من الملابس إلى الأجهزة.. “البالة” تنتعش في بابل

في سوق الحلة الكبير، يفتح محمد المعموري (35 عاما) رزمة ألبسة محشورة داخل بالة ليتجمع…

في سوق الحلة الكبير، يفتح محمد المعموري (35 عاما) رزمة ألبسة محشورة داخل بالة ليتجمع حوله عشرات الزبائن ممن ينتظرون يوم الجمعة وهو موعد فتح البالات.

يقول المعموري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “بدأت عملي منذ عام 2006 في بيع البالة، وكانت البداية في شارع المكتبات وسط مدينة الحلة حيث تعرض البضاعة بعد أن نجلبها من بغداد”.

ويضيف أن “هذه الملابس أغلبها ذات مناشئ أوربية ألمانية، وكذلك تأتي من كوريا والصين وسنغافورة، وإقبال الناس جيد عليها لاسيما أنها لم تعد مرادا للفقراء، إنما بدأت تستقطب جميع الطبقات، كون هذه الملابس قطعا أصلية ورخيصة وذات قماش جيد ومتنوعة من ملابس أطفال ورجال ونساء ومفروشات، والقطع تختلف أسعارها بحسب جودتها ونظافتها”.

لكن ما يعانيه أصحاب بسطيات البالة في بابل أن الحكومة المحلية أزالت جميع البسطيات المتجاوزة في سوق الحلة الكبير، لغرض فتح الشارع أمام المواطنين بعد أن كان مغلقا منذ عام 2003.

ويطالب المعموري، “الحكومة المحلية في بابل بعدم إزالة بسطياتنا وسوقنا، كوننا مؤجرين بعقود رسمية وأصولية من البلدية وندفع رسوم الإيجار، فطالما نسمع أن هناك أحزاب تريد أخذ هذه الساحة لعمل مشروع أو كراج للاستثمار، ونتمنى تركنا فمئات العائلات تعيش من هذه البسطيات، ولا نريد من الحكومة شيئا سوى ترك مصدر رزقنا، فتهجيرنا من عملنا سيسبب مشاكل وهناك من يلجأ إلى أعمال أخرى غير مشروعة”.

وملابس البالة هي الملابس المستعملة التي يعاد بيعها لأشخاص آخرين ليعيدوا استخدامها، وقد عرفت أسواق ملابس البالة في العديد من المدن العربية، إلا أنها دخلت العراق في تسعينيات القرن الماضي إثر الحصار الاقتصادي وتراجع المستوى المعيشي.

أما الآن، فقد تطورت أسواق البالة ولم تعد تقتصر على بيع الملابس المستعملة إذ شملت المواد المنزلية والأجهزة الإلكترونية والحاجيات الأخرى.

حسين صاحب (39 عاما) الذي يمتلك بسطية لبيع المواد المنزلية بدأ عمله منذ عامين بجلب البضاعة من محطات وصولها في محافظة بغداد، وعرضها في سوق الحلة، إذ تحتوي بسطته على الأواني الفرفوري والفضيات والنحاسيات.

يقول صاحب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الناس تفضل البالات كونها من منشأ اصلي وأسعارها تنافسية رخيصة تتناسب مع دخل الفرد البسيط وذوي الدخول المتوسطة، نجلبها على شكل حاويات تصل بعضها من كندا وألمانيا”.

ويضيف أن “الطبقات ذات الدخل المرتفع بدأت تفضل أجهزة البالة، كونها أفضل من المعروض في المحال التجارية، وبالرغم من فرض الحكومة ضرائب عالية على دخولها”.

وكلمة بالة تأتي من الكلمة الإنجليزية Bale تعني حزمة أو مجموعة كبيرة، وفي هذه الحالة تعني مجموعة كبيرة من الملابس المتنوعة في الأشكال والأحجام.

وتصنف البالات صيفية وشتوية، للكبار والأطفال، وكذلك تتضمن عدة مستويات من الجودة، فهناك البالة ذات الجودة المتوسطة وأخرى عالية التي تكون أغلب قطع البالة غير مستخدمة ولا تزال تحمل ورقة المتجر، وأنها من علامات تجارية كبيرة أو من بلد تطبق معايير جودة عالية على ما يباع في متاجرها، وبالطبع فإن لكل فئة من البالة سعرها المتعارف عليه في كل بلد.

أم محمد هي إحدى النساء التي ترتاد سوق البالة باستمرار، فهي تفضل الشراء من البالة كونها تجد “أشياء غريبة وغير مطروقة أو مقلدة وأسعارها نوعا ما جيدة، ومتاحة لجميع طبقات المجتمع خاصة مع ارتفاع سعر الجديد المستورد مع سوء صناعته” هكذا تقول خلال حديثها لـ”العالم الجديد”.

وتضيف أم حسن: “نظراً لارتفاع أسعار الملابس لجأت بعض الأسر إلى ملابس البالة فهي تفي بالغرض، وكوننا لا نستطيع شراء الجديد وخاصة هذا العام فإن هناك قفزة بالأسعار وأصحاب المحال يعزون السبب إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، لذا نلجأ إلى ملابس البالة لرخصها وتناسبها مع دخلنا المحدود لاسيما أن لدينا أكثر من طفل”.

وتشير إلى أن “الملابس تكون على مستويات، منها عالية الجودة وتكون غير مستعملة نهائيا وسعرها يكون مرتفعا، والمتوسطة والعادية تكون أسعارها انسب”، لافتة إلى أن “ملابس البالة مفضلة لدى الجيل القديم والجيل الجديد”.

وكانت السوق العراقية قد شهدت ارتفاعا كبيرا خلال العامين الماضيين، المرة الأولى بعد تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار مطلع العام 2021، وهو ما تسبب برفع الأسعار نظرا لأنها جميعها مستوردة، وحتى المحلية منها فإن موادها الأولية مستوردة، والموجة الثانية للارتفاع جرت بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، التي تسببت برفع الأسعار بشكل عالمي، خاصة بعد توجه العديد من الدول لمنع تصدير المواد الغذائية.

إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق في حقبة التسعينات بدأ بإدخال الملابس والأغراض المستعملة بسبب ارتفاع مستوى الفقر، وعدم إمكانية المواطنين على الشراء، إذ أن كثيرين اتجهوا لارتياد أسواق البالة لسد حاجاتهم”.

أما حاليا، يضيف حنتوش أن “أسواق البالة ما زالت تنشط مع التضخم وارتفاع أسعار صرف الدولار، لاسيما مع ما ارتكبته الحكومة السابقة بتغيير سعر الصرف دون دراسة جدوى، وهذه الأسباب مرة أخرى ساهمت بانتعاش سوق الملابس المستعملة”.

ويتابع، أن “حاويات البالة لها أنواع متعددة منها الملابس المستعملة التي غالبا ما تكون ذات جودة عالية، وكذلك السيارات وأجهزة الحواسيب والأجهزة الكهربائية التي يتم تصديرها إلى الدول النامية، وبالتالي تجنبهم إنفاق المال القليل لديهم على حاجات استهلاكية وهم بأمس الحاجة لإنفاقه على أشياء ضرورية”.

وساهمت الأزمة الاقتصادية المستمرة وارتفاع سعر صرف الدولار وانعكاسه على أسعار السلع والمواد الأساسية، في ارتفاع مستوى خط الفقر، إذ أكدت إحصاءات تصدر محافظات الجنوب معدلات الفقر، وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة 52 بالمائة، وتليها محافظة القادسية وميسان وذي قار بنسبة 48 بالمئة، فيما بلغت نسبة الفقر في العاصمة بغداد 13 بالمائة، وفي محافظة نينوى 34.5 بالمائة، في حين تصل نسبة الفقر في محافظات الوسط إلى 18 بالمائة.

إقرأ أيضا