نساء الريف.. الفئة الأكثر تضررا من الجفاف في العراق

فقدت خيرية (70 عاماً)، وهي غير متزوجة وليس لها معيل بعد وفاة أهلها، عملها كمزارعة…

فقدت خيرية (70 عاماً)، عملها كمزارعة وراعية لمواشي أحد وجهاء قريتها النائية في محافظة المثنى جنوبي العراق، بعد قرار الأخير بيع المواشي والهجرة إلى المدينة بسبب التغيّر المناخي والجفاف وشحّ المياه.

المرأة الوحيدة، كانت قد فقدت جميع أفراد أسرتها، لكنها رفضت الهجرة مع العائلة التي آوتها وعاشت في كنفها، وعملت لديها، واضطرّت للبقاء في غرفتها الصغيرة، وفضلت الموت في أرضها التي أفنت سنوات عمرها في رعايتها.

ومنذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى النصف، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات لمساحاتها الزراعية، كما فقدت الأهوار نحو 80 بالمئة من مساحاتها المغمورة بالمياه، ما انعكس على الثروة الحيوانية وخاصة الجاموس، حيث انخفضت أعداده بشكل هائل وبات مهددا بالانقراض.

والحال نفسها، مرّت على فخرية (50 عاما)، وهي أم لخمسة أطفال، إذ تركت تعاني شظف العيش في إحدى قرى ناحية الوركاء في محافظة المثنى بعد هجرة فلاحي قريتها إلى المدن بسبب التغيّرات المناخية وشحّ المياه وجفافها وموت الأغنام جوعا وعطشا، حيث كانت تعتمد في الحصول على موردها المالي من تربية الدواجن وبيع منتجاتها لأهالي القرية، وليس لها مورد آخر بعد أن هجرها زوجها بسبب الفقر وتركها وأطفالها في بيت مبنيّ من طين وسقفه من سعف النخيل.

وبحسب دراسة قدمتها مدير منظمة حقوق المرأة المهندسة والحقوقية بتول الداغر، بعنوان (المرأة العراقية والتغييرات المناخية) فأن المرأة العراقية عامة والريفية خاصة هن الأكثر تضررا بسبب التغيّرات المناخية في العراق، ويوعز سبب الضعف التي تعيشه النساء الريفيات بسبب اعتمادهن على الموارد الطبيعية في عيشهن وتغذيتهن وعلى الإنتاج الزراعي، وأن هذه الموارد شحت بسبب التغييرات المناخية، ما أدى إلى تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي والاتجار بالمرأة  مع قلة هذه الموارد، فكانت تأثيرات التغييرات جلية وواضحة بنحو غير متساوٍ بين الرجال والنساء، إذ أن النساء أكثر تضررا، وهذا ما لوحظ من خلال الزيارات والتوثيق للانتهاكات التي تعرضت لها وزيادة نسب العنف المبني على النوع الاجتماعي وحالات الطلاق والانتحار وغيرها ما أدى إلى فقدان المرأة لهويتها الريفية.

فيما تؤكد مريم الفرطوسي، المدير التنفيذي لمؤسسة أليس لحقوق المرأة والطفل في محافظة المثنى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “منذ بدء التغيّرات المناخية التي عصفت بمحافظة المثنى من العواصف الترابية وجفاف بحيرة ساوة ومجاعة الغزلان تضررت المساحات الزراعية، وبحسب توجيهات وزارة الزراعة تم تخفيض المساحات المزروعة إلى النصف، علما أن المساحات في الموسم السابق كانت بحدود 350 ألف دونم تقريبا”.

وأشار رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد في مؤتمر قمة المناخ (cop 27) الذي عقد للفترة من (6 لغاية 18) تشرين الثاني نوفمبر 2022 في مدينة شرم الشيخ بمصر، إلى أن “أزمة المياه في العراق أجبرت السلطات على تقليص المساحات الزراعية، وان التصحر يهدد 40 بالمئة من مساحة العراق”. 

إخفاق

ويتحدث مسؤول مديرية تخطيط المثنى المهندس قابل حمود البركات، عن أن “التغييرات المناخية أثرت على الزراعة في قرى المحافظة، مع شحّ المياه السطحية وقلة الأمطار والاحتباس الحراري، ما أدى إلى هجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة، حيث تعتمد قرى المحافظة على الزراعة والثروة الحيوانية، ونظرا للاحتباس الحراري الذي يمنع الأمطار فيندر الغطاء النباتي، إضافة إلى عجز الفلاحين عن شراء الأعلاف بعد أن كانت طبيعية، كذلك ذنائب الأنهر لم تصلها المياه فقلت المساحات الزراعية إلى النصف”.

ويضيف البركات، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وزارة الزراعة هي المعنيّة في معالجة آثار الاحتباس الحراري مع عدد من الجهات الحكومية، إلا أنها أخفقت في السنوات الأخيرة في الحد من هذه الظاهرة بالأحزمة الخضراء والغطاء النباتي وتقليل الغبار”.

وتعد المثنى، المحافظة الأكثر فقرا في العراق بنسبة 52 بالمئة، ويصل عدد القرى فيها إلى 538 قرية، وتشكل العشوائيات أكثر من 21400 مسكن عشوائي، أما البادية فمساحتها 18 مليون دونم، بحسب البركات.

ولا ينعكس الجفاف على إدامة حياة السكان في بيئة الأهوار نتيجة تدهور مصادر معيشتهم، أو خفض حصة الفرد من المياه المتأتية من مشاريع تصفية المياه التي واجهت مشاكل في تأمين المياه المطلوبة وتراجع المساحات المزروعة، بل على وجود موارد طبيعية تساهم في خلق توازن بيئي أيضا، فالأهوار تشكل خط الدفاع الأول ضد التغيرات المناخية، إذ يؤدي خلل التوازن هذا بما حمله من أضرار بيئية نتيجة انخفاض مستوى المياه في نهري دجلة والفرات، إلى ارتفاع مستويات الملوحة وتدهور نوعية جودة المياه مع وجود تبخر سنوي يصل إلى 3 أمتار.

ويجد مدير تخطيط المثنى، أن “الحلول المناسبة تكمن في أن تبدأ الدولة بوضع الاحتياطات اللازمة للمستقبل لخطورة التصحر والاحتباس وقلة المياه، وسياسات تسليم إدارة المياه سواء بالسياسة الخارجية مع دول الجوار أو إدارة المياه الداخلية مثل تنظيم عملية الري من خلال المراشنة ورفع التجاوزات على ضفاف الأنهر واستخدام المكننة الحديثة”.

هجرة سكان الأهوار

ويؤكد الخبير البيئي جاسم الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التغيّر المناخي في العراق أدى إلى هجرة كبيرة من مراكز الأهوار إلى مراكز المدن وفقد الكثير من الرجال والنساء مصادر عيشهم لاعتمادهم في دخلهم المعيشي على المياه بشكل أساسي وباتوا لا يجدون ما يسدون به رمقهم  ولا قوت يومهم، فالتغيرات المناخية أثرت بشكل كبير على الأهوار، وقد انخفضت نسبه الإغمار، وجفت بحيرات مهمة وذات اثر في اقتصاديات السكان المحليين والتنوع الإحيائي مثل بركة أم النعاج في هور الحويزة بمحافظة ميسان وهور الحمار الغربي والبركة البغدادية في الاهوار الوسطى وأصبح جزء كبير من الأهوار جزءاً من الصحراء العراقية”.

ويضيف الأسدي، المسؤول عن منظمة طبيعة العراق في قضاء الجبايش (شرقي ذي قار)، أن “صناع القصب وصيادي الأسماك فقدوا تقريبا 95 بالمئة من كمية الأسماك الموجودة في الأهوار، ومربي الحيوانات والجاموس فقدوا 20 إلى 33 بالمئة من قطعانهم، كما أن إنتاجيات الجاموس انخفضت من 6 لترات حليب إلى اقل من لتر واحد يوميا، وهبطت أسعار الجاموس من ثلاثة ونصف مليون دينار إلى اقل من مليون دينار للجاموسة الواحدة، ما أدى إلى  هجرة كبيرة داخل الاهوار وخارجها وانعكس تأثيرها على النوع الاجتماعي الأصيل وعرب الاهوار وعلى اقتصاديات الناس وربما تشكل صراعات في المدن والقصبات والمدن التي سيذهب إليها مربو الجاموس”.

ويرى الخبير البيئي أن “الحلول المناسبة هي إعادة النظر في توزيعات المياه داخل العراق ومتابعة التيرنو بوردز في الحدود الداخلية في الأهوار”، مشيرا إلى أن  “الحلول في جانب منها ليس جانبا مائيا في أقصى حالاته، اليوم لا يوجد لدينا أكثر من 9 مليارات و 600 مليون متر مكعب في السدود والخزانات الرئيسية الثلاثة دوكان وحديثة والموصل لكن علينا أن نسعى لإعادة السكان المحليين ودعم أسعار العلف الحيواني ودعم مالي ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية لصيد الأسماك ومربي الجاموس أيضا، وبالرغم من أن المؤسسات الحكومية لديها عمل مع منظمات المجتمع المدني ولكن ليس بمستوى الطموح فالجانب الحكومي يبدو حريصا من حيث الأقوال ولكن من حيث الأفعال هو شحيح جداَ”.

ويبين تقرير تحليل السكان الصادر عن صندوق الأمم المتحدة أن الهجرة المستمرة أدت إلى توزيع غير متوازن للسكان، حيث ما يقرب من 70  بالمئة من السكان يستقرون في المناطق الحضرية، ما يؤثر سلباً على التنمية الزراعية ومن المتوقع أن تقوم النساء والفتيات بالسير لمسافات أطول للحصول على المياه وجلبها، مما يعرضهن لمخاطر اكبر من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويمكن أن يؤدي فقدان سبل كسب العيش إلى زيادة زواج الأطفال وحمل المراهقات، ونزاعات بين المجتمعات المحلية.

ووفقاً لمؤشر المخاطر المناخية على الأطفال لمنظمة اليونيسيف، فإن الأطفال والشباب معرضون لمخاطر مناخية من متوسطة إلى عالية في العراق، مع وجود فئات تعاني الهشاشة ومناطق معينة من البلد معرضة لمخاطر أكبر.

من جانبها، تناشد رئيس منظمة أور للمرأة والطفل منى الهلالي، في حديث لـ”العالم الجديد”، “باسم نساء الأهوار والمناطق المنكوبة الأمم المتحدة ودائرة تمكين المرأة، الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات تجاه الكارثة البيئية، حيث وصل عدد العوائل النازحة من محافظة ذي قار جنوب العراق إلى 3000 عائلة وتسرب عدد كبير من تلامذة المدارس، كما فقدت النساء مصادر دخلهن”.

وطالبت الهلالي الجهات الحكومية بـ”إيجاد حل عاجل لهذه الأزمة الإنسانية”، التي تضاف الى جملة تحديات أخرى، تتعلق بعدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية ونقص المياه العابرة للحدود، وانتشار العواصف الترابية.

وبحسب التصنيفات الدولية، يعد العراق من ضمن الدول الخمس الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، وأهمها الاحتباس الحراري وانخفاض مناسيب المياه والتصحر والجفاف وانحسار الأراضي الزراعية والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وتناقص الإيرادات المائية ما يؤثر على الأمن الغذائي والمائي بشكل كبير وبالنتيجة على الأمن الوطني بالتزامن مع انضمام العراق لاتفاقية باريس للمناخ في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر 2021، كذلك يصنف واحدا من الدول التي تعاني من إجهاد مائي كبير بسبب السدود العملاقة التي شيدت من قبل دول الجوار (تركيا وإيران) والتي أدت إلى ندرة المياه في نهري دجلة والفرات والأهوار في جنوبي العراق.

وأوضحت دراسة استقصائية، أجريت العام 2021 وشملت سبع محافظات عراقية، بحسب رؤية الأمم المتحدة، فإن 37 بالمئة من مزارعي القمح و30 بالمئة من مزارعي الشعير، يعانون من فشل المحاصيل بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد. ولم يشمل فشل عمليات الحصاد لنسبة كبيرة من الحقول الزراعية وسط وجنوب العراق فقط، بل حتى في محافظات دهوك وأربيل التي عادة ما تسجل معدلات مطرية أفضل.

ومن أجل الضغط على الجهات المعنية وأصحاب القرار لمعالجة المشكلة المناخية، نظمت عدد من منظمات المجتمع المدني وناشطون صباح الجمعة 14 تشرين الثاني نوفمبر 2022 في شارع المتنبي وسط العاصمة بغداد، وقفة تطالب فيها الجهات المعنية ووزارة البيئة بإنقاذ الأهوار وسكانها والحفاظ عليها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية، من خلال وضع سياسات مواجهة التغيّرات المناخية  في العراق، خاصة وأن العراق وفق إحصائيات وزارة البيئة يخسر يوميا ما قيمته سبعة ملايين دولار بسبب التغيرات المناخية ما يستوجب إجراءات لمعالجتها.

إقرأ أيضا