اعتزال مع سبق الإصرار

لم يحظَ خبر (اعتزال) أو اعتكاف السيد مقتدى الصدر العمل السياسي باهتمام وسائل الإعلام المتنوعة، فالفضائيات لم تتناوله كخبر أول في نشراتها الإخبارية، ولم يكن مانشيتاً عريضاً يتصدر الصفحات الأولى من الصحف الرسمية وغير الرسمية، فيما عدا تناوله خبراً اعتيادياً كأي حدث يمرّ به الشارع السياسي العراقي المضطرب.

واقعاً يبدو أن خيار الصدر هذا لا يتعدى كونه خياراً شخصياً، فهو ليس رجل سياسة، ولم يختر لنفسه هذا الطريق، ولم تكن تدخلاته القليلة في محاولة حل النزاعات إلا لإثبات الوجود، وربما أقرب أتباعه من أصحاب المواقع السياسية صدموا بهذا القرار، وهو دليل على مدى الفجوة بين زعيم التيار وأتباعه من أصحاب النفوذ السياسي، خصوصاً إنه منزعج من تصرفات بعض المحسوبين عليه.

لو افترضنا جدلاً، إن الخط الصدري بمجمله اتخذ قرار (الاعتزال السياسي)، اعترافاً منه بعدم المقدرة على تلبية احتياجات الشعب، وعدم التأقلم مع بقية الفئات السياسية المتناحرة فيما بينها، أو في الأقل، اعتراضاً على سياسية الحكومة في قيادة البلد وأخذه نحو مستقبل أكثر تعقيداً مما نحن فيه الآن، لكان أعضاء كتلة الأحرار (أحراراً) في دنياهم، غير آبهين بمصالحهم الضيّقة ممتثلين إلى من أوصلهم إلى كرسي النفوذ. وهذا ما سيعزّز من التفاف الجماهير حولهم أكثر من السابق، على اعتبار أنهم قدّموا ما لم يقدمه أي طرف سياسي منذ انشاء العملية السياسية الرخوة بعد 2003 وهو قرار (الاعتزال، أو الاعتكاف)، ولو لفترة وجيزة، على أن يعودوا مجدّداً للاختبار إذا ما أحسّوا أنهم قادرون على تقديم خدمة ما للوطن وللشعب.

تُرى هل أراد السيد الصدر أن يلفت الأنظار إليه من خلال اتخاذه مثل هكذا قرار؟ وهل سيعود ليعدل عنه، كما بقي يلوّح بورقة جيش المهدي مهدّداً بعض السياسيين بعد أن قرر تجميده لفترة محدّدة.

تساؤلات يطرحها الشارع والمراقبون السياسيون، ولا جواب يلوح في الأفق، سوى بعض التضرعات التي أطلقها بعض أتباع السيد مقتدى الصدر في حملات تدعوه للعدول عن قراره الأخير، (سيدي لا تتركنا. إمام غائب. وصدر شهيد. وقائدٌ همّ بالرحيل. ألطف بنا يا الله وارحمنا)، كانت هذه إحدى اليافطات المرفوعة في حملة لاتباعه.

ربما يكون هذا الخيار حلاً لمشكلات كثيرة يتعرض لها الصدر بسبب بعض أتباعه، أو ربما يكون هذا الحلّ بداية لافتعال مأزق جديد من مآزق العراق العجيبة.

من يدري؟

* صحفي عراقي

إقرأ أيضا