نحن وتاريخ من السيارات المفخخة

كانت السعادة تغمر المهندسين الالمانيين \”جوتليب ديلمر\” و\” كارل فريدريش بنز\” حينما تنافسا دون ان يلتقيا وجها لوجه في صناعة العربات المتحركة بشكل ميكانيكي، والتي كانت النواة الاولى لبداية صناعة السيارات في المانيا والعالم، في ثمانينات القرن التاسع عشر للميلاد.

كانت السيارة تمثل طفرة نوعية وقفزة هائلة على صعيد المواصلات البرية، وبفضلها قال الانسان: وداعا للدواب، بعد ان وجد وسيلة نقل توفر عليه الجهد والزمن. 

لكن اصحاب ذلك الاختراع لم يكن في تصورهم ان تصبح المركبات وسائط نقل ليس فقط من مدينة الى اخرى، بل هي قادرة حتى على ايصالك من عالم الى عالم اخر! وسوف تغمرهم بدل موجات الفرح نوبات من الحزن والالم اذا ما بقيت قوافل الموت تسير سيرا حثيثا على معزوفات عصف السيارات المفخخة التي اصبحت موضة القتل بالنسبة للعديد من جماعات العنف.

لقد امتد تاريخ التخريب عن طريق السيارات المفخخة الى مسافات زمنية طويلة تعود الى بدايات القرن العشرين، حينما كانت المنظمات اليهودية هي اول من استخدم تلك الوسيلة لتحقيق حلم الدولة العبرية، وهكذا قامت منظمتا \”الاتسل\” و\”ليحي\” لاول مرة باستخدام هذا الاسلوب في عام 1938، في الاراضي الفلسطينية، ثم تبعتهم منظمتا \”الارجون\” و\”شتيرن\” بتفجير السيارات المفخخة في عام 1948 .

لكن الجماعات اليهودية وان كانت صاحبة السبق في ذلك الاسلوب العنيف، الا انها لم تكن الوحيدة فقط التي تمارس العنف عن طريق السيارات المفخخة، بل تبعتها في ذلك جماعة الاخوان الملسمين حينما كانوا يفجرون بعض الحارات اليهودية في القاهرة عام 1948. وهكذا شيئا فشيئا اخذت هذه الظاهرة تنتشر في نقاط جغرافية كثيرة من هذا العالم من اقصاه الى اقصاه. فالجيش الايرلندي مارس ذلك الاسلوب لفترة طويلة من الزمن، كما أنّ نمور التاميل طرقوا ذلك الباب في سريلانكا، اضافة الى استخدام ذات الاسلوب في الحرب الاهلية اللبنانية، كذلك في الاردن، كولومبيا، المملكة العربية السعودية، الجزائر وغيرها من بلدان العالم.

لكن جميع تلك البلدان مجتمعة لم يصل ما فجر فيها من سيارات مفخخة الى الرقم الذي وصلت اليه في العراق. تلك الارقام المذهلة التي كانت في غالب الاحيان تمتد لتطال الضحايا من المدنيين. هذه هي هدايا جماعات العنف وبعض الاطراف التي توفر لها غطاء سياسيا، بتلك الطريقة البشعة توفر تلك الجماعات وسائط النقل العام وبشكل مجاني لعامة ابناء الشعب من اجل القضاء عليهم بحفلات الموت. 

إنّ الواقع المتردي الذي وصل اليه حال العراق بهذه الموجات المتلاحقة من السيارات المفخخة له اسباب معروفة لن تجدي معها خطوات المصالحة الوطنية كما لن تفلح ايضا معها سلسلة من مؤتمرات المجاملات. مؤتمرات وندوات وطاولات حوار اكثر ما يميزها المجاملات واكثر ما يغيب عنها الصراحة والشجاعة في طرح الحقيقة. 

عافاك الله ايها العراق يا وريث السومريين من هذا الداء، ونتمنى ان تتعافى من هذا الوباء القاتل حتى لو تطلّب ذلك التخلص من بعض اعضائك التي استفحل فيها هذا السرطان.

gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا