عقارات بغداد.. سوق للأثرياء وحلم للفقراء

تسجل أسعار العقارات في العاصمة بغداد ارتفاعا مهولا منذ سنوات وبشكل تصاعدي ولم تستطع الجهات الرسمية تفسير الأمر، الا أن ما يحصل من صعوبة بالقدرة الشرائية بالنسبة للطبقات المتوسطة والفقيرة يشير إلى إمكانية خوض هذا الصعود بمجالات غسيل الأموال والكسب غير المشروع من قبل شخصيات متنفذة، كما افتقار بعض المناطق الواطئة الكلفة للبنى التحتية والخدمات الأساسية وفي المقابل أسعارها خيالية ويصل سعر المتر الواحد للآلاف الدولارات، يثير الكثير من التساؤلات بحسب مختصين.

وعلى الرغم من سلسلة الأزمات الاقتصادية التي مر بها العراق منذ بدء جائحة كورونا وحتى الآن، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر في سوق العقارات، ليحقق عمليات بيع وشراء كبيرة جعلته الأكثر جذبا لرجال الأعمال والأموال غير الشرعية التي تأتي من عمليات تهريب السلع والنفط وتجارة المخدرات وعمليات الفساد الإداري.

ويقول الخبير الاقتصادي بلال الحلبوسي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أسعار العقارات في العراق عموما وبغداد خصوصا تعتبر الأغلى على مستوى العالم إذ وصل سعر المتر المربع الواحد في بعض أحياء بغداد إلى نحو خمسة آلاف دولار”.

ويضيف الحلبوسي، أن “هذا الصعود يثير التعجب مع غياب وضعف الخدمات والتنظيم لهذا القطاع، خاصة إذا ما قارنا الأسعار بمدن تتفوق عليها في التصنيف العالمي للمدن المناسبة للعيش، والذي يعتمد على معايير الاستقرار، والبيئة، والبنية التحتية”.

ويتابع “هذه الظاهرة لها أسباب عديدة، تبدأ من الأسباب التنظيميّة مثل غياب البناء العمودي، أو الاقتصاديّة كعدم وجود سوق استثمار فعّال داخل العراق، وقلق المواطنين من المخاطرة في قطاعات أخرى ما يدفعهم بالتالي إلى الاستثمار في مجال العقار”.

ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن “من الأسباب أيضا ما تمثل في قرار تخفيض سعر صرف  الدينار العراقي، وما نتج عنه من تراجع ثقة المواطن بالقيمة الشرائية للعملة وبالتالي تجنب إبقاء الأموال مودعة في المصارف، والاتجاه لشراء العقارات كنوع من الضمان”.

ويعتبر أن السبب الأخير هو “الفساد الإداري وما ينجم عنه من ظاهرة الإثراء السريع، وظهور طبقة من الأثرياء الجدد، الذين تأتي ثروتهم من خلال تعاملات مع مؤسسات الدولة، ومن ثم يتوجهون إلى شراء عقارات بمبالغ كبيرة، كل ذلك يؤدي بالنهاية إلى ارتفاع الطلب، وبالتالي ارتفاع الأسعار على هذا النحو”.

يذكر أنه في آيار مايو الماضي أعلن البنك المركزي العراقي في بيان تلقت “العالم الجديد” نسخة منه، عن قيامه بالإشراف على بيع العقارات عبر المصارف بالتنسيق مع دوائر التسجيل العقاري لمنع غسيل الأموال، مشددا على أن بيع أي عقار تتجاوز قيمته 500 مليون دينار (ما يعادل 378 ألف دولار)، ستكون مشروطة بوضع الأموال في المصارف وإعطاء إشعار لدائرة تسجيل العقاري قبل البدء بمعاملة نقل الملكية.

من جانبه، يفسر المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، نبيل الصفار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، الارتفاع الحاصل بأسعار العقارات، بأنه “نتيجة لعدم وجود مدن سكنية كبيرة واطئة الكلفة تستقطب أعدادا كبيرة من السكان بعيدا عن المنازل في الأحياء والمناطق المكتظة”.

ويؤكد أن “السيطرة على صعود الأسعار هو أمر خارج عن صلاحيات الوزارة، فالمتاجرة بالعقارات حصلت لوجود حاجة كبيرة للسكن مع رؤوس أموال كبيرة وهو ما تسبب في صعود الأسعار بشكل مبالغ به في بغداد على وجه الخصوص”.

ويوضح الصفار أن “إكمال المدن السكنية الجديدة التي تم الإعلان عنها هو نقطة رئيسية ستؤدي إلى انخفاض الأسعار الحالية للعقارات، إذ سقتوم بجذب آلاف المواطنين الراغبين بالحصول عليها لوجود خدمات متكاملة من كل الجوانب مقارنة بالعيش في أحياء العاصمة المزدحمة منذ سنوات”.

وينبه إلى أن “زيادة أسعار العقارات من أسبابه ارتفاع كلف البناء والمواد الإنشائية وزيادة الطلب عليها مع وجود النهضة العمرانية بمختلف القطاعات”.

يشار إلى أن الصعود الخيالي في أسعار العقارات، يأتي بوقت يتراوح فيه متوسط دخل الفرد العراقي بين 400 إلى 500 دولار في الشهر، بحسب مسح نشر في 2022 لمنظمة العمل الدولية بالتعاون مع السلطات الحكومية وهو ما ينفي إمكانية إقبال الطبقتين المتوسطة والفقيرة على شراء عقارات وصلت أسعار المتر الواحد فيها إلى آلاف الدولارات، بحسب المكاتب العقارية.

من جهته، يبين صاحب شركة “الميسرة” للوساطة العقارية في بغداد، علي المولى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سعر المتر الواحد في منطقة اليرموك يتراوح بين 4 آلاف إلى 20 ألف دولار، اما في المنصور فيصل إلى 15 الف دولار، والجادرية تبدأ أسعارها من 3 آلاف إلى 13 ألف دولار، وفي الحارثية وصلت الأسعار ما بين 5 آلاف إلى 15 ألف دولار”.

ويتابع “الأسعار في منطقة حي الجامعة ليست بالبعيدة أيضا فقد تراوحت بين 2500 إلى 11 ألف دولار، أما في البياع فهو الأقل حيث بلغ سعر المتر مليون دينار إلى مليوني دينار، وعلى غراره حي العامل الذي يتراوح فيه سعر المتر بين 750 ألف دينار إلى مليون دينار”.

ويستطرد المولى “مناطق النفط، والملحانية، والأساتذة، والشرطة الرابعة والخامسة، إضافة لمنطقة سويب، والرسالة الثانية، وحي الإعلام، وكفاءات السيدية، والمعالف كلها تتراوح أسعارها بين 750 ألف دينار إلى مليون ونصف المليون دينار للمتر الواحد وهي الأنسب”.

وفيما يخص مناطق جنوبي بغداد، يقول المولى، إن “منطقة الدورة يتراوح السعر فيها بين 900 ألف إلى مليون ونصف المليون دينار وبفرق بسيط بين حي وآخر، في حين تعتبر مناطق الرصافة عموما أرخص مقارنة بالكرخ، لكن باستثناء زيونة والكرادة والجادرية فهي تشهد صعودا كبيرا لا يقل عن الكرخ ومناطقها الراقية”.

ويؤكد أن “الخدمات لا تشكل فرقا بين كل المناطق المذكورة، فالكهرباء هي بنفس المستوى حتى مع نظام الخصخصة فهي تنهار في أوقات الحر الشديد، أما بالنسبة لخدمات الشوارع فهي ذاتها في كل مكان بين متوسطة وضعيفة”.

ويرى المولى أن “الصعود في الأسعار سببه ضخ الأموال في هذا القطاع من قبل التجار وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والشركات حيث لا يوجد ضوابط صارمة لمراقبة أصول تلك المبالغ بشكل حقيقي”.

الجدير بالذكر، فقد كان العراق على مدى سنوات عدة، من ضمن قائمة الدول شديدة المخاطر في مجال غسيل الأموال، إلا أن الحكومة العراقية أعلنت في التاسع من كانون الثاني يناير 2022 رفع اسم البلد من قائمة الاتحاد الأوروبي للدول ذات المخاطر العالية في مجالي مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وعالميا، وبحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي، يتراوح حجم الأموال المتداولة في عمليات الغسيل بين 950 مليارا و1.5 تريليون دولار، إذ يحتل العراق موقعا متقدما بين الدول التي يتفشى فيها غسيل الأموال، وإضافة لذلك فقد ورد في تقرير للجنة المالية النيابية في العام 2015 أن العراق يعد من بين أكثر 6 دول فسادا في العالم، وأن رموز هذا الفساد هي مصارف، وشركات، وشخصيات زورت وثائق لتهريب مبالغ مالية ضخمة نحو عدة بلدان.

إلى ذلك، يقول المختص في إدارة الأزمات الاقتصادية علي جبار، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، إن “أسواق العقارات في العراق لا تخضع لغير الفوضى والجشع، وارتفاع الأسعار من أسبابه قروض المصارف الحكومية والأهلية وسماسرتها، وارتفاع أسعار وجشع المجمعات السكنية غير المنتظمة، إضافة إلى عمليات تبيض الأموال للفاسدين واللصوص بشراء العقارات بشكل عبثي أحرق معدلات الأسعار في بغداد تحديدا، فضلا عن تجاوزات عصابات العقارات من خلال سرقة أملاك الدولة والخاصة”.

ويضيف “العقارات في العراق أصبحت رغم بؤس ورداءة الخدمات وواقع البلد المتخبط، الأغلى في العالم، ومحاولات الحكومات الحد من هذا الغلاء الفاحش غير صحيحة وبائت بالفشل، حيث أصبح المتحكم هو الاضطرابات والمزاجية التي تبحث عن الأرباح الفاحشة”.

وتُعرف عملية تبييض أو غسيل الأموال بأنها تحويل الأموال الناتجة عن ممارسة أنشطة غير شرعية إلى أموال تتمتع بمظهر قانوني سليم. أما تعريفها القانوني فهو “قبول الودائع أو الأموال المستمدة من عمل غير مشروع أو إجرامي وإخفاء مصدرها أو التستر عليها.

وفي العام 2007، أنشأت الحكومة العراقية مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ضمن هيكل البنك المركزي، وأعيد تشكيله عام 2015 بعد صدور قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015.

إقرأ أيضا