأمن في العراق، وفاعلية هشة، والرحلة الطويلة لعودة بابل إلى العراق، والفرص المُهدرة للإصلاح الاقتصادي، وعقدان من النضال النسوي في عراق ما بعد الغزو.

كتب مقدمة الكتاب بنسخته العربية عباس العنبوري- رئيس مركز رواق بغداد للسياسات العامة، يقول في جزء منها: “وما تقديمنا لهذا الجهد الذي قدمه خيرةُ الباحثين في شؤون العراق إلا رسالة نعرّف من خلالها رأيا قد نخالف احياناً ونوافقه احياناً اخرى. إلا ان حق الرد -دوما- مكفول في إطار البحث العلمي والأكاديمي”.

ويضم الكتاب بين دفتيه 168 صفحة من القطع المتوسط، وفيه تمهيد ومقدمة كتبها الدكتور ريناد منصور، وهو زميل أبحاث أقدم ومدير مشروع مبادرة العراق في تشاتام هاوس وكان محاضرا في الدراسات الدولية ومشرفا في كلية السياسة في جامعة كامبردج، وهو مؤلف مشارك في كتاب بالإنكليزية تحت عنوان “كان ياما كان في العراق” الصادر عن مكتبة بي بي سي ودار بنغوين للنشر في لندن لمواكبة السلسلة الوثائقية التي نالت الاستحسان الكبير.

في المقدمة المكونة من 13 صفحة تحت عنوان (الوعد بالديمقراطية) بتحدث ريناد منصور عن العوامل التي أثرت في بدايات تكوين وعيه السياسي وفهمه للوضع في العراق : “نشأتُ في المنفى، وعلى امتداد حقبة التسعينيات التقيت بالعديد من القادة السياسيين العراقيين المنفيين المعارضين لحكم صدام حسين في العراق، بمن فيهم أحمد الجلبي، الذي كان أحد أكثر الأصوات نفوذاً وشُهرة والذي لعب دوراً في إقناع الولايات المتحدة بغزو العراق، وأصبح فيما بعد رئيساً في إحدى دورات مجلس الحكم العراقي. كانوا يقولون لي: “أيُّ شخص أفضل من صدام”، وكانوا يشبّهون الرئيس العراقي بهتلر وستالين…”.

ويضيف:” كان لكلّ عراقي أعرفه فرداً من أسرته تضرَر بسبب نظام صدام حسين. وكان والدي منشقاَ سياسياً أُجبر على الفرار من العراق بأسماء مزيفة وجوازات سفر مزورة، وغالباً ما زار مسؤولون من الحكومة العراقية عائلته واستجوبوهم. لقد ساهمت هذه القصص في تكوين وعيي، أي تلك الحكايات المروّعة عن فساد صدام، والأحلام بمستقبل العراق المشرق ونهاية المنفى إذا ما رحل النظام”.

وفي مكان آخر يكتب:” لم تتخيّل سوى قلّة من المراقبين أن السنوات التالية لتغيير النظام ستتسم بالحروب الأهلية، وصعود جماعات الإبادة الجماعية مثل الدولة الإسلامية (داعش)، ونشوء وتأسيس نظام سياسي يغلب عليه طابع الفساد المستشري الذي أفسد الخدمات العامة الأساسية في البلاد”.

ريناد منصور

وتحت عنوان فرعي (عالقون في المنطقة الخضراء) يكتب ريناد منصور:” بعد سنوات من مكوثها خارج البلاد، بدأت عائلتي في العودة إلى العراق، وبمرور الوقت، أخذ واقع جديد في الظهور، وهو واقع يختلف جملة وتفصيلاً عن الصورة الوردية للحياة بدون صدام التي رُسِمت لنا في المنفى”.

ويضيف:” بغية تعزيز سلطتهم، بنى الحكام الجدد منطقة خضراء… لقد أرادوا أن يكونوا هم والحكومة الجديدة في مأمن من الآخرين في المدينة وعموم البلاد التي كانت في حالة فوضى بسبب انهيار القانون والنظام. توارى قادة العراق الجدد وداعموهم الأجانب خلف الجدران العالية المضادة للانفجار… وضع السياسيون العراقيون أيديهم على المنازل في المناطق الخاضعة للحماية الأميركية واستأجروا حرّاساً شخصيين للتنقل في سيارت مصفّحة عبر أرجاء البلاد”.

ويزيد: “… أخذتُ بطرح الأسئلة، وتحديداً عن الزعماء السياسيين المعارضين الذين تعرَّفتُ عليهم عندما كنتُ أصغر سناً: لماذا تحوَّل بعض الأشخاص الذين حاربوا الدكتاتورية طوال حياتهم إلى زعماء غير تمثيليين وفاسدين نأوا بأنفسهم عن المجتمع”. في البداية استولى عليَّ التفكير في هذه المفارقة، لكنّه دفعني إلى التمحيص والاستفسار والبحث، والعمل في نهاية المطاف على الخروج بفهمٍ أفضل لواقع الفشل في إعادة بناء العراق”.

وفي مكان آخر من المقدمة يكتب:” عمَّقت الزيارات العائلية إلى العراق اهتمامي بدراسة البلاد، وبعد أن أكملتُ اطروحة الدكتوراه، عملت في العديد من معاهد أبحاث السياسات، العراقية منها والدولية. كان بعض أعمالي أكاديمياً، مثل محاولة فهم طبيعة الدولة أو آليات اقتصادات النزاع. كان معظمها متعلقاً بالسياسات، وذلك في محاولة للإجابة عن أسئلة بشأن الفساد والصراع. كانت بعض تجاربي مثيرة للإهتمام، وقد ساهمت بقدر كبير في الإجابة عن الأسئلة التي دفعتني في البداية إلى الاستفسارات البحثية والألغام التي واجهتها لفترة طويلة”.

ثم يختتم تقديمه للكتاب، قائلاً:” لا يزال العراقيون يحاولون التعافي، وهم يعيشون في ظل نظام سياسي قمعي، وإن كان مختلفاً تماماً عن النظام الذي كان موجوداً قبل عام 2003. وهُم في حاجة إلى كل المساعدة التي يمكنهم الحصول عليها للتغلب على الأخطاء التي ارتُكبت في حقهم لعدَّة عقود. لكن ثمَّة حاجة إلى انتهاج مقاربة جديدة…”.

ولم ينس منصور، في خاتمة الكتاب أن يتذكر ويشكر صديقه وزميله الراحل عالم الاجتماع الدكتور فالح عبد الجبار، فيكتب:” لقد علَّمني فالح عبد الجبار دراسة العراق وساعدني على فهم دينامياته السياسية والاجتماعية المعقدة. كم أشعر يوماً بعد يوم بالفراغ الكبير الذي تركه”.

 

إقرأ أيضا