يا لك من (شاعر) لا يفقه الشعر!

قبل سقوط سلطة نظام حزب البعث على أيدي صانعيهم الأمريكان العام 2003 أصدرتُ بحثا عن منحى الشعر الشعبي العراقي عبر مسار تاريخ الشعب العراقي الوطني، وعنونته \”مدخل إلى الشعر الشعبي العراقي، قراءة في تاريخ شعب\” بستة فصول. وقد تناولته بعض الأقلام العراقية مشيدة به، وبحسب رؤيتها، مثل الشاعر والروائي عباس خضر، والناقد والكاتب صالح زامل، والشاعر الكبير الراحل كاظم السماوي.

 

ولكني وللأسف الشديد بقيت وإلى اللحظة هذه أنتظر تلك الردود التي تصلني كشتائم فقط، وأنا ككاتب كتبت رؤية من زاوية واضحة لمن يطلع على الكتاب. وأنا أعيب على من لا يمتلك من الموضوعية الثقافية وأدواتها في الرد النقدي، حين يبقي يديه مطبقتين على فصل واحد من الكتاب من دون فصوله الأخرى، ألا وهو فصل الكتاب الأخير الذي يتناول قصيدة الانحدار والانحطاط المعنون \”قصيدة الحرب والتأليه\” الذي طغى على الجهد المبذول لمجمل الكتاب، خاصة القراءات الصحفية المستعجلة له.

 

الذي ذكرني بهذا الكتاب الصادر لي منذ عقد تقريباً، هو ما أبلغني به أحد الأصدقاء، من أن أحد الشعراء الشعبيين الذي مسه ما ذكرناه من قريب أو بعيد، يبحث عن عشيرة كاتب هذه السطور كي يقيم عليه \”كَوامة\” عشائرية. و\”الكَوامة \”إحدى قواعد الحياة العشائرية، على أساسها يحق للعشيرة إقامة دعوى للتعويض المالي والمعنوي ضد العشرة الأخرى، حسب الأعراف وبقياس ما يتداولونه من اهتمامات وطبقا لقواميس تفاسيرهم خارج الإطار المدني لمفهوم المواطنة والعدالة التي هي من أحد واجبات الدولة في ترسيخها والعمل بها على سائر تراب خارطة الوطن\”.

 

يا لك من \”شاعر\” لا يعرف مهام الشعر! وياله من زمن رديء، حين تصبح الإنسانية وجمالياتها هكذا في القرن الواحد والعشرين!، وحينما يصبح كتبة الشعر على نسق ما حذرنا منه، وهو عودة التجربة بكل تفاصيلها المرة وأسمائها اللامعة في صناعة التهريج والمسخ والتردي والجهل، كي تبرز اليوم عبر المهرجانات التي كان الشاعر هذا واحدا من رموزها وأحد أصواتها الصاخبة، والمصرة على ما ننذر منه من عودة ثقافة الحروب والقتل والسجون ووأد الرأي الآخر، كي يبقى رأي حزب \”قائد الضرورة\” والمفاهيم العشائرية البالية التي أسست لإعادتها بقوة سلطة حزب البعث، بما يلائم منهاج التدمير لبنية المجتمع العراقي في المدينة، ولكل تطلعات الوعي الذي تمكنت طلائع الرواد في الحياة السياسية والثقافية العراقية من تمهيد الخطى نحو نضوجها في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

 

فأي \”شاعر\” هذا الذي يدعي الشعر والثقافة وصناعة الجمال والتثوير الحضاري، وهو لا يستطيع أن يرد بشكل ثقافي موضوعي وعقلاني على رؤية لها أدواتها الثقافية سلطت الضوء على حقبة من انحطاط الثقافة العراقية على المستوى الرسمي إبان سلطة حزب البعث.

 

ولهذا \”الشاعر\” أقول: إن كانت لديك رؤية تدحض بها ما قدمته من آراء بشكل موضوعي وأدبي وعلى مستوى القراءة النقدية للمشهد الشعري الذي تناولته بوضوح الشواهد والصور المساهمة بقوة صخب تلك الماكنة الإعلامية المصاحبة لها، إن كانت لديك من رؤية تفيد وتفند مزاعم رؤيتي النقدية، فأنا أنتظرها، حين تقدمها للقراء كما قدمتها من دون زيف أو تزوير.

 

كنت أنتظر ردودا موضوعية من جميع من كان مساهماً فعالاً في إنتاج ثقافة البعث، لا أن تبحث عن \”عشيرة\” لتسلب الثقافة ثوبها التنويري في إنتاج حياة حضارية.

 

وللعلم، فأنا ومنذ نشأتي تجاوزت ما تبحث أنت اليوم عنه من مفاهيم وأطر اجتماعية بالية، لأجل أن ترقع ثوبا كنت ترتديه وجوقة في ساحات مدح السلطان وحروبه العدوانية.

* كاتب وشاعر عراقي مقيم في السويد

إقرأ أيضا