ما سر عدم تحويل قصر صدام في بابل إلى متحف؟

اشتهر رئيس النظام العراقي السابق بكثرة القصور التي شيدها في بغداد ومختلف المحافظات، وكان أحدها في مدينة بابل الأثرية في محاولة منه لتقليد الملك التاريخي الشهير نبوخذ نصر حيث تم تشييده على الطراز المعماري البابلي فوق تل أثري، وبعد الإطاحة بالنظام في العام 2003 بقي القصر مهجوراً ولم يتم استغلاله بأي شكل من الأشكال.

تجولت مراسلة “العالم الجديد” في القصر، لترصد الإهمال الذي تعرض له، بدءا من افتقاده للإضاءة أو الكهرباء عموما، وصولا إلى مشاهد التخريب على جدراته والكتابات العشوائية، فضلا عن انتشار النفايات في أروقته.

والدخول للقصر متاح للجميع، أي لكل من يدخل المدينة الأثرية، فلا توجد قيود أو نقطة عند بوابته، فقد أهمل بشكل رسمي، ما حوله إلى عرضة للاندثار، وهذا فيما متخصصون أن القصر يمثل فرصة استثمارية ويمكن الإفادة منه وتحويله إلى مشروع سياحي أو متحفا أو منصة لتنظيم المهرجانات والعروض الفنية.

وحول هذا الأمر، يقول مدير منتجع بابل عبد الستار ناجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “قبل إدراج مدينة بابل الأثرية على لائحة التراث العالمي كان من المقرر أن يتحول قصر صدام إلى متحف، خاصة وأن محافظة بابل تفتقر لوجود متحف يليق بتاريخها وإرثها الحضاري، وبدأت وزارة الثقافة في وقت سابق بإجراءات تحويل القصر الرئاسي إلى متحف أثري”.

ويلفت إلى أنه “تم تشكيل وفد برئاسة رئيس هيئة الآثار وعددا من المديرين العامين في الوزارة، وعقد لقاء مع محافظ بابل لمتابعة متطلبات الأمر، لكن تغير الحكومات في بابل حال دون تنفيذ المشروع، وكذلك عدم توفير تخصيصات مالية لإعادة تأهيل القصر ومنتجع بابل السياحي، في حين أن هكذا مشروع سيعود بمورد مالي مهم للمحافظة، وقد تقدمت عدة شركات لاعادة تأهيل القصر لكن لم تكن رصينة”.

يشار إلى أن العديد من قصور رموز النظام السابق في بغداد والمحافظات تم استغلالها من قبل كبار المسؤولين واتخاذها منازل لهم، كما أن العديد من الأحزاب والكتل السياسية جعلتها مقارا لها، فيما تم بيع أخرى لمسؤولين ومتنفذين بأسعار لا توازي قيمتها الفعلية.

وبعد العام 2003 اتخذت القوات الأمريكية القصر الرئاسي في بابل مقرا لها وبعد خروجها منه أعيد فتح منتجع بابل السياحي والقصر أمام الزائرين لكن لم يشهد أي عملية إعمار لأن القائمين على المحافظة لم تكن من أولوياتهم الاهتمام بالمرفقات الثقافية والترفيهية.

إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي عدنان بهية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بناية قصر رئيس النظام السابق في بابل والذي يقع في منتجع بابل السياحي وبالقرب من آثار بابل، كبير جدا ويمكن تأهيله ليكون متحفا وقصرا للثقافة، أو ملتقى ثقافي عراقي للمهرجانات والعروض الفنية التشكيلية، أو لعرض مقتنيات الحضارات العراقية القديمة كالبابلية والأكدية والسومرية وحضارة الحلة المزيدية، أو سوقا فلكلوريا للتحف الأثرية وغيرها”.

ويضيف بهية، “توجد تجربة جديرة بالاهتمام في البصرة حيث تم تحويل منطقة القصور إلى منتج سياحي جميل وأحد القصور تم تحويله إلى متحف عراقي وقد زرته قبل شهر وكان ممتعا”.

ويشير إلى أنه “باستثناء المتحف الوطني في بغداد لا يوجد متحف آخر جدير بالاهتمام مما يتطلب إحياء هذا القصر ليكون منارة ثقافية مهمة في بابل والفرات الأوسط، ومن الممكن إحالته استثماريا ليمول نفسه بنفسه من خلال إحدى الشركات الاستثمارية”.

ويتابع الخبير أن “في هذا القصر ميزة الإطلالة البانورامية على مدينة بابل الأثرية وعلى شط الحلة بسبب ارتفاعه، كما أن الطريق المؤدي إليه معبد ونظيف لذا من الضروري طرحه كفرصة استثمارية بالتعاون بين هيئة الاستثمار ووزارة الثقافة والسياحة بعيدا عن الحكومة المحلية”.

وكان مسؤولون محليون في البصرة قد رفضوا في كانون الأول ديسمبر 2011، قرارا من الحكومة الاتحادية بتحويل مجمع القصور الرئاسية إلى دور ضيافة للمسؤولين الحكوميين، معلنين المجمع فرصة استثمارية لتحويله إلى منتجع سياحي.

ويقع مجمع القصور الرئاسية في منطقة البراضعية بمدينة البصرة ويضم أربعة قصور وبحيرات صناعية وحدائق، ويطل على شط العرب، واتخذته القوات البريطانية كقاعدة عسكرية بعد العام 2003 لمدة أربع سنوات وتم تسليمها إلى الحكومة العراقية في العام 2007، وتحول بعدها إلى منتجع سياحي لأهالي المحافظة.

من جانبه، يرى الناشط المدني أحمد الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “لو أردنا الحديث عن هكذا معالم فلا بد أن نتناولها بجانب مختلف لأنها تمثل حقبة سوداء في تاريخ العراق لذلك الاحتفاظ بها وإعادة ترميمها مهم لأنها ستكون بمثابة معلما وشاهدا مهما على مدى جبروت من كان يقطنها وهي رسالة واضحة أن تلك القصور وغيرها لا تدوم مهما كان حجمها وضخامة بنائها”.

ويوضح أن “القصر يتكون من أربعة طوابق ويضم غرفا كثيرة نقشت عليها أشجار النخيل ومسلة حمورابي وأشكالا هندسية متنوعة وهذا يمكن استغلاله كمكان ثقافي تقام فيه النشاطات الثقافية فالإهمال لا يقتصر على الحكومة بل أيضا غياب الوعي الشعبي بأهمية مثل هكذا أماكن وضرورة الحفاظ عليها وليس تخريبها والكتابة على جدرانها من قبل البعض”.

إقرأ أيضا