مكتبة السماوة تفتح أبوابها للقراء ورفوفها خالية من الكتب

تعد مدينة الوركاء أو أوروك كما تسمى عند السومريين، في محافظة المثنى (نحو 388 كلم جنوب بغداد)، موطن الحرف الأول في التاريخ، فمنها انطلقت الكلمات الأولى المدونة بالخط المسماري وانتقلت إلى باقي الحضارات المجاورة لها سواء داخل الحدود الحالية للعراق وخارجها، وفيها تم تدوين أول ملحمة أدبية عن الملك التاريخي كلكامش، كما أنها أول المدن التي عرفت تدجين الطيور وتنظيم الري، وتعود إليها أقدم اكتشافات الفن والعمارة في العالم.

لكن الواقع الثقافي الذي تعيشه محافظة المثنى مغاير لإرثها التاريخي الثري بالمعرفة، إذ ليس هناك أي مظاهر للعلم والمعرفة والثقافة بسبب عدم وجود أماكن مخصصة لتلك النشاطات، كما تنتظر مدينة السماوة إنشاء مكتبتها العامة التي كان من المفترض في تسعينيات القرن الماضي، غير أنها ما زالت مجرد مبنى لا حياة فيه.

وبعد طول انتظار تم افتتاح مكتبة السماوة المركزية بمبناها المستوحى من لوح طيني مكتوب عليه بالخط المسماري، ويتكون من خمسة طوابق، أربعة منها توزعت بين قاعات القراءة والعرض، إلا أنها مغلقة منذ عام من دون معرفة الأسباب وتفتقر إلى الكتب والمواد العلمية والأثاث في أجنحتها العلمية؛ معتمدين على بعض التبرعات من ذو الاختصاص والزوار في ذلك.

ويقول حيدر عبد الزهرة، أحد موظفي المكتبة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المكتبة تم افتتاحها في شهر نيسان أبريل من العام الماضي، لكن حين دخلنا لم نجد فيها سوى الجدران والمبنى الخالي من أي أثاث فاضطررنا أن نشتري أثاث مكاتبنا من طاولات وكراسي ورفوف وغيرها على نفقتنا الخاصة وقمنا بإنشاء صندوق داخل المكتبة لجمع التبرعات من الزائرين وإنفاقها على تأثيث البناية”.

ويضيف “قد تسألني لماذا ننفق من جيبنا الخاص من أجل تهيئة المكتبة، والسبب هو أننا لم نرغب بطلب المساعدة من أية جهة لكي لا يتم استغلال المكتبة من قبل الجهات السياسية، فقد حاولت أكثر من جهة سياسية في أيام انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة السيطرة عليها بشتى الطرق لتحقيق مآربهم، حتى أن المدير السابق تم نقله خارج السماوة على خلفية تجاذبات سياسية وتم معاقبته رغم أنه كان مهنيا ومحبا للعلم”.

ويعاتب عبد الزهرة “الطبقة المثقفة في المجتمع السماوي التي لم تقف معنا في محنتنا هذه ولو بدعم معنوي على الأقل بعد أن استقطبناهم ووفرنا لهم مكانا في المكتبة، لكنهم سرعان ما تركونا حين أتت الجهات المتنفذة التي تحاول السيطرة على المكتبة وبقينا نصارعهم وحدنا، أما محافظ المثنى الجديد فقد زار المكتبة ووعدنا خيرا لكن على أرض الواقع لم نلمس شيئا سوى الكلام”.

ويتابع “حلمنا قد تهدم، وصدمنا الواقع التعيس بعد أن كنا نأمل بالإسهام في الارتقاء بواقع السماوة عن طريق العلم وبواسطة هذه المكتبة بعد أن أعددنا خطة متكاملة لاستقطاب الرواد والمثقفين والأدباء حتى من خارج المحافظة لمنع انحراف مسار الثقافة بعد أن تأثرت بالسياسة”.

يشار إلى أن الواقع الثقافي والفني في المثنى تعرض لانتكاسات والمحافظة تفتقر بشكل كبير للمنتديات الأدبية والثقافية، لاسيما بعد تهديم البيت الثقافي رغم مساحته الصغيرة حيث لا يستوعب لأكثر من ثلاثين كرسيا، إلا أنه كان الملاذ الوحيد للنخبة الأدبية في المحافظة؛ ففي العام 2020 تم هدمه وتشييد بناية تضم محالا تجارية، ما اضطر جمعية الشعراء إلى استئجار غرفة في أحد الفنادق، فيما اتخذت نقابة الفنانين مكانا لها في نقابة المعلمين، بينما اتحاد الأدباء لم يجد له مأوى.

من جانبه، يوضح نقيب الفنانين في المثنى حسين عباس هويدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المحافظة كانت فيها قاعات عملاقة لتقديم العروض الفنية والأدبية، وللنقابة مقرها الخاص، أما حاليا فمقرنا تشغله دائرة كري الأنهر بعد الاستحواذ عليه في العام 2006 وناشدنا، لكن ما من مجيب خصوصا المحافظ الجديد، وبات الحصول على غرفة أمرا عسيرا جدا، وحاليا لا نستطيع إقامة مهرجان إلا في وسط الشارع”.

ويردف “قبل أعوام عدة أنشأت قاعة الصداقة عند المدخل الشمالي لمدينة السماوة بمساحة نحو 700 متر مربع، تستخدم كمركز رئيسي للمناسبات والفعاليات المدنية والثقافية المختلفة في المحافظة، بسعة تصل إلى 400 شخص، وبسبب الإهمال تداعت بناها التحتية، وطالبت النخب الفنية باستثمارها بشكل صحيح خدمة لصالح الثقافة في المثنى”.

ويطالب هويدي، الجهات المعنية بأن “تكون قاعة الصداقة مكانا لنقابة الفنانين خصوصا وأنها متروكة ومندثرة منذ فترة وتحولت إلى مكان لتجمع النفايات، ونحن نتعهد بصيانتها وسلامتها لكن كل محاولاتنا باءت بالفشل، وأيضا طالبنا بقاعة ساوة الخاصة بالعروض وتم رفض طلبنا بحجة إشغالها من قبل جهة أمنية”.

ويلفت إلى أن “النقابة تضطر إلى التوجه نحو البصرة أو الديوانية لتقديم العروض والنشاطات الأدبية والثقافية بسبب عدم وجود الأماكن المخصصة لها في المثنى، وبالنسبة لمقرنا الحالي فقد قام أحد أبناء المحافظة بالتبرع ببيته الكائن في الأزقة الضيقة لنا”.

وكانت الحكومة المحلية في المثنى قد باشرت في العام 2013 ببناء مكتبة السماوة المركزية بكلفة مالية تصل إلى ستة مليارات دينار وتم الانتهاء منها مطلع العام 2023.

وبهذا الصدد، تبين مسؤولة القاعات والمكتبات ورئيس مهندسين أقدم، أحلام محمد حسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المكتبة تتكون من بنايتين واحدة بخمسة طوابق وكل طابق عبارة عن قاعة، والأخرى بثلاثة طوابق تحتوي على غرف للإدارة وقاعات مخصصة للبحوث والدراسات، وكذلك تحتوي على سينما ومسرح للطفل بسعة 150 كرسيا وقاعات للأجهزة الإلكترونية وورشات وعروض مختلفة للندوات والمؤتمرات، وفيها كل المستلزمات الضرورية من منظومات إنترنت وإطفاء للحرائق، وفيها أيضا مكتبة خاصة للطفل برفوف تكون منخفض الحجم”.

وتشير إلى أن “المكتبة حاليا فارغة وبحاجة إلى الأثاث اللازم من كتب ورفوف وغيرها، والمكتبة لغاية الآن في عهدة الشركة المنفذة وتجري تصليحاتها الأخيرة مثل صبغ الجدران الخارجية وهي في طور الاستلام النهائي من قبل الإدارة المحلية في المحافظة؛ وبعدها تتم المرحلة الثانية وهي تجهيزها بالمواد اللازمة ليتم افتتاحها بشكل رسمي خلال هذا العام”.

وتؤكد أن “الإدارة المحلية أعدت كشوفات كاملة لتأثيث المكتبة ضمن خطة لإدخالها حيز الاستخدام وفي خدمة المواطن معتمدين في ذلك على تخصيص المبالغ المالية اللازمة سواء من قبل الخطة الاستثمارية للمحافظة أو على الموازنة التشغيلية، ولغاية الآن لم نفاتح قسم حسابات المحافظة لنرى هل هناك مبالغ مالية مرصودة لهذه المرحلة من تأثيث وشراء الكتب والحاسبات  ودعم اللوجستي بتقديرات مالية تصل إلى 500 مليون دينار عراقي”.

يشار إلى أن المكتبة تفتح أبوابها طيلة أيام الأسبوع خلال الدوام الرسمي من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثالثة عصرا، وهناك توجه من قبل إدارة المكتبة لمفاتحة الجهات العليا لتمديد الدوام إلى المساء.

إقرأ أيضا