مجددا.. تعويضات المتضررين في الأنبار تثير الجدل

عاد ملف تعويضات المتضررين من العمليات الإرهابية والعسكرية في الأنبار إلى الواجهة مجددا، بعدما قررت مؤسسة الشهداء نقل فرع المؤسسة من المحافظة إلى بغداد، بسبب عمليات الفساد التي تم الكشف عنها من قبل مسؤولين محليين وقادة عسكريين وهيئة النزاهة واللجنة العليا لمكافحة الفساد المرتبطة برئاسة مجلس الوزراء، وفيما يرى مختصون أن نقل المؤسسة إلى بغداد سيشكل عبئا على المتضررين، خاصة وأن العديد من المستحقين للتعويضات لم يحصلوا على شيء منذ عدة أشهر. 

ويقول قائممقام قضاء الرمادي، مركز محافظة الأنبار، إبراهيم العوسج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “64 ألف معاملة مركونة في دائرة التعويضات العامة في بغداد، ينتظر المواطن إنجازها للحصول على تعويضاته، لكن لغاية الآن لم يتم إنجازها”.

ويضيف العوسج، أن “ملف التعويضات يخص مجلس النواب، وفي ضوئه تعمل لجنة التعويضات المركزية واللجان في المحافظات، ومعاملات التعويض تحتاج إلى تحرك حقيقي من قبل البرلمان، وتحديدا من نواب الأنبار والمناطق المحررة، للإسراع بإنجاز المعاملات وصرف الأموال”.

ويؤكد أن “الفساد موجود في جميع دوائر الدولة ومن الظلم والإجحاف إيقاف صرف رواتب الشهداء والجرحى، أو إيقاف صرف التعويضات بحجة وجود الفساد، فهذا الأمر يمكن تجاوزه من خلال تشكيل اللجان التدقيقية”.

وكانت مؤسسة الشهداء، قد قررت إيقاف عمل اللجنة الفرعية لتعويض المتضررين من العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية في المحافظة.

يشار إلى أن جهاز الأمن الوطني، أعلن في شهر كانون الثاني يناير الماضي، عن كشفه شبكة فساد تشمل الاحتيال واختلاس أموال مخصصة لضحايا تنظيم داعش في محافظة الأنبار، بلغت نحو تريليون دينار عراقي (760 مليون دولار)، واعتقل في حينها أكثر من 30 مشتبها فيهم، بينهم موظفون كبار في عديد من الهيئات الحكومية من بينها صناديق التقاعد ومؤسسة الشهداء، وتضمنت إصدار هويات وبيانات بطاقات ائتمان مفبركة، إضافة إلى الاتجار في بيانات سرية.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الضرر الذي تعرضت له مدن الأنبار جراء سيطرة تنظيم داعش على المحافظة وصل إلى 85 بالمئة، إذ قدرت الحكومة المحلية وفق الكشوفات الأولية أن مبالغ تعويض الأضرار تبلغ 40 مليار دولار، وأن عدد الوحدات السكنية المتضررة يصل إلى أكثر من 250 ألف وحدة سكنية، توزعت النسب الأكبر منها بين مدن الرمادي والفلوجة والرطبة وهيت.

بدوره، يوضح السياسي المستقل مهند الراوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مؤسسة الشهداء العامة قررت نقل فرع مؤسسة في الأنبار إلى العاصمة بغداد نتيجة للفساد الكبير الذي مارسته المؤسسة وقيامها بمنح رواتب لفضائيين”.

ويشير إلى أن “مؤسسة الشهداء ودائرتي التعويضات والتقاعد في الأنبار مسيطر عليها من قبل الحزب الحاكم في المحافظة (في إشارة إلى حزب تقدم بقيادة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي)، والذي مارس خلال الفترة الماضية أبشع عمليات الفساد، حيث تم تسجيل أشخاص على أنهم شهداء جراء العمليات العسكرية أو على يد داعش، وفي الحقيقة هم أحياء، وتم تزوير شهادات وفاة لهم”.

ويستدرك الراوي، أنه “وفقا لقرار مؤسسة الشهداء فإن أي مواطن يريد تقديم معاملة تعويضية عليه مراجعة المؤسسة في العاصمة بغداد، ورغم أن هذا الأمر يثقل كاهل المواطن، لكنه أمر جيد للسيطرة على حجم الفساد الكبير”.

وكان محافظ الأنبار السابق علي فرحان الدليمي، قد أكد في تصريحات سابقة، أن المحافظة أصابها الدمار بنسبة تقرب من 85 بالمئة والحكومة الاتحادية خصصت للمحافظة 105 مليارات دينار ضمن الموازنة، وأن ملف التعويضات يحتاج إلى خمس سنوات لتغطية أكبر عدد من المستحقين، شرط أن تقوم الدولة بمنح المحافظة 150 مليار دينار سنويا.

إلى ذلك، يرى عضو مجلس محافظة الأنبار عدنان الكبيسي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرار مؤسسة الشهداء بإيقاف عمل اللجنة الفرعية في محافظة الأنبار ونقلها إلى بغداد، أمر خاطئ ويشكل عبئا على المواطنين”.

ويلفت إلى أن “الفساد موجود في كل مكان، ولكن تم تشكيل لجنة من قبل رئيس الوزراء برئاسة قائد عمليات الأنبار السابق الفريق الركن ناصر الغنام، ونحن نعترف بوجود نواقص وتزوير، ولكن هذا ليس مبررا لإصدار عقوبة جماعية”.

ويبين أن “الحل بسيط ويكون من خلال إيجاد نظام الكفيل لأصحاب معاملات التعويض، وأي خلل في المعاملة أو وجود تزوير يتحمله الكفيل، كما أن مجلس محافظة الأنبار صوت ضد قرار غلق مؤسسة الشهداء في المحافظة، ونطلب من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إيقاف تنفيذ قرار الغلق، لأنه يضر بشريحة واسعة من أبناء المحافظة”.

يشار إلى أن قائد عمليات الأنبار الفريق الركن ناصر الغنام، كشف في تشرين الأول أكتوبر 2021، عن ضبط آلاف المعاملات المزورة في مؤسسة شهداء الأنبار، من بينها معاملات لإرهابيين وانتحاريين قاتلوا القوات الأمنية، مؤكدا أن هناك ضباطا كبار متورطون بهذا الملف.

من جانبه، يشيد المواطن عبد الرحمن سليمان، من أهالي الفلوجة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بقرار نقل المعاملات إلى، مؤكداً أن “والدي قتل جراء العمليات العسكرية في العام 2016، ولكن حتى الآن لم يتم إنجاز معاملته بسبب الفساد المالي والرشاوى التي يطلبها المسؤولون في المؤسسة”.

ويبين أن “موظفا كبيرا في مؤسسة الشهداء بمحافظة الأنبار طلب مبلغ 10 ملايين دينار كمقدمة لإنجاز المعاملة، ونسبة 20% من المبلغ المالي الذي سنتسلمه بعد إنجاز المعاملة، لكنني رفضت ذلك فنحن أصحاب حق ولسنا متطفلين لكي ندفع رشوة من أجل استحصال حقوقنا”.

وسبق أن كشف العديد من المواطنين المتضررين من العمليات الإرهابية والعسكرية في الأنبار، في تصريحات سابقة عبر وسائل الإعلام، عن عراقيل في إنجاز معاملات تعويضاتهم، مؤكدين في الوقت نفسه أنهم شاهدوا أشخاصا كانوا مع تنظيم داعش، وكذلك ذوو عناصر التنظيم، يروجون معاملات تعويضات وتم إنجاز معاملاتهم.

في السياق، يوضح المواطن فرحان الذيابي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “منزلي الواقع في منطقة حي الملعب تعرض إلى القصف والدمار الكامل أثناء العمليات العسكرية في العام 2015، وقد قدمت معاملة تعويض منذ العام 2018 وتمت الموافقة على صرف مبلغ 15 مليون دينار فقط، وحتى هذا المبلغ الصغير جدا لم أتسلمه حتى الآن”.

ويتابع “أثناء مراجعتي قاد أحد الموظفين بمطالبتي بمبلغ ثلاثة ملايين دينار عراقي لغرض صرف مبلغ الخمسة عشر مليون دينار، ما يعني أنني سأتسلم مبلغ 12 مليون دينار فقط”.

وكانت لجنة مكافحة الفساد العليا، وهيئة النزاهة قد انتقلت في العام 2023 إلى محافظة الأنبار وقامت بفتح جميع ملفات مؤسسة الشهداء، ودائرة التعويضات، ومديرية التقاعد، وتم الكشف عن الآلاف من ملفات الفساد المالي وإحالة العشرات من المديرين العامين، ومسؤولي الأقسام والشعب والموظفين في المؤسسات المذكورة لتورطهم بعمليات فساد مالي.

إقرأ أيضا