سُليم بن قيس.. مشكلتنا

تعوّد المسلمون عبر تاريخهم على الروايات المتفرقة، بل أصبح ورود الرواية على لسان رواة عدة دعما لقربها من الحقيقة. وحتى بعد أن بدأ عصر الـتدوين ترى أن أكثر من سند لرواية واحدة هو جزء من المتن وجدار أمام المشكك بأصالة الكلمات. الحالة التي انفرد بها كتاب سُليم بن قيس الهلالي أنه انتقل مجموعا برواية فردية على مستوى صاحب الكتاب ورواية الثاني والثالث، وأقصد هنا سليم وأبان بن أبي عياش وعمر بن أذينة، ومن ثم بدأ الكتاب ينتشر في بطون الكتب الشيعية انتشار جذور الأشجار المعمرة، حيث يتم تعريفه دائما على أنه أول مصنف إسلامي.
من وجهة نظري، واعتمادا على آراء كثير من علماء التاريخ، أفترض أن شخصية سُليم مختلقة مثلها مثل الكتاب، وأن \”سُليم\” ما هو إلا المعادل الطائفي لشخصية \”ابن سبأ\” المختلقة أيضا، والرجل لم ير غير رواية ولم يذكر أسانيده ولقاءاته مع الأئمة \”ع\”، غير ابن أبان الذي تم تضعيفه كمحدث، فكيف يمكن قبول وجود تابعي لم ير غير من روى عنه؟
المتشبثون بفكرة وجود هذا الرجل وحقيقة كتابه، هم من يخافون من انسحاب ما يرويه الكتاب من حياة الاثني عشرية وهكذا يخلو المتن الشيعي من أهم مصادر رواية السقيفة، وكذلك قصة ضلع الزهراء \”ع\”. ولكنهم هنا يدفعون بدعاة المنطق إلى الهاوية ويجعلون الكتاب الملفق قدسا من الأقداس، ويتضخم، وهم بهذا الحجم حتى يصبح الحديث عنه من قبل أشخاص مثل محمد حسين فضل الله وكمال الحيدري إثما ومدعاة لتفسيقهم في أحسن الأحوال.
وأنا أتابع بيأس المهاترات بشأن حقيقة الكتاب من عدمها بين شباب شيعة وسنة في الانترنت والواقع، تذكرت ما قاله لي د.حسن الحكيم ومضمونه: أن الحكيم سأل العلامة الدكتور جواد علي مرة عن سبب عزوفه عن ترجمة كتابه \”المهدي عند الاثني عشرية\” المكتوب باللغة الألمانية أساسا فأجابه المرحوم جواد علي قائلا: حتى لا تكفروني، و قد ترجم الكتاب قبل سنوات وصدر مطبوعا، ومرَّ ولم يثر أية ضجة! ليس لأنه خالٍ من المفاجآت، بل لأن أحداً لم يعد مهتما بالحقيقة!!
أتساءل عن أشياء كثيرة هنا، ومنها لو أُسقط كتاب سُليم من المدونة الشيعية، فهل سيقبلنا خصوم الشيعة كمسلمين من الدرجة الأولى؟ وفي الوقت نفسه فأنَّ مغامرة كهذه، هل ستكون في صالح العلم أم في صالح التاريخ؟
لا أرى في كتاب سُليم على ضوء ما قرأت حقائق جزئية حتى، فهو عبارة عن تمظهر أولي للدين الشعبي الذي نعاني اليوم من تسلطه على ذائقة العوام وتهييجهم نحو كل هدف طائفي محتمل يهدد كيانا لم يكن في القرون الأولى للإسلام سوى اجتهاد أو نظرية دم مقدس مختلف عليها. وعلى هذه الأسس غير العلمية والرخوة يقف التطرف الديني داعما لسراب اسمه كتاب \”سُليم\” يحتوي على أئمة ثلاثة عشر في إحدى رواياته وعتاب يتهجده محمد بن أبي بكر في طفولته لأبيه قبل موته، وصولا إلى محنة المحن وهي رواية كسر ضلع الزهراء. الكتاب القديم الذي توجد له ثمان و ستون مخطوطة لم نرها، ولم تحقق بأكملها، وإنما تمت مطابقة بعضها على كلها مع الإشارة إلى عدم التطابق واختلاف النسخ والتأكيد على جهل النُسّاخ كتبرير لوهم كبير تمت وراثته عبر القرون.

إقرأ أيضا