ما تأثير استهداف الفصائل العراقية لـ”العمق الإسرائيلي”؟

باتت صواريخ ما تسمى بـ”فصائل المقاومة” العراقية وطائراتها المسيرة تصل إلى إسرائيل مباشرة، ضمن إطار الحرب الدائرة في غزة، وهو مؤشر وصفه خبراء أمنيون بالخطير، بسبب تداعياته على العراق.

وفيما يصف الخبراء أن هذه الضربات بأنها تمثل “نقلة نوعية”، هدفها توحيد ساحات الحرب للضغط على إسرائيل وتخفيف الحرج عن حكومة السوداني، حذر آخرون من مغبة تأثيرها على العراق والتصعيد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، في الوقت الذي قللوا فيه من تأثيرها على إسرائيل.

ويجد الخبير الأمني عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العمليات التي قامت بها الفصائل العراقية مؤخرا لضرب العمق الإسرائيلي، ربما تكون للتمويه عن حقائق أو غطاء لأهداف أخرى، وهذا مؤشر خطير قد يكون بوابة كبرى للدخول الأمريكي إلى العراق مستقبلاً”.

ويضيف الكناني أن “البلاد تعيش في وضع حرج جداً، فالاحتلال الأمريكي والوجود الأجنبي من الدول الإقليمية والغربية له موطئ قدم في الأرض العراقية، وهناك تلاعب بالقرار العام، والعراق محور صراع شرس بين هذه الأطراف وساحة لتحقيق المغانم، لذا فإن هذه الضربات لن تزيد الأمور إلا سوءاً”.

ويشكك الكناني، بـ”قضية الاستهداف المتكرر للجولان خلال الفترة الماضية من قبل المقاومة العراقية”، مذكّرا بأن “العراق ضرب إسرائيل في عمقها بـ15 صاروخا في عهد النظام السابق، ولم تكن ذات أضرار مباشرة، ثم تحملت البلاد وزرها لاحقا”.

ويدعو الكناني إلى “النظر للأمور بنظرة واقعية، لاسيما من تلك الجهات التي تدعي الوطنية لكنها في الحقيقة تتعامل سراً مع المحتل”، محذرا من أن “مثل هذه الخطوات تعطي ذريعة للأمريكان والصهاينة بالتدخل، أو بسط النفوذ مستقبلاً في البلاد”.

ولأكثر من مرة، أعلنت الفصائل العراقية قصف مدينة إيلات الإسرائيلية، مؤكدة إنّ هذا الاستهداف “نصرة لأهلنا في فلسطين، وثأرًا للشهداء”.

وفي 28 ديسمبر كانون الأول الماضي تبنى فصيل عراقي، عملية استهداف مركز “تجسس فني” جنوب مستوطنة “إيلي-عاد” الإسرائيلية جنوبي الجولان، وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أشارت إلى سقوط طائرة مسيرة مفخخة، في الوقت نفسه، في هضبة الجولان، قالت إنها “انطلقت من سوريا”، كما أعلنت الفصائل في اليوم نفسه تنفيذ هجوم على مستوطنة إلياد في إسرائيل.

نقلة نوعية

في المقابل، يصف الخبير الأمني، عقيل الطائي، ما قامت به “فصائل المقاومة” مؤخراً بـ”النقلة النوعية”، ويؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفصائل سعت إلى هذه الضربات خلال الفترة الماضية بالإضافة إلى ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة لتخفيف العبء على الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة وهي تأتي ضمن نطاق الحرب غير المتوازنة التي تجري حاليا في فلسطين”.

ويوضح الطائي أن “ما يحدث في غزة جرائم مروعة، وهي وصمة عار في جبين الإنسانية، كما أن الحرب لم تحقق هدفا حيويا حتى يومنا هذا”، لافتا إلى أن “هناك مصالح أمريكية وإسرائيلية في المنطقة والعالم، وهذه المصالح تبنت أطراف المقاومة استهدافها نصرة للشعب الفلسطيني”.

ويشير إلى أن “الهجمات ضد القواعد الأمريكية بأربيل أو البغدادي (عين الأسد) شكلت من جانبها بعض الضغوط  على أمريكا، وحتى على حكومة السوداني، التي تمتلك اتفاقات مسبقة مع الفصائل العراقية بعدم وضع الحكومة الحالية بموقف الحرج مع الأطراف الأمريكية”.

ويتابع أن “التمسك بضرب المصالح الأمريكية داخل العراق قد يضع البلاد في وضع مربك بأي لحظة بسبب تأثير الولايات المتحدة، وبسبب هذه التراكمات، حصلت نقلة نوعية من جانب المقاومة العراقية تمثلت بالاستهداف المباشر للأراضي الإسرائيلية من خلال استهداف مواقع إستراتيجية مثل ميناء ايلات الإسرائيلي المعروف، بالطائرات المسيرة”.

ويكمل الطائي، أن “هذه النقلة تكمن أهدافها بتشتيت وإرباك الوضع الإسرائيلي وتوسعة الجبهات معه، لكن تبقى هذه الضربات ذات تأثير أقل من ضرب القواعد الأمريكية داخل العراق وسوريا، وليست بذات التأثير الذي سببته الصواريخ الحوثية في البحر الأحمر، لكنها في المجمل نقلة نوعية في الحرب ضد إسرائيل، لعدم إحراج الحكومة العراقية مع أمريكا، في الاستمرار بضرب القواعد الأمريكية”.

وتشعر بغداد بالحرج إزاء الضربات الموجهة إلى القواعد والمصالح الأمريكية في العراق، والتي تقع تحت حمايته، وقد حاولت مرارا إنهاء هذه الهجمات لكن دون جدوى.

وفي تشرين الثاني الماضي، توجه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى طهران “صديقة الفصائل” لتنسيق المواقف بشأن أحداث الحرب في غزة، وأكد مراقبون لـ”العالم الجديد”، أن السوداني حاول الحصول على دعم إيراني لتهدئة الفصائل المسلحة ومنع التصعيد ضد المصالح الأمريكية، وأشاروا إلى أن رئيس الحكومة حمل رسائل وتحذيرات واشنطن إلى طهران.

من جانبه، يرى المحلل السياسي صلاح الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عمل المقاومة العراقية الحالي بتوجيه ضربات مباشرة إلى إسرائيل بالطائرات المسيرة والصواريخ لا يختلف عن نشاط أنصار الله الحوثيين في اليمن، عندما ربطوا استهدافهم للبواخر في عرض البحر الأحمر بالعدوان على غزة، فانتهاء هذه العمليات مرتبط بنهاية العمليات الإسرائيلية في غزة”.

وعما إذا كانت هذه العمليات بديلا عن استهداف القوات الأمريكية في العراق، يذكر الموسوي أن “ما قامت بها الفصائل العراقية باستهداف العمق الإسرائيلي، لا يمكنه أن يكون بديلا عن استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، حيث لا تزال صورايخ المقاومة تصل لعين الأسد وحرير وكذلك المنشآت الأمريكية في سوريا، في الوقت الذي تنطلق الهجمات ضد العمق الإسرائيلي”.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكدت منتصف الشهر الماضي أن القوات الأميركية في سوريا والعراق تعرضت لـ97 هجوما بالصواريخ والمسيّرات بين 17 تشرين الأول أكتوبر الماضي، وحتى 13 كانون الأول ديسمبر الماضي.

يذكر أن الفصائل المسلحة لم تتوقف عن استهداف القواعد الأمريكية في العراق، وخاصة قاعدة حرير في أربيل، بل استهدفت أيضا بعض مواقع قوات البيشمركة بطائرات مسيرة، ما دفع سلطات إقليم كردستان إلى طلب الحماية من واشنطن.

بدوره، يؤكد الخبير الأمني المختص، عماد علو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه العمليات رد على انتقال إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لمرحلة الاغتيالات عبر الطائرات المسيرة التي استهدفت قيادات المقاومة سواء في العراق وسوريا ولبنان أو في فلسطين ذاتها”.

ويضيف علو أن “العمليات ضد إسرائيل تأتي انطلاقاً من إستراتيجية وحدة الساحات، فهناك مرحلة جديدة بالنسبة لأطراف المقاومة، إذ بدأت بقصف مكثف لقاعدة ماروني الجوية في إسرائيل بعشرات الصواريخ انطلقت من لبنان مؤخراً، وأيضا هناك رد متزامن بقصف قواعد أمريكية في العراق وسوريا، كما نلاحظ أن المقاومة العراقية استخدمت صاروخا بالسيتيا جديدا في قصف إسرائيل بالمباشر”.

ويحذر الخبير الأمني، من أن “هذا التطور ستتبعه ردود فعل كثيرة، لأن العراق بحسب قرارات الأمم المتحدة والخاصة بالفصل السابع التي لا يزال العراق تحت بعض بنودها، فإنه لا يمكنه أن يمتلك صواريخ متوسطة أو بعيدة المدى، وهذا سيعطي مبررات لأمريكا وإسرائيل أن يصعدوا من العمليات الفصائل خلال الفترة المقبلة”.

ولا يجد علو أن خطوات المقاومة الحالية ضد إسرائيل “مكيدة للعراق”، من أجل عودة القوات الأمريكية مرة أخرى، لأن “هذه القوات تتواجد أساسا في العراق وهي قوات متعددة تحت غطاء التحالف الدولي”، مشيرا إلى أن “هذه الأحداث مرحلة جديدة من التصعيد، والفصائل صرحت سابقا بأن لديها مفاجآت وأسلحة متطورة تعلن عنها في الوقت المناسب وربما هي قادرة على الوصول إلى عمق إسرائيل”.

لكنه يشير إلى أن “المقارنة بين الجانبين غير متكافئة، لأن أمريكا إلى جانب إسرائيل وهم يمتلكون السيطرة والتفوق جوياً ولديهم أسلحة تدميرية عالية ومعلومات استخبارية دقيقة بمناطق الانفتاح القتالي لدى جميع فصائل المقاومة، وهم يختارون المكان والزمان المناسبين لتوجيه الضربات وهذا ما لاحظناه في عملية اغتيال القادة في الحشد الشعبي مؤخرا وسط العاصمة بغداد”.

ودخل الصراع في المنطقة والعراق تحديدا، مرحلة جديدة من خلال تغير “قواعد الاشتباك”، التي شهدت استهداف قيادي بحركة النجباء وسط بغداد، وهي خطوة ربطها مراقبون بالوضع الداخلي الأمريكي، وبحسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يحاول كسب تأييد “اللوبي اليهودي” مع قرب الانتخابات الرئاسية، في ظل ما توفره الفصائل المسلحة من أرضية صلبة لتصاعد النزاع. 

يشار إلى أنه ومنذ منتصف تشرين الأول أكتوبر الماضي، تخوفت دول غربية وإقليمية من توسع الصراع في المنطقة، لاسيما مع دخول حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن على خط المواجهات بين إسرائيل وحركة حماس.

إقرأ أيضا