هل يؤثر انسحاب «شل» من «النبراس» على البيئة الاستثمارية في العراق؟   

وضعت شركة “شل” العالمية، إحدى عمالقة النفط في العالم، الحكومة العراقية في مأزق بإعلانها الانسحاب من مشروع “النبراس” للبتروكيمياويات في محافظة البصرة، والذي يعد أكبر مصنع في الشرق الأوسط، حيث بات البحث عن بديل ليس بالأمر السهل، إذ يرى مختصون أن انسحاب شركة بهذا الحجم يؤثر سلباً على البيئة الاستثمارية ويثير مخاوف الشركات الأخرى.

وكانت وزارة الصناعة والمعادن قد أعلنت في 13 شباط فبراير الحالي، عن اعتذار شركة “شل” عن الاستمرار الاستمرار بالنقاشات مع وزارتي الصناعة والمعادن والنفط كمستثمر رئيسي لمشروع “النبراس” للبتروكيمياويات، مؤكدة في الوقت نفسه أن الشركة أكدت استمرارها بدعم المشروع من خلال شراكتها مع شركة غاز البصرة وتقديم جميع الأوليات التي تملكها عن المشـروع.

وأشارت الوزارة إلى أنه على خلفية ذلك، وجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وزارتي الصناعة والنفط بشأن دراسة خيارات أخرى أكثر استجابة للواقع الجديد للغاز بعد توقيع العقد الاستثماري مع شركة “توتال” الفرنسية وإعادة دراسة حجم المشروع وطاقته التصميمية والتفاصيل الفنية الأخرى.

وبهذا الصدد يقول رئيس مؤسسة “عراق المستقبل” لإدارة الاستثمارات النائب منار العبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “انتشار مثل هذه الأخبار يؤثر على البيئة الاستثمارية في العراق، وعلى الرغم من وجود بدائل كالشركات الصينية على سبيل المثال، إلا أن أغلب الشركات العالمية عندما تسمع بانسحاب شركة بحجم شل فهذا أمر سلبي”.

ويضيف “قد يترتب على خروج شركة شل من السوق النفطية خسارة كبيرة للعراق، خاصة وأن حجم الاستثمار الأجنبي الذي كان متوقعاً أن يحصل عليه العراق سوف يتراجع فإذا كانت هناك شركات ترغب بالاستثمار في العراق فأنها بعد قرار قد تفكر أو تعيد النظر بقرار استثمارها داخل العراق”.

ويتابع “أما بالنسبة للمشروع نفسه فإنه سوف يتأخر نتيجة لخروج هذه الشركة لحين قيام الحكومة بإيجاد شركة بديلة”، مرجحا انسحاب الشركة أن يكون بسبب “العقوبات الأمريكية المفروضة على عدد من المصارف العراقية، وكذلك ربما تداعيات الوضع الأمني في البلاد”.

وواجه المشروع الذي يعد أكبر مصنع بتروكيمياويات في الشرق الأوسط، منذ توقيع عقده في عام 2015 تلكؤا بسبب نقص السيولة والصراعات الداخلية، وتمتلك وزارتا الصناعة والنفط 51% من أسهم المشروع فيما تلبغ حصة شركة “شل”.

ويستهدف المشروع الاستفادة من موارد العراق الهائلة من الغاز، وإنشاء مشاريع إضافية في البصرة، ما يجعل البلاد منتجا رئيسا للبتروكيمياويات.

من جانبه، يرى الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “شركة شل على ما يبدو كانت عازمة على تنفيذ هذا القرار منذ وقت طويل لأنها باتت تسعى لتنويع استثماراتها وتتجه صوب الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة بدلا من الوقود الأحفوري وقد سبق لها انسحبت من الاستثمار في حقلين نفطيين في جنوب العراق”.

ويشير إلى أن “انسحاب الشركة من المشروع لن يؤثر على سير المشروع إذ أنها قد تعمل على التنازل عن حصتها إلى شركة أخرى وقد تقدمت مجموعة من الشركات بطلبات للشراكة مع شركه غاز البصرة المستثمرة الوطني لمشروع النبراس، من بينها شركة بيكر هيوز الأمريكية حسب معلوماتي، فضلا عن شركات صينية وشركة سابك السعودية على رغم من حدوث خلاف مع الشركة السعودية التي طالبت بحصة في المشروع تصل إلى 50% وهي أكثر من الحصة التي كانت تستحوذ عليها شركه شل”.

ويبين المشهداني أن “شركة شل طلبت من وزارة النفط أن تزودها بضغوط غاز تساوي 1400 مقمق حتى يقومون باشتقاق 200 مقمق منها فقط يوميا، وهذا الغاز كان يتم جمعه من أكثر من حقل غاز ويتكون من نوعين هما الميثان والإيثان والشركة تحتاج إلى الإيثان في الصناعات البتروكيمياوية، أما غاز الميثان فيتم تحويله إلى المصافي الخاصة بتحويله إلى الغاز المستخدم منزلياً، والمشكلة أن وزارة النفط غير قادرة على تجهيز الشركة بهذه النسبة يوميا، لذلك فإن الشركة ستبحث عن بدائل لتتمكن من أداء عملها وستتكبد خسائر مادية، وهذا أحد الأسباب الأساسية لانسحاب الشركة”.

وكان ممثل شركة “شل” قد أكد خلال لقائه مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الأسبوع الماضي، أن الشركة تركز استثماراتها ومشاريعها حاليا في كل أماكن تواجدها على قطاعات الغاز واستثماره وتقنيات تطويره، موضحا أن تغييرا طرأ على خطط الشركة في ما يتعلق بمشاريع البتروكيمياويات في كل العالم، وهذا كان سبب انسحابها من مشروع “النبراس” في العراق.

وشدد في الوقت نفسه الحرص الشديد على استمرار عمل الشركة في العراق الذي بدأ قبل 10 سنوات، والرغبة الجادة بتوسيعه في قطاع استثمار الغاز، الذي يشكل أحد أهم محاور الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة.

ومن الناحية القانونية، يوضح عميد كلية القانون في الجامعة المستنصرية الدكتور مالك الحسيني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العقد يحدد الشروط المتفق عليها بين الطرفين وهو الذي يحدد الجزاءات عن عدم التنفيذ وخصوصا ما يتعلق بحجز التأمينات النهائية للمشروع”.

ويلفت إلى أنه “من الممكن أن تقوم الجهة الممثلة عن المشروع في العراق بحجز الآلات والمعدات الخاصة بالشركة لحين فرض الجزاءات المنصوص عليها في العقد”.

وينبه إلى أن “انسحاب شركة عالمية مثل شركة شل دون معرفة الأسباب أو إبلاغ الطرف الثاني بالانسحاب قبل مدة من الزمن، ففي هذه الحالة ستدرج الشركة ضمن القائمة السوداء”.

وكان المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد، قد أوضح في 12 أيلول سبتمبر 2023، أن مشروع “النبراس” للبتروكيمياويات يهدف إلى “بناء صناعة عملاقة في هذا المجال وينفذ على مرحلتين الأولى إعداد الدراسة والتصاميم، والمرحلة الأخرى المباشرة بالتنفيذ”، مضيفا أن “المشروع يعتمد على استغلال فوائض الغاز الطبيعي، لصناعة المنتجات البتروكيمياوية المتعددة، وبطاقة إنتاجية مخطط لها تقارب مليوني طن سنوياً لتشكل قاعدة صناعية رصينة، تدعم الصناعات البلاستيكية والمطاطية، والصناعات المرتبطة بها كافة، تعزيزاً لمصانع ومعامل القطاع الخاص”.

ويوفر المشروع أكثر من 40 ألف فرصة عمل، ويحقق إيرادات مالية كبيرة تدعم الاقتصاد العراقي والتنمية المستدامة.

إقرأ أيضا