نساء المختفين في الأنبار يصارعن الظروف لإعالة اطفالهن

نساء المختفين من أصحاب الأراضي في مدينة الفلوجة يخضن معركة صعبة منذ سنوات ضد الفقر والعوز، ما يضطرهن لبيع أراضي عوائلهن أو تأجيرها لتآمين موارد مالية ثابتة لأطفالهن بغياب المعيل، الحكومة المحلية في الأنبار وذوي ضحايا، قالوا. 

عجز النساء عن القيام بأعمال الزراعة وغياب الأيدي العاملة وعدم تأمين المعالجات اللازمة من قبل الحكومة المحلية في الأنبار لذوي المختفين ممن فقدوا المعيل، دفع العشرات من هؤلاء النسوة إلى بيع أراضيهم الزراعية وممتلكاتهن أو تأجيرها والهجرة إلى مناطق أخرى. 

بيع الأراضي الزراعية في المحافظة وتأجيرها، أنعش سوق العقارات ورفع أسعارها بشكل كبير ما أثار حفيظة السلطات المحلية ودفعها لمنع ترويج معاملات البيع والشراء، خشية التغيير الديموغرافي في المنطقة.

 تنظيم داعش اجتاح الفلوجة والمناطق القريبة في كانون الآول 2013. العمليات العسكرية التي قادتها القوات الأمنية العراقية بدعم قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير مدن ونواحي الأنبار من قبضة التنظيم الإرهابي في 2016 أدت الى فقدان أكثر من 7000 مدنيا بحسب اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الانبار، ما انعكس سلبا على الواقع المعيشي والاجتماعي في المناطق المتضررة.

قضاء الفلوجة (65 كلم شمال غرب بغداد)، كان الأكثر تضررا، اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار سجلت أكثر من 600 بلاغا عن حالات اختفاء بينها ادعاءات عن حالات اختفاء قسري طالت رجال وفتيان من أهالي المنطقة معظمهم من الفلاحين، ابان العمليات العسكرية لتحرير الفلوجة.

عودة معظم العوائل النازحة الى المدينة بعد انتهاء العمليات العسكرية لم يعيد المدينة التي تشتهر بالزراعة الى وضعها السابق، فمعظم المختفين هم من الفلاحين وأصحاب الأراضي الزراعية والذين تركت اراضيهم نهبا للجفاف والإهمال، ما اضطر نسائهم الى البحث عن بدائل تؤمن لهن دخل مالي شهري ثابت.

ام يوسف ذات الـ 55 عاما والتي مازالت تتأمل رؤية ابنها يوسف الذي غاب منذ سنوات تاركا خلفه سبع فتيات وأربعة صبيان، باعت الخمسة دوانم التي تملكها عائلتها وغادرت لتعيش واحفادها في مدينة اخرى وامتهنت بيع مشتقات الحليب لتأمين موردا ماليا يلبي احتياجات أسرتها اليومية .

تقول ام يوسف ان “الأرض بارت بعد ان فقدت زوجي واولادي الثلاثة. ما فائدة الأرض دون راع يرعاها؟”.

تلفت ام يوسف إلى أن اتخاذها قرار بيع ارض عائلتها كان صعبا. تقول وهي تقاوم دموعها وتشيح بوجهها بعيدا “كنت كمن قرر بيع أحد أعضاء جسده”، وتضيف ان العيش في المدينة ورحلة البحث عن ابنائها تحتاج الى أموال كثيرة كان عليها ان توفرها بآي طريقة.

لم تكن أم يوسف وحدها التي قررت الهجرة بحثا عن حياة آمنة مستقرة بعيدا عن الفلوجة فعشرات النساء غيرها من اهالي المنطقة، وجدن أن استثمار الأرض التي لم يعد أحد يرعاها، فرصة لتوفير دخل ثابت للأسرة من جهة وحماية الأرض من البوار من جهة أخرى. 

ام عامر التي وجدت نفسها فجأة تعيل ثلاثة أبناء وخمسة أحفاد بعد غياب زوجها وابنها الكبير لم تبع مزرعة الحمضيات التي تركها زوجها والبالغة مساحتها ثمانية دوانم، لكنها عرضتها للإيجار الفصلي.

 ام عامر لم تحصل على اكثر من مليون وخمسمئة الف دينار عراقي (ما يعادل 1000 دولار أمريكي) كبدل ايجار فصلي لمزرعتها، إلا أن هذا المبلغ الى جانب ما تحصل عليه من خياطة الملابس، بدا كافيا لمغادرة الفلوجة وتأسيس حياة جديدة لأولادها وأحفادها في اقليم كردستان، شمال العراق بعيدا عن “شبح العوز وذل الطلب”.

“كنت املك كل ما يتمناه المرء. الماء والخضراء والوجوه الحسنة زوجي وابنائي واحفادي والمال والحلال، لكن كل هذا تبدد بين ليلة وضحاها” تقول ام عامر.

“المزرعة باتت خاوية وبات العيش هناك (في المنطقة) صعبا. لم نكن نملك موردا ماليا والمساعدات البسيطة التي توفرها بعض المنظمات (غير الحكومية)، كان يستنزف طاقتنا وكرامتنا.

“غادرت وأطفالي وأحفادي، هربا من طوابير المنظمات وحفظا لما تبقى من كرامتنا.

“الهروب ليس حلا لكن البقاء اسيرة دوامة انتظار المساعدات جعل منا متسولين ننتظر عطف هذا وشفقة ذاك، وهذا ما لم ارتضيه لنفسي ولمن تبقى من اولادي واحفادي”.

انتعاش حركة بيع وشراء الأراضي الزراعية في الفلوجة مؤخرا، أثار حفيظة السلطات المحلية ما دفعها لإصدار قرارات تقضي بإعاقة ترويج معاملات بيع هذه الأراضي لمستثمرين أو مزارعين من خارج المدينة، “خشية التغيير الديموغرافي”.

مسؤول محلي في الفلوجة قال ان سعر الدونم الزراعي يتحدد اعتمادا على قرب الأرض من النهر وبعده عنها ويتراوح ما بين 10-30 مليون دينار عراقي (8700 دولار – 20 ألف دولار)، إلا ان إجراءات السلطات المحلية في المحافظة والتي أوقفت ترويج معاملات البيع والشراء، خفض الأسعار وأنعش الاستثمار الداخلي الذي يقتصر على تضمين (إيجار) هذه الأراضي لمستثمرين من اهالي المحافظة، ما يوفر دخلا شهريا يصل الى مليون دينار (700 دولار تقريبا) لأصحاب هذه الأراضي. 

محمد الفلاحي ناشط مدني في مجال حقوق الإنسان واحد اهالي الفلوجة، يقول أن استصلاح الأراضي الزراعية من قبل المستثمرين والمستأجرين أعاد الحياة لأكثر من 30 بالمئة من الأراضي إلا أنه “تسبب بهجرة عدد كبير من اصحاب هذه الأراضي، ما يتطلب تدخلا عاجلا لمعالجة أوضاع عوائل المغيبين لضمان بقائهم في مناطقهم”.

نساء وابناء المغيبين ممن يرفضون بيع أراضيهم أو تأجيرها، اضطروا للعمل في مهن بسيطة محدودة المردود لم يفكروا يوما بأمتهانها مثل التحطيب، والخبز والبناء وغيرها. 

“الشغل ما يعيب صاحبه لكن الطلب والعوز، يعيبه” تقول احدى نساء الفلوجة وهي تنشغل بتقطيع اشجار الحمضيات الجافة في ارض عائلتها، تمهيدا لبيعها.

إقرأ أيضا