«ضربة القائم» تُؤزّم الأمن الإقليمي.. ماذا عن رد الفصائل؟    

يزداد الوضع الأمني العراقي والإقليمي تعقيداً مع ما وصف بـ”أعنف” ضربة وجهتها القوات الأمريكية نحو الفصائل العراقية الموالية لإيران في العراق وسوريا ليلة الجمعة.

وأكد مراقبون أن تداعيات هذه الضربة لن تتوقف على العراق، بل تؤزم دول المنطقة، من غير أن يستبعدوا شمول الجغرافية الإيرانية بالضربات،  وفيما تحدث مقرب من الفصائل المسلحة عن تعمد إرسال الأمريكان إخطاراً قبل الضربة تجنباَ لإلحاق أذى أكبر و”خشية” من رد الفصائل، كشف مراقب أردني حقيقة تورط مقاتلات أردنية في هذه الضربة.

ويقول مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الولايات المتحدة الأمريكية سبق أن أعلنت عن النية بتنفيذ مثل هذه الضربات منذ إصابة 3 جنود أمريكيين في قاعدة التنف، وهي ضربات انتقامية تستهدف العصب الحيوي للفصائل المسلحة، وهي كما أعلنت الولايات المتحدة أنها البداية، وربما تستمر موجة القصف لأيام أو أسابيع”.

ويجد فيصل أن “الوضع يذهب إلى أن يكون أكثر تعقيدا في حال استمرار الفصائل المسلحة في مواجهة القواعد الأمريكية في العراق والشرق الأوسط، وهو ينذر بأزمة ربما تتوسّع إقليميا خصوصا أن الحرب مشتعلة بين التحالف الدولي والحوثيين في البحر الأحمر من جهة، وهناك أزمة وتصعيد في جنوب لبنان وكذلك في غزة من جهة أخرى، والولايات المتحدة تضع نفسها الآن في مواجهة مع الحرس الثوري ومن يتحالف معه في العراق وسوريا”.

قصف جراحي

ولا يستبعد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية أن “تتمدد هذه الحرب نحو إيران، إذ قد تتخذ الولايات المتحدة أسلوب القصف الجراحي وتنتخب أهدافا لبعض المنشآت الحيوية كالبرنامج النووي أو مصانع ومخابئ الطائرات المسيرة ومصانع الأسلحة ومقرات الجيش داخل إيران، لكن هذا يرجع إلى مدى قدرة الأخيرة على احتفاظها بالهدوء، فحتى الآن أمريكا تكتفي بقصف أدوات إيران في العراق وسوريا وجماعة الحوثي، وإذا اضطرت إلى مواجهة إيران مباشرة، فهذا غير مستبعد”.

وعن الرد الإيراني، يجد فيصل أن “إيران لا تريد أن تذهب إلى حرب، وهي تدفع حتى الآن كلفا باهظة في هذه الحروب التي كلفت الاقتصاد الإيراني الكثير، فهي تمول جماعة الحوثي وحزب الله والفصائل، لذا هي لا تريد مواجهة جدية، كما أنها تخلت عن حلفائها منذ حرب غزة، واعتبرت أن منفذي الهجمات غير تابعين لها، فهي غالبا ما تحاول النأي بعيدا عن الحرب في المواقف الرسمية”.

وكانت القيادة المركزية التابعة للجيش الأمريكي قد أفادت، في وقت مبكر من صباح أمس السبت، أن قواتها شنت غارات جوية في العراق وسوريا استهدفت بها مواقع لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني وجماعات الميليشيات التابعة له، وقالت القيادة، إن القوات العسكرية الأمريكية ضربت أكثر من 85 هدفا مع العديد من الطائرات التي تضم قاذفات بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة.

ووفقا للبيان الأمريكي، فإن الضربات الجوية اُستُخدم فيها أكثر من 125 ذخيرة دقيقة التوجيه، مشيرا إلى أن الأهداف تضمنت مقرات قيادة وسيطرة، ومراكز استخبارات، ومخازن للصواريخ والمسيرات والذخائر والإمداد اللوجيستي تابعة للفصائل والحرس الثوري.

بموازاة ذلك، أكدت مصادر أمنية لـ”العالم الجديد” أن الوضع الأمني في قضاء القائم بأقصى غرب العراق “خارج سيطرة الدولة وقد تم تفعيل حالة الحرب من قبل القيادة الأمنية العليا”.

من جهته، يرى المحلل السياسي، علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه الضربة تعمق الصراع في المنطقة وتزيد من احتمالية التوتر، كما تؤثر على حالة الاستقرار التي تعيشها البلاد تحديدا في هذه المرحلة، وبيان الحكومة جاء بهذه الصيغة لاحتواء ردات الفعل التي قد تقوم بها الفصائل المسلحة”.

لكنه يستبعد أن “تنفذ الجماعات المسلحة عمليات انتقامية في هذه الفترة كونها في مرحلة تراجع، ولا يمكنها مواجهة الرد الأمريكي، لكن محتمل أن تكون هناك هجمات عندما يهدأ الوضع”، لافتا إلى أن “الوضع العراقي سيبقى أسيرا للفعل وردات الفعل، من قبل فصائل المقاومة والأمريكان، وسيستمر تبادل الهجمات ما لم يُصَرْ إلى حل داخل الأراضي الفلسطينية”.

وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، جون كيربي، أمس السبت، أنه تم إبلاغ الحكومة العراقية بالفعل قبل شن الهجمات الجوية.

لكن الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، نفى وجود تنسيق مسبق بين بغداد وواشنطن بشأن الضربات التي وجهتها القوات الأمريكية مستهدفة بها مواقع القوات الامنية في محافظة الأنبار غربي البلاد.

واستدعت وزارة الخارجية، أمس السبت، القائم بالأعمال المؤقت في سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد ديفيد بيركر احتجاجا على القصف، وتزامن ذلك مع دعوة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى اجتماع طارئ يضم القوى السياسية المشكّلة للحكومة، كما دعت رئاسة الجمهورية إلى اجتماع عاجل يضم الرئاسات، بينما قال البرلمان إنه سيعقد جلسة استثنائية بشأن القصف.

وارتفعت حصيلة الضحايا للضربات التي وجهتها قوات الولايات المتحدة لمواقع الحشد في محافظة الأنبار إلى 17 قتيلاً.

رد فعليّ

وفيما إذا كان هناك رد على هجمات القائم، يتحدث المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، عن أن “الفصائل قامت بالرد فعليا وأرسلت مسيرة إلى أربيل، وستكون هناك ضربات أخرى في عين الأسد وكذلك في سوريا”.

وأعلنت “المقاومة الإسلامية” في العراق، أمس، استهداف قاعدة “حرير” في أربيل بطائرة مسيّرة، ولم تذكر الفصائل عما إذا كان هذا الهجوم ردا على الضربة الأمريكية.

وعما يمكن أن تفجره هذه الضربات من صراع إقليمي، يجد المشعل أن “الموضوع مرتبط أكثر بالأراضي العراقية على نحو خاص، وأمريكا تطالب الحكومة بأن تكافح السلاح المنفلت التابع للميليشيات وهذه هي النقطة المستعصية على الحكومة لأن الفصائل خارج إرادتها وارتباطها بإيران مباشرة”.

ويتوقع أن تكون هناك “مبادرات من السوداني للتخفيف من حدة الصراع، لكن الأمر يبقى رهن التحديات التي هي خارج سيطرة السوداني”، لافتا إلى أن “الملامح العامة تؤشر حصول تطورات خطيرة في المستقبل إذا ما استمرت الضربات على مقار الحشد والفصائل المسلحة”.

وفي وقت سابق، تعرضت قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار لاستهداف من قبل فصائل عراقية، وذلك في أول رد فعل ميداني على الهجوم الأميركي الذي استهدف عددا من الأهداف داخل العراق وفي سوريا.

بدوره، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الفصائل علي فضل الله، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الضربة رغم قوتها ونوعية السلاح المستخدم فيها، لكن في الوقت نفسه أن الحكومة الأمريكية أخطرت الحكومة العراقية تجنبا لإصابة الفصائل لأن الولايات المتحدة تدرك إمكانية الرد القوي من قبل الفصائل”.

ويتوقع فضل الله أن “إخطار الأمريكان الاستباقي عن تنفيذ الضربة، لن يعفيهم من تلقي الرد، وقد يكون هناك رد قريب ومماثل من قبل تنسيقية المقاومة، ونحن الآن أمام حالة من الحرب بدأت بها أمريكا”.

بايدن “المحرج”!

ويشير في الوقت نفسه إلى أن “الخسائر في صفوف عناصر الحشد الشعبي ومن سقطوا من المدنيين جراء الضربة ستحمل الفصائل أمانة كبيرة للرد”، لافتا إلى أن “الوجود الأمريكي يدرك أنه لن يستطيع مواجهة الفصائل ليس في العراق فحسب بل في كل المنطقة، والرئيس الأمريكي جو بايدن بعد أحداث غزة محرج أمام الشارع الأمريكي وأقدم على هكذا ضربة في محاولة للهروب إلى الأمام وذر الرماد في العيون”.

ويأتي قصف الولايات المتحدة كرد على تعرض قاعدة عسكرية لها في الأردن لهجوم أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 40، وهو أعنف هجوم تتعرض له القوات الأمريكية منذ ثلاثة أعوام.

وخرجت بعض المعلومات، عن مشاركة سلاح الجو الملكي الأردني، في الضربات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة، ورجحت المعلومات، أن يكون ذلك رداً على هجوم الطائرات بدون طيار الذي وقع ضد قاعدة أميركية على الحدود الأردنية، والتي تعرف بـ”البرج 22″ في أواخر كانون الثاني يناير الماضي.

هل تورّط الأردن؟

من جهته، يؤكد المحلل السياسي الأردني حازم عياد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأخبار المؤكدة بأن من قام بالهجوم هي الولايات المتحدة عبر طائرات B1 وهي طائرات ذات مدى طويل أقلعت من تكساس وتزودت بالوقود فوق أوروبا من طائرات C 135”.

ويضيف: “لا يوجد هناك ما يثبت بأن الأردن شارك، ولا اعتقد أنه معني بالمشاركة في الهجمات خصوصا أنها داخل الأراضي العراقية، ولا بيان رسمي أردني أو أمريكي يؤكد هذه المشاركة”.

ويعتقد عياد أن “هناك محاولات لتوريط الأردن في هذا الصراع وهو ما يسعى الأردن لتجنبه، خصوصا أنه يملك علاقات جيدة مع الحكومة العراقية ولا يريد أن تتوتر، أما ما يتعلق بنشاط الأردن العسكري على الحدود الشمالية فهو يختص بمكافحة المخدرات خصوصا على جانب الحدود مع سوريا”.

ويأتي هذا قبل أن يعلن الجيش الأردني، أمس السبت، أن سلاح الجو الملكي الأردني لم يشارك في الغارات الجوية التي نفذتها القوات الجوية الأمريكية داخل الأراضي العراقية، وبحسب مصدر عسكري أردني مسؤول، فإنه “لا صحة للتقارير الصحفية التي تم تداولها حول مشاركة طائرات أردنية في العمليات التي نفذتها طائرات أمريكية داخل العراق، وأن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي تحترم سيادة العراق الشقيق”، مؤكدا “عمق العلاقات الأخوية التي تجمع الأردن مع الدول العربية كافة”.

إقرأ أيضا