«لا أمن» في العاصمة.. حلقة جديدة من مسلسل الكواتم

حلقة أخرى من مسلسل اغتيال البلوغرات ومشاهير السوشيال ميديا ضحيتها (أم فهد) هذه المرة، التي تركتها رصاصة كاتم من قاتل مجهول صريعة خلف مقود سيارتها وسط العاصمة بغداد، مساء أمس الأول الجمعة.

وأثارت هذه الحادثة تساؤلات عديدة حول أمن العاصمة الذي يشهد “هشاشة” وضعفا في الإجراءات وتكرارا في الاغتيالات، وبحسب مراقبين أمنيين طالبوا بضرورة تغيير القيادات الأمنية في الرصافة، فيما حذروا من أن الفشل في كشف الجناة يسمح بتكرار هذه الحوادث.

ويقول مدير مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والاستراتيجية اللواء الركن المتقاعد عماد علو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عودة حوادث الاغتيال ضد الشخصيات المشهورة، يعد خرقا أمنيا كبيرا خاصة، وأن عمليات الاغتيال تتكرر بالمشهد نفسه دون أي رادع أمني، وهذا يؤكد وجود هشاشة بالإجراءات الأمنية”.

ويضيف علو، أن “من الضروري إجراء تغييرات على مستوى القادة الأمنيين في بغداد، بسبب تكرار هذه العمليات وعدم القدرة على كشف الجناة، خاصة وأن حوادث الاغتيال عبر الدراجات النارية تتكرر بين حين وآخر، وعدم كشف الجناة سيؤدي إلى استمرار هذه الجرائم خلال المرحلة المقبلة”.

ويتابع أن “تكرار حوادث الاغتيال بهذه الصورة ودون كشفها، يؤشر أن هذه العمليات تتم وفق أجندة سياسية أو قضايا فساد مختلفة، وهذا يزيد من القلق والرعب لدى الشارع العراقي، وبالتالي الجهات الأمنية العليا مطالبة بإجراءات حقيقية وسريعة، خاصة بما يتعلق بتغيير القيادات الأمنية”.

وفي مشهد صادم، شهدت ليلة الجمعة، مقتل البلوغر غفران مهدي سوادي الشهيرة بـ”أم فهد” في حي زيونة وسط العاصمة، بعدما حاصرها مسلح على دراجة نارية، كان يختبئ متربصا، قبل أن يتوجه نحو سيارتها، ويفتح الباب ويفرغ رصاصه بداخلها، فيما قام بسرقة هاتفها، ثم هرع مسرعا إلى دراجته وفر هاربا، كما وثقت كاميرات المراقبة في محل الحادث.

وتناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، صور الحادث بشكل واسع، فيما ربطوه بخلافها الأخير مع الإعلامية داليا نعيم، إذ هددت أم فهد، الإعلامية نعيم، بنشر فيديوهات وصور لها ومعلومات تخص قادة وسياسيين ومسؤولين رفيعي المستوى بالعراق، أبرزهم اللواء سعد معن.

وفجر 7 نيسان أبريل الجاري، تعرضت الإعلامية داليا نعيم هي الأخرى، إلى محاولة اختطاف لم تتضح تفاصيلها حتى الآن، إلا أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن الخاطفين قرروا إلقاءها من السيارة، حيث أصيبت بعدة إصابات.

من جهته، يبين الخبير في الشأن الأمني أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عمليات الاغتيال متكررة وبنفس الطريقة وبنفس الإخفاق الأمني في كشف الجناة ومن يقف خلفهم، يتطلب إجراءات أمنية كبيرة بالتغيير داخل المنظومة الأمنية، التي ثبت إخفاقها في الحد من هكذا عمليات، خاصة وهي تحدث في مناطق محصنة أمنيا ومتابعة ومراقبة بكاميرات عدة”.

ويوضح الشريفي، أن “كل الأسباب ورادة بقضية اغتيال أم فهد وكذلك باقي عمليات الاغتيال للشخصيات المعروفة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، لكن تبقى هذه الأسباب مجهولة بسبب عدم قدرة الجهات الأمنية في كشف تفاصيل تلك الجرائم ومن يقف خلفهم وما هي الأجندة التي تحملها عمليات الاغتيال”.

ويتابع أن “الوضع الأمني ببغداد هش، فعمليات الاغتيال دائما ما تكون في الرصافة وكذلك النزاعات العشائرية والجرائم المنظمة الأخرى، والعملية الأمنية الأخيرة في منطقة البتاوين وسط بغداد كشفت فقدان الأمن بأهم وأبزر مناطق بغداد لسنوات طويلة دون أي إجراء أمني حقيقي تجاه تلك العصابات”.

ويبدو أن مسلسل اغتيال مشاهير البلوغرات ومشاهير السوشيال ميديا مستمر في بغداد، إذ أعاد مقتل أم فهد إلى الأذهان حوادث مماثلة جرت مؤخرا وارتبطت بمؤثرين وبلوغرات على شبكات التواصل الاجتماعي، وكان آخرها مقتل صانع المحتوى نور الصفار المعروف بـ”نور بي أم”، كذلك نجت شاهندا وزوجها حسين التوكتوكر العراقي من محاولة اغتيال بـ20 رصاصة في منطقة الدورة جنوب بغداد، وهي الحالة الوحيدة التي تم إلقاء القبض فيها على الجاني مع سلاح الجريمة، فيما أفلت معظم المتورطين من فعلتهم.

وقبل ذلك تعرضت العديد من المؤثرات والشخصيات المشهورة على وسائل التواصل الاجتماعي لحوادث مماثلة، من بينهن المدل المشهورة تارا فارس، والوفيات الغامضة لرفيف الياسري ورشا الحسن في العام 2018.

وغالبا ما يبقى القاتل مجهولا إزاء هذه الحوادث، إذ اكتفت وزارة الداخلية بإصدار بيان مساء الجمعة، أعلنت فيه تشكيل “فريق عمل مختص لمعرفة ملابسات مقتل امرأة معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي على يد مجهولين في منطقة زيونة بالعاصمة بغداد”.

إلى ذلك، يبين المحلل السياسي محمد علي الحكيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “جميع عمليات الاغتيال لها أجندة سياسية مختلفة، وبالتالي دائما ما نرى أن الجناة لا يتم الكشف عنهم ولا يتم كشف أسباب الجرائم، وحادثة اغتيال أم فهد ستبقى التحقيقات فيها مستمرة دون نتائج كحال باقي عمليات الاغتيال السابقة”.

ويوضح الحكيم، أن “اغتيال أم فهد بهذا التوقيت ومع تهديدها بكشف منظومة فساد وابتزاز من الضباط وغيرهم، يثير الشكوك، وهذا يؤدي لغموض بهذه العملية، كما أن منفذ العملية وبحسب الفيديو هو صاحب خبرة بهذا المجال ومدرب بشكل جيد، وهو ليس من القتلة المأجورين”.

ويستدرك أن “تغيير المسؤولين ضمن قادة المسؤولية التي حدثت فيها جريمة الاغتيال أمر مهم، كما يجب أن تتحمل تلك القيادات مسؤولية أي إخفاق أمني، حتى يكون هناك تشديد من قبلهم بمسك الملف الأمني، خاصة وأن بعض القيادات منشغلة بملفات غير أمنية وهذا سبب هشاشة الوضع الأمني بشكل أكبر”.

يذكر أن غفران مهدي سوادي، المعروفة باسم أم فهد، كانت تحظى بشعبية كبيرة على موقعي التواصل الاجتماعي “تيك توك” و”إنستغرام”، حيث كانت تنشر مقاطع مصورة لها وكان يتابعها عشرات الآلاف من المستخدمين.

وفي شباط فبراير 2023، حكم عليها بالسجن ستّة أشهر، لإقدامها على “نشر أفلام وفيديوهات عدّة تتضمّن أقوالاً فاحشة ومُخلّة بالحياء والآداب العامّة، وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

إقرأ أيضا