مليارات الدولارات للاستيراد و«الشعارات» للمنتج المحلي

ساهم استيراد المنتجات والسلع بخروج أكثر من 70 مليار دولار من العراق في عام واحد، على الرغم من الحملات والمبادرات التي يطلقها المسؤولون في البلاد لدعم المنتج المحلي، ويضع خبراء في الاقتصاد مجموعة عوامل وأسباب لتراجع المنتجات العراقية وغزو الأسواق بالمستورد، ومنها انعدام المواد الأولية وغياب الدعم الحكومي وافتقار المستثمرين الصناعيين للحماية وعدم السيطرة على الحدود.

ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عملية دعم المنتج الوطني أمر يتطلب عملا حقيقيا وليس مجرد شعارات، فالمنتج العراقي تلاشى منذ التسعينات بسبب العزلة الدولية جراء الحصار وانقطاع المواد الأولية وغياب قطع الغيار إذ انهارت المنظومة الصناعية العراقية وصولا إلى 2003”.

ويضيف حنتوش: “بعد 2003 بدأت عملية التوجه نحو الاستيراد بزيادة الأموال ودخول الدولار، إذ لم تكن هناك خطة حقيقية لخلق منتج وبناء الصناعة العراقية، وتفعيل المعامل لضخ منتجات توازي المستورد في الجودة”.

ووفقا للباحث فإن “العراق يحتاج إلى مجموعة خطوات واضحة، لتفعيل قطاع الصناعة، منها التوجه إلى نموذج المدن الصناعية، وتقديم تسهيلات للمستثمر الصناعي الذي مازال يستخرج الإجازة الاستثمارية بشق الأنفس”.

ويؤكد حنتوش الحاجة إلى “تفعيل القروض الصناعية، فللأسف المبادرات السابقة لم تنجح بسبب قلة المعامل، وعلى الرغم من أن هناك توجها طفيفا نحوها، لكن البنك المركزي أوقف كل القروض والمبادرات بعدم قراءة حقيقية للسوق واحتياجاته من قبل محافظ البنك ما سبب إيقاف عجلة التنمية والصناعة في العراق”.

ويتحدث الباحث أيضا عن “ضرورة السيطرة على الحدود من جهة كردستان، فالحدود الغربية والوسطى مسيطر عليها بنسبة 70 بالمئة وأكثر، لكن الحدود الشمالية مازالت تمثل مشكلة كبيرة لدخول البضائع المهربة”.

وأكدت مؤسسة اقتصادية محلية، أن بيانات هيئات الكمارك الرسمية لأهم الدول المصدرة لمختلف السلع إلى العراق (11 دولة)، أن مجمل استيرادات العراق الرسمية من هذه الدول فقط في 2023 بلغ ما قيمته 67.25 مليار دولار أمريكي، بارتفاع بلغت نسبته 6 بالمئة بالمقارنة مع 2022.

وأفادت مؤسسة المستقبل المختصة بالإحصاءات، بأن صادرات الدول إلى العراق ماعدا إيران بلغت ما قيمته 58 مليار دولار أمريكي، متوقعة أن صادرات الدول الأخرى غير المذكورة في بيانات هيئات الكمارك تبلغ ما قيمته  3-5مليارات دولار أمريكي، وبهذا يصل مجمل صادرات الدول إلى العراق العام الماضي ما قيمته 71 مليار دولار أمريكي. 

وغالبا ما يتصدر العراق منذ عام 2003، قوائم المستوردين لمختلف البضائع الصناعية والزراعية، سواء من تركيا أو إيران، إلى جانب احتلاله مراتب متقدمة كمستورد من الأردن ودول الخليج، فيما بلغ حجم استيراداته من الصين بنحو 50 مليار دولار.

يذكر أن شركات وزارة الصناعة والمعادن، كانت تمدّ السوق قبل 2003 بحاجته، أما الآن فقد تراجعت لأسباب عدة أبرزها فتح أبواب الاستيراد وانعدام القيود الرقابية، وخلق منافسين كثيرين للمنتج المحلي، على الرغم من جودة الأخير وخضوعه للسيطرة النوعية.

من جهته، يشير الخبير الاقتصادي همام الشماع، إلى أن “دعم المنتج المحلي مهم جدا لكن الخطوات التي تقوم بها الحكومة غير كافية، فوضع القطاع الصناعي مترد ولم يشهد أي نهضة منذ عقود عدة، بسبب الظروف السياسية والفوضى وشيوع حالات الابتزاز والإتاوات ما أدى إلى تأخر القطاع وجعله غير منافس لأي منتج مستورد من دول الجوار”.

ويضيف الشماع أن “القطاع الصناعي لا يستطيع أن ينهض إلا إذا استقرت الأوضاع في العراق لفترة طويلة وكانت هناك حماية كاملة وشعر المستثمرون الصناعيون بالأمان والاطمئنان بعدم وجود ابتزاز أو تهديد، حين ذاك يمكن أن يتطور القطاع وكل ما عدا ذلك يبقى كلاما فقط”.

ويعاني القطاع الصناعي في العراق من تراجع مستمر بسبب السياسات والإجراءات الفاشلة المتبعة والتي اضعفت تطور القطاع الصناعي بمختلف فروعه، فضلا عن إغراق السوق العراقية بالسلع المختلفة المستوردة من الخارج والتي تتمتع بميزات تنافسية أفضل من السلع المحلية، مما ادى الى تهميش وتعطيل الكثير من الصناعات المحلية بما فيها المتوسطة والصغيرة.

ويشير الشماع إلى أن “الإنتاج الزراعي يعاني من مشكلات هو الآخر كعدم توفر المياه والكهرباء والأسمدة بشكل منتظم ومدعوم، كما أن الفلاح يشعر بالقلق تجاه الموارد المائية إذ لا يستطيع زيادة الغلة وكل هذه العوامل لا تشجع الإنتاج الزراعي”.

ويعلل أسباب ارتفاع أسعار المنتج الزراعي المحلي، بأن “الفلاح لا يستطيع الإنتاج بتكاليف منخفضة لأن الكهرباء التي تشغل مضخات المياه غير متوفرة، كما ليس هناك دعم من ناحية توفير آليات الري كالمرشات والتنقيط وغيرها، والأسمدة أيضاً غير مدعومة الأسعار، فكيف يمكن توفير منتجات زراعية ذات أسعار مدعومة؟”.

وتعاني الزراعة بدورها من واقع مرير، بسبب نقص المياه الحاد الذي تشهده البلاد منذ أعوام وقلة الدعم الحكومي، وتلجأ وزارة الزراعة أحيانا لدعم المنتجات الزراعية المحلية بغلق باب الاستيراد لمنتجات معينة، لكن ارتفاع الأسعار يضطرها إلى إعادة فتح الحدود مجددا.

إلى ذلك، يضع الخبير الاقتصادي منار العبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، مجموعة عوامل لتراجع المنتج المحلي، كـ”فقدان العراق للمشاريع الاستراتيجية الاستخراجية، فأي منتج محلي يحتاج إلى مواد أولية التي يتم استخراجها من الأرض أو  تحويلها وإعادة إنتاجها كمواد الحديد والالمنيوم، وغيرها، والعراق يفتقد للمشاريع الاستخراجية نتيجة ضعف الاستثمار الحكومي والقطاع الخاص بهكذا مشاريع حيوية”.

ويتحدث العبيدي أيضا عن “ضعف قرارات دعم المنتج المحلي كالسيطرة على التعرفة الكمركية وضعف السيطرة على المنافذ الحدودية وهي نقطة أساسية لكثير من المشاكل في العراق فحتى مع وجود تشريعات لحماية المنتج الوطني إلا أن ضعف السيطرة على المنافذ يسمح بتسرب البضائع المستوردة”.

وعن تكاليف الإنتاج المحلي، يرى أن “في مقدمة هذه التكاليف الطاقة والأيدي العاملة وكلا الأمرين يعتبران مرتفعين مقارنة مع دول الجوار وبالتالي يفقد المنتج المحلي عنصر المنافسة بسبب ارتفاع تكاليفه، إضافة إلى ارتفاع الرسوم والضرائب والأجور على المصانع العراقية بالرغم من أن قانون الاستثمار الصناعي منح الكثير من الإعفاءات لأصحاب المشاريع الصناعية إلا أن كثرة الأجهزة الرقابية تزيد من فواتير الرسوم الرسمية وغير الرسمية”.

ويضيف العبيدي، أن “العراق يفتقد أيضا لثقافة المنتج المحلي، فالكثير من المصنعين العراقيين يعتقدون أن الصناعة تنتهي بانتهاء الإنتاج النهائي، لكن الصناعة الحديثة تضع 30% فقط على المنتج و70% على سلاسل التوريد والتسويق والتوزيع، الأمر الذي يفتقده المنتج المحلي بينما المنتج المستورد يركز على هذه الجوانب، كما يفتقد العراق لضعف التمويل التجاري والدعم الحكومي إذ تقوم الدول بمرحلة معينة من اجل تنشيط الصناعة إلى تقديم حزم مالية للمعامل والمصانع تساهم في تقليل الكلف التشغيلية وغياب هذا الدعم كان سببا آخر في فقدان القدرة التنافسية”.

ويخلص إلى أن “كل هذه العوامل قد تكون أسبابا رئيسية لعدم قدرة المنتج المحلي على الاستحواذ على السوق العراقية، وتحتاج إلى استراتيجية واضحة وليس مجرد شعارات بضرورة العمل على تشجيع المنتج المحلي، بل سياسة تضع المحددات والإمكانيات وتحلل البيانات لأدق التفاصيل وتقديم حلول واضحة لضمان دعم المنتج المحلي”.

وكانت وزارة الصناعة والمعادن كشفت العام الماضي، بإحصائية عن عدد المصانع في العراق العاملة منها والعاطلة، إذ يبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227، في حين يبلغ العدد العامل منها 144 فقط.

ووفقا لتلك البيانات فإن نحو 18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفة عن العمل لأسباب مختلفة.

إقرأ أيضا