منتجاته تصدر خارج العراق.. 100 امرأة تشغّل معملا في كربلاء  

ليس من الغريب أن تسمع عن معمل لتعليب التمور في كربلاء، وخصوصا في هذه المحافظة التي شهدت تأسيس أول مصنع للتعليب في عموم العراق، غير أن اللافت في المعمل الجديد هو أن عماله وموظفيه من النساء فقط، حيث تشغله أكثر من 100 امرأة من مختلف المحافظات ومنتجاته تصدر إلى البلاد وتصل إلى مختلف دول العالم.

وتعد المشاريع الخاصة بالنساء في العراق قليلة جدا، حيث يحصل الرجال على حصة الأسد من فرص العمل والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، إذ تشكل البطالة في النساء الخريجات وغير الخريجات منهن النسبة الأعلى.

يشار إلى أن أول معمل تعليب في المحافظة تأسس في العام 1959، باسم المنشأة العامة للتعليب في كربلاء، وكانت تنتج الدبس والمربى ومعجون الطماطم وغيرها، وفي العام 1989 تغير اسم الشركة إلى شركة تعليب كربلاء ونقلت ملكيتها إلى وزارة الصناعة.

ويقول صاحب المعمل، حسين عبود المسعودي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وأنا أعمل في تجارة التمور، وقد بدأت حينها بمشروعي هذا بمخزن واحد، وعندما تم إطلاق المبادرة الزراعية في العام 2010 تقدمت بطلب قرض وحصلت عليه لتطوير عملي، ولدينا الآن أربعة مخازن، وهو معمل مستقل وغير مرتبط بأي جهة حكومية أو غير حكومية”.

ويضيف المسعودي، أن “النساء العاملات في المعمل من مختلف المحافظات وعددهن يتجاوز 100 امرأة، لكن هناك أيضا نساء يأتين في موسم العمل الذي يستمر لستة أشهر في السنة، ثم يعدن إلى محافظاتهن، لكن العمل لا يتوقف باقي أيام السنة، بل يعمل بعدد أقل من العاملات”.

ويؤكد “في أكثر الأحيان عائدات الإنتاج لا تغطي نفقات العمل، وأحيانا لا ننجح بالتسويق ورغم ذلك لا نقوم بتسريح العاملات، فأنا أراعي حقوقهن العاملات فعلى الرغم من أننا لا نشترط عمرا محددا لكن هناك عاملات أعمارهن تتجاوز 60 عاما وبالتالي هن معيلات لأسرهن”.

ويوضح المسعودي “نقوم يوميا بتعليب 30 طنا، وبحسب الطلبيات فهي مختلفة، فهناك طلبيات للتعليب في أكياس زنة 5 كيلوغرامات وأخرى بـ10 كيلوغرامات، فنحن نعمل حسب الطلب، أما أنواع التمور التي نستخدمها فهي الزهدي والخستاوي”.

وبشأن وجهات التصدير، يبين المسعودي “المعمل لا يعتمد في الإنتاج على الطلب المحلي فقط، فنحن نصدر يوميا من 30 إلى 40 طنا خارج العراق”.

وكانت الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تعنى بحقوق المرأة قد نشرت في أوقات سابقة تقارير تحذيرات تلقت “العالم الجديد” نسخا منها، من أن النساء العاملات هن الضحايا الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، ويعد العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضررا جراء الاحتباس الحراري الذي انعكس بشكل كبير على النساء العاملات في الزراعة وتربية الحيوانات، ما قلص بشكل أكبر فرص عمل المرأة.

بدورها، توضح الشابة عذراء (21 عاما)، إحدى العاملات في هذا المعمل، وتنحدر من إحدى المحافظات الجنوبية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنها “بدأت العمل منذ أربع سنوات، وقد انتقلنا إلى كربلاء، لأن والدي لم يجد فرصة عمل هناك، كما أن عائلتنا تتكون من ثمانية أفراد لا معيل لنا سوى والدي وأنا”.

وتتابع عذراء، “ما إن وصلنا كربلاء حتى بدأت البحث عن عمل وبما أنني لا أحمل شهادة للحصول على وظيفة في مؤسسات الدولة، كان الحل الوحيد التوجه إلى القطاع الخاصة ووجدت فرصتي في هذا المعمل”.

وتبين “أتوجه للعمل عن الساعة السادسة صباحا وحتى الساعة الثالثة عصرا، حيث أعود إلى المنزل، بعد الحصول على أجر يومي يبلغ 20 ألف دينار (نحو 13.5 دولارا)، وهو مبلغ يساعد في مصروفات العائلة، كما أن صاحب المعمل لا يبخل علينا بالمكافآت، وكذلك هناك أجور مقابل العمل الإضافي، والرجل يعاملنا باحترام ورفق، والمسؤولات عن العمل متعاونات”.

وتؤكد عذراء “لا أرغب بالبحث عن عمل آخر فلقد أحببت هذا المكان وهذا العمل، وهو مصدر رزق عائلتي، وهناك تعاون فيما بيننا”.

يشار إلى أن وزارة التخطيط، كشفت مطلع العام الحالي، أن نسبة الذكور النشطون اقتصادياً بغلت 87 بالمئة، ونسبة الإناث النشطات اقتصادياً بلغت 13 بالمئة، في العام 2022.

يذكر أن مسؤولة مركز تمكين للمشاركة والمساواة علياء الشويلي، أكدت في حديث سابق لـ”العالم الجديد”، أن العمل يؤمن المستوى الاقتصادي للفرد، وبالتالي يمنح عامل القوة للمرأة في مجتمعنا الذي ما زال أغلبه يراها من الطبقة الثانية.

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي، مصطفى فرج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “نحن كاقتصاديين ندعم التمكين الاقتصادي للنساء، وإدراجهن في القطاع الخاص والعام، وتمكينهن من إدارة المؤسسات الاقتصادية، فالمرأة العراقية قادرة على إدارة المؤسسات الخاصة والعامة”.

ويشدد فرج، على أن “بعض النساء العراقيات في السنوات الأخيرة أدرن مؤسسات حكومية وأهلية اقتصادية كبيرة ونجحن نجاحا باهرا فيها، والدولة العراقية والحكومة الحالية تسعى للتمكين الاقتصادي للمرأة، وهو حق إنساني وأساسي في جميع مفاصل الدولة، ولا يوجد أي فيتو على الأماكن التي تدار من قبل النساء”.

ويختم بالقول “من خلال ملاحظاتنا والدراسات المختصة في هذا المجال فإن هناك 20 بالمئة من المهن تدار من قبل النساء فقط، أما البقية فهي من نصيب الرجال، وهنا لابد من تغيير المعادلة، وأن تعطى صلاحيات للمرأة وتمكينها لأنها تبدع في العمل”.

يأتي ذلك في وقت ينادي البعض إلى حظر عمل النساء في الأماكن المختلطة مع الرجال، ففي 5 نيسان أربيل 2019، طالب رئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي خلال تجمع دعا إليه في مدينة النجف، بسن قانون قدسية المدينة، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الأماكن العامة، وحظر عمل النساء في المحال التجارية والمطاعم والمقاهي.

إقرأ أيضا