العراق.. ‏شباب أكثر وعبء أكبر

لم تكتمل الفرحة بنسبة الشباب في العراق التي أعلنتها وزارة التخطيط، بل سرعان ما أبدى…

لم تكتمل الفرحة بنسبة الشباب في العراق التي أعلنتها وزارة التخطيط، بل سرعان ما أبدى نواب وخبراء في الاقتصاد “حسرتهم” على النسبة التي بلغت 64 بالمئة، بسبب عدم استثمارها، خاصة وأن الوزارة أعلنت أن نسبة البطالة بلغت أكثر من 16 بالمائة.

ويقول النائب محمد البلداوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “نسبة الطاقات الشبابية في العراق مبشرة كما هو معروف، وهذا ينطوي على تحديات، فالطاقات والإمكانيات والأيدي العاملة المتوفرة تصطدم بتحديات ما نواجهه من بطالة وسوء إدارة لهذه الموارد”.

وكان وزير التخطيط خالد بتال أعلن، أمس الثلاثاء، عن مسح جديد أجري في العراق، وتبين فيه أن السكان بعمر 15 سنة فأكثر يشكلون نحو 64 بالمئة من إجمالي السكان، ويشكل الذكور منهم بحدود 50 بالمئة والأناث 50 بالمئة تقريبا، وفئة الشباب بعمر 15-24 سنة شكلت 21 بالمئة، وبعمر 25 سنة فأكثر شكلت 43 بالمئة من إجمالي السكان، فيما بلغت نسبة البطالة، وفقا لبتال، 16.5 بالمئة.

ويضيف البلداوي أن “أرقى وأهم ما موجود في بلدان العالم هي الموارد البشرية، لكننا لا نعرف كيف نستغل أو نستثمر الموارد البشرية ولا باقي الموارد التي وهبها الله لنا، ولعل العراق اليوم من البلدان التي  تزخر بالموارد البشرية لأن أغلب البلدان التي حددت النسل وسيطرت على موضوع الإنجاب هي في طور أن تكون أعمارها فوق المتوسطة أو كبيرة، وبالتالي تكون شعوبها كهلة واستهلاكية أكثر من الشباب لحاجتها إلى رعاية طبية وصحية واجتماعية”.

ويتابع أن “العراق اليوم بما يمتلكه من هذه الطاقات الشابة وما يحظى به من نعم، يوجب على وزارة التخطيط ووزارة العمل والوزارات القطاعية الأخرى استثمار هذه الموارد والطاقات لتوظيفها في خدمة البلاد، ولكن اليوم لدينا مشكلة على مستوى جميع الوزارات باستثمار هذه الطاقات واستيعابها وتوظيفها بشكل حقيقي ينهض بالبلد”.

ويلفت إلى أن “وجود الطاقات الشابة بات يشكل تحديا بدلا من أن يشكل موردا مهما، ففي كل مناطق العراق نجد مجموعة من الشباب المعتصم أو المتظاهر للمطالبة بفرص عمل، وهذا ما  كان يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار من قبل الدولة، حيث كان عليها توفير هذه الفرص”.

وينوه البلداوي، إلى أنه “يجدر بالحكومة التوجه إلى خطط التنمية المستدامة واستغلال هذه الطاقات، ومع أن هناك خططا قد وضعت سابقا مثل خطة 18 على 20 وخطة 20 على 30، أو خطط التنمية المستدامة والخطط التي وضعت لاستيعاب الشباب وتوظيفهم، إلا أن جمود العقل الذي يدير الدولة ومؤسساتها حال دون تنفيذ تلك الخطط”.

وكان مدير عام دائرة العمل والتدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رائد جبار باهض، أعلن الشهر الماضي، أن الوزارة لديها قاعدة بيانات رصينة تضم أكثر من مليون باحث عن العمل من مختلف الفئات ومن خريجي وزارتي التعليم العالي والتربية، تم تسجيلهم خلال المدة الماضية في بغداد والمحافظات ما عدا إقليم كردستان.

إلى ذلك، يوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حالة تشكيل الشباب النسبة الأكبر من السكان تسمى الهبة الديموغرافية، وتقرير وزارة التخطيط جاء مطابقا لتوقعاتنا، فالعراق بلد شاب”.

ويشير المشهداني إلى أنه يمكن أن “يكون هناك استغراب من نسبة البطالة والتي تشكل ١٦.٥ بالمئة، حيث من المرجح أن تكون النسبة أكبر من هذا الرقم، وهذا معناه أن 4 ملايين و500 ألف شاب في عمر العشرينيات عاطلين عن العمل”، مبينا أن “السكان النشيطين ينقسمون إلى ذكور وإناث، و80 بالمئة من الباحثين عن عمل هم من الذكور، بينما 20 من الباحثين عن عمل من الإناث”.

ويؤكد المشهداني “عدم وجود فائدة من أن العراق بلد شاب، بل على العكس ذلك يشكل عبئا لأن المشكلة أننا نتحدث عن شباب المجتمع العراقي، فما هي مقومات هذه الشباب؟ والشباب الذي نتحدث عنه من المفترض أن يكون لديه مستقبل لتكون فرص عمله دائمة ومستقرة في المستقبل لأن أعمالنا اليوم لا تنسجم مع الأعمال التي ستبتكر خلال العقد المقبل”.

ويبين المشهداني أن “العالم يتطور تكنولوجيا بسرعة هائلة، بينما تشير التقارير الدولية، وآخرها تقرير البنك الدولي، إلى أن معظم الطلبة العراقيين لا يجيدون القراءة والكتابة أو أنهم لا يفهمون ما يقرأون، في وقت يحتاج فيه الشباب مستوى مرتفعا من التعلم لمواكبة التطور الحالي والمستقبلي لكي يتمكن من اقتحام سوق العمل”.

ويتابع أن “القضاء على البطالة يستوجب برامج دقيقة وتنشيط القطاع الخاص لاستيعاب الأيدي العاملة الشابة، أما تخصيص أموال في قانون الدعم الطارئ لموظفي العقود وغير ذلك من إجراءات، فهي خطوات لن تسهم في حل المشكلة”.

ويشهد العراق منذ سنوات طويلة، تظاهرات مستمرة وكبيرة يذهب ضحيتها العشرات من الشباب نتيجة قمع الأجهزة الأمنية، وغالبا ما تنحصر مطالب المتظاهرين بتوفير فرص عمل والقضاء على البطالة وتوفير الخدمات وحياة كريمة للمواطن.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.

إقرأ أيضا